... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قضايا

   
عمر و التشيع . . . ح 5

حسن العلوي

تاريخ النشر       30/09/2007 06:00 AM


الـمثــالب الجـلـيـلـة
إذا كـان عمـر خاطـئـاً
فالشـــورى خـاطئـة!
المجتهدات العمرية:
أحصينا لدى الدكتور على محمد الصلابي أربعا وثلاثين مسألة فقهية اختار عمر العمل بها، وعنه أخذتها المدارس الفقهية الإسلامية كلها، أو بعضها.
ومع ذلك فالمؤرخ الدكتور محمد حسين هيكل لا يرى في عمر ميلاً نظرياً أو أن ما يصدر عنه من اجتهادات جاءت من هذا الجانب وهذا صحيح.
إن الحياة الاجتماعية ومستجدات السياسة اليومية، والتغيرات الكبرى التي أحدثتها الفتوحات والاتساع الجغرافي والسكاني للدولة الناشئة، هي التي أملت على عمر بن الخطاب هذه الاختيارات، ومنها:
كراهة الصلاة في جلود الثعالب(*).
إن جلد الميتة يطهر بالدباغ إذا كانت طاهرة في حال الحياة.
إنه إذا شرط: أنه متى حلّ الحقّ، ولم يوفّ، فالرهن بالدين، فهو مبيع بالدين الذي عليك، فهو شرط فاسد.
إذا وجد الغريم عين ماله عند المفلس، فهو أحق بها.
أن عين الدابة تضمن بربع قيمتها.
أن الشفعة لا تكون إلا في المشاع غير المقسوم.
تجوز المساقاة في جميع الشجر.
لاتلزم الهبة إلا بالقبض.
من وهب لغير ذي رحم، فله الرجوع ما لم يثب عليها، ومن وهب لذي رحم، فليس له الرجوع.
إن مدة تعريف اللقطة سنة.
يجوز أخذ اليسير من اللقطة، والانتفاع به من غير تعريف.
إن اللقطة إذا تجاوزت المدة المعتبرة، فلم يعرف مالكها،صارت كسائر أمواله غنياً كان، أو فقيراً.
اللقيط يقر بيد من وجده، إن كان أميناً.
جواز الرجوع في الوصية، وقال: يغير الرجل ما شاء من وصيته.
إن الأخوات مع البنات عصبة، لهن ما فضل.
إن للجدات وإن كثرت السدس، وهو قول أبي بكر. في أم، وأخت، وجد، للأخت النصف، وللأم ثلث ما بقي، وما بقي للجد. إذا كان زوج، وأبوان، أعطى الزوج النصف، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وإذا كانت زوجة، وأبوان، أعطيت الزوجة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب، وهاتان المسألتان تسميان بالعمريتين، لأن عمر – رضي الله عنه– قضى فيهما بهذا اختيار توريث ذوي الأرحام إذا لم يكن ذوي فرض، ولا عصبة.
يستهدي بالنص لتوليد النصوص
تشكلت في عهده دولة كبرى بأجهزة صغيرة ومؤسسات صغرى وبآليات شبه بدائية، وبمثل عليا سامية أضفت على الدولة طابعها، فحكمت الدولة لا بمنظومة إدارية أو بشبكة أمنية متراصة، بل بمنظومة قيم متعاشقة. وباجتهادات قائمة على شراكة. فكأن حكمه أقرب إلى حكم الجبهة الوطنية في أيامنا، في جانب المشاركة. لكن دولة أخرى لم تتوصل بعد الى التطبيقات العمرية للمثل العليا في الإسلام. وهو ماسميّناه بالطباق العمري. حيث تنعدم الفروق بين النص النظري والمقطع التطبيقي على الأرض، فاستكملت في زمنه أحكام الآليات القرآنية والأحاديث النبوية، فعاد إلى فقهاء الصحابة وعلى رأسهم الإمام علي ليتشاوروا في مراجعة النص، ويستخرجوا أحكاماً تتواءم مع مستجدات الواقع الإسلامي الجديد، فنسب إلى عهده الكثير من التطورات الفقهية والفكرية.
ولهذا فلم تكن نسبة المسائل الفقهية إلى عمر مبالغاً فيها، لأنها في الأساس حصيلة لآلية وضعت لتوسيع المشاركة في التطورات السياسية والعسكرية والفقهية.
تحريم زواج المتعة
لم أتوقع أن تكون لزواج المتعة الذي حرمه عمر هذه الحساسية لدى بيئتي الشيعية، حتى عندما نددت بهامش سريع بأهل المتعة في كتابي (الشيعة والدولة القومية).
وكنت أحسب أن معيار تحليلها وتحريمها مرهون بالمعايير الاجتماعية، وقد عشت خمسين عاماً في محيطي البغدادي بين الكرادة الشرقية وكرادة مريم، وكلتاهما كانت شيعية، فلم أسمع قارئاً حسينياً أو حديثاً على لسان أب وجد، يدور حول المتعة، وهكذا ينطق بها دون مضاف. وهي ترد مفردةً على غير العبارة الفقهية "زواج المتعة".
ولكنني كنت أسمع أن بعض الرجال الموسرين يذهبون إلى إيران ويستمتعون بالنساء هناك( ).
وعند خروجي إلى سوريا ولبنان، كثر المسموع عن زواج المتعة، بحكم وجودي كمعارض سياسي سابق قريباً من بيئة إسلامية محضة وكان جوابي على إشكال التحليل والتحريم، أني لست إسلامياً، وأن الحلال فيها والحرام لا أستمده من نص فقهي لحل إشكال كهذا، وإنما من موقف المجتمع إزاءه وهل هو من الفضائل التي يصرح بها أم من الحالات التي إذا حدثت فعلى نطاق المستور؟!.
لا أحب تكرار السؤال المكرر والموجه إلى المتحدثين عن حلالها، وإذا كانوا يوافقون على تزويج أحد نسائهم زواج متعة!. ولا أدخل في مساجلات يثار فيها زواج المسيار عند أهل السنة وأنواع أخرى بدأت تنشأ في حجر موصدة وأمام عيون مفتوحة.
أقول.. لست بهذا الصدد،ولكني أرى في المتعة مشهداً لا يتقبله العرف العام، والذوق العام، والشرف العام، والتقليد العام، إذ لايعقل أن أرى رجلاً مع شقيقتي يتغير ثلاث مرات بالسنة، إذا كان زواج المتعة بشروطه وعدته، وإلاّ فالخارجون على الشروط يمكن لهم أن يروا مئة رجل لشقيقة واحدة في العام الواحد!. فإذا كان ذلك مقبولاً في الشرع، فلست ممن يتقيد بهذا الحلال. وهذه مسألة اجتماعية لا أقترب فيها من نص يحللها أو يحرمها، ولو كان محرّمها من أهل الجاهلية. لما تغير في الأمر شيء ولأتبعته عرب الحاضر، عن طيب خاطر، مادام ذلك نابعاً من طبيعة المجتمع وأخلاقياته التي درج عليها، ولِمَ لا والكثير من محرّمات الجاهلية، بقيت على حالها في الإسلام؟.
وفي رواق علمي خالص، تثار روايات استفهام على جملة إجراءات وقرارات دينية وسياسية واجتماعية مما يروى ويسمع من نقد بعيد عن منابر القطيعة والتشهير، طففناها مسرعين في ثنايا الصفحات مادامت طفيفة.
أما العلامات العريضة، فتستوجب مراجعة أوفى وأكرم ومنها:
•هل اغتال عمر،سعد بن عبادة الأنصاري زعيم الخزرج، وأول مرشح في السقيفة؟.
•هل كان مصيباً باجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب؟.
•من أين يستمد صلاحياته في الاجتهاد بما لم يكن لغيره؟.
•هل يمتلك عمر حق إدخال عبارة الصلاة خير من النوم في أذان الصبح؟
•هل كان الزهد مطلوباً منه في عصر الفتوحات؟.
•لماذا لا تحتفظ سيرته بالحكم والوصايا؟.
•مشكلات الدرة التي يخفق بها الناس؟.
•هل أحرق مكتبة الاسكندرية؟.
في بعض هذه التساؤلات تلتبس المثالب بالمكارم، وقد ينتهي التطواف بها إلى شاطيء الفضائل، وتكون ذاتها.. المثالب الجليلة؟.
مثلما كان الموقف في السقيفة من وجهة نظر سياسية، وكما هي الحال مع تحريم المتعة من وجهة نظر اجتماعية، فلنكتم أنفسنا لآخر المطاف.
غير أن اعتراضات فقهية تتصدر لائحة الاستفهام الأولى ضد اجتهادات عمر بن الخطاب في قضايا خطيرة.
ولأننا نتعامل بالسياسي والاجتماعي، وننأى الخوض فيما نحن لسنا مؤهلين له في مسائل الخلاف الفقهي، فكان طبيعياً أن تندرج اجتهادات عمر معنا، حيث اندرجت في المدرسة المصرية، وعند التنويريين، وهي عندنا من مفاخر العقل الإسلامي، دونما حاجة إلى شيء من التوسل بالمسوغات الفقهية والاستدارات المنطقية لتمييع المجتهدات العمرية وحشدها في مسائل الأتباع والتقليد، وهي مما انفرد بها عمر، فأبدع بالممكن وأعطى الإسلام زخماً ظل الفقهاء يفتقرون إليه.
ومما يتيح حرية البحث في الانتقادات الموجهة إلى عمر بن الخطاب، أنه لا يدخل في العصمة حسب القواعد الإسلامية، وكان على ظننا يتعمد إشهار بشريته فيمنع اعتبار ما يقوله إلاّ رأيه هو وليس رأي الله. ويعلو صوته في انتقاد خطأ وقع فيه، وترتفع نبرته درجة أعلى عند تخصيص من قال بخطئه امرأة كانت أم رجلاً.. صحابياً كبيراً أم عابر سبيل. ولم يكن وهو "يجلد" نفسه، إثر حوار يُخَطّأ فيه، إلاّ متعمداً تحقيقاً لبشريته واحتمالات الخطأ والصواب.
إن الجانب البشري في عمر بن الخطاب يغري الناس في مساءلته واستجوابه دونما حرج، ولا أخفي انبهاري بهذا الجانب، وإباحة سري، في الميل نحوه، والجرأة على الكتابة فيه، إن بشرية عمر تجعل "مثالب القطيعة" جليلة وانتقادات المحايدين قابلة للرأي وضده.
الصلاة خير من النوم
أرى أن أذان الفجر ينطوي على روح طبقية في ذات النبي (ص)، ثائرة على البطرين والمدللين والكسالى والفارغين الذين ينامون حتى الضحى، وكنا نتمنى لو كان صوت المؤذنِ حياً، تحس فيه بحرارة الوجدان، وليس مسجلاً على شريط مخروط.
إن بعض المتحدثين ينسبون إلى عمر بن الخطاب إضافة جملة والصلاة خير من النوم إلى الأذان، فهل لدينا من المعرفة التاريخية والفقهية مايدفعنا إلى تأييد هذا الرأي أو نفيه؟.
إن بعض المؤرخين إذا كانوا من أهل المذاهب، فهم مثل أهل السياسة والعقائد الذين يكتبون التاريخ الحديث على ضوء عقائدهم، وليس على منعكس الأحداث والوقائع. لكن الرواية تعكس شخصية صاحبها وعندي شيء من الثقة بالقدرة على فحص الرواية العمرية على ضوء سايكولوجية الرجل، وما نتعارف عليه بعالمه الخاص في الذائقة والمعرفة، والوجدان والأسلوب، وسيكون اجتهادنا أنها لم تصدر عن عمر، ليس بالدليل النقلي، كما قلنا وإنما بمواءمتها مع روحية عمر وأسلوبه، وهما معروفان لدينا.
المعتقد أنها ترتبط بالسنوات الأولى للبعثة النبوية، والناس لم يعتادوا بعد على الاستفاقة في ذلك الوقت، إلا لألم أو مرض أو هَمّ من هموم العشق، فيسألون النجوم متى تغيب ليروا في الصباح التالي من يحبون رؤيته، فلا بد من حث المسلمين على اليقظة المبكرة، وإفهامهم أن الصلاة أفضل وأجمل من الاستغراق بالنوم.
وننكر أن يكون ذلك حصل في خلافة عمر، ورغبة منه، لأن المدينة تعودت على صلاة الفجر بعد تلك السنوات، وصار مألوفاً أن تبدأ نهارها قبيل ظهور الخط الأبيض في الأفق، فيستمر بعضهم يقظاً، ويعود آخرون إلى افتراش أرضهم.
وفي جانب الأسلوب ننكر أن تكون العبارة لعمر، وهي تشير إلى طلب شفيف، يدل على مرحلة مبكرة تستدعي الرفق الشديد بالمسلمين الناشئين والحذر من أن يغلبهم النوم، فيما الإسلام في عهد عمر قد تجذر وتجذرت طقوسه في نفوس المسلمين،حتى صارت العبادة عادة.
أما آخر ما نزعم به لإنكار صدورها عن عمر، أنها لو لم تصدر في زمن الرسول (ص) واجتهد عمر إضافتها لأسباب موجبة لوردت العبارة بلغة ناهية أو آمرة مشبعة بإحساس القوة التي وصل إليها المسلمون في عصره، وليست من طبيعة عمر تلك الموادعة والليونة، فيترك المكلفين مستغرقين بنومهم، وهو الذي يعالج أسباب صراخ الطفل الذي لم ينم ليلته. وهو صاحب العسس، جَّواب الليل. فكيف يدع المبطرين نائمين والصلاة قائمة؟.فيلامسهم بما هو بديهي. والبديهي أن الصلاة خير من النوم!.
كان عمر على طريقته هذه، سيخرج النائمين والدرة تعلو رؤوسهم، ولو كانوا قادة من وزن سعد بن أبي وقاص أو شعراء من وزن حسان بن ثابت.
أقول لو أن الضرورة دفعت بعمر لإضافة عبارة، الصلاة خير من النوم إلى الأذان، لكان النص كما أتخيله هذه الساعة يملأ مسامعي على الصورة المفترضة معاذ الله.
حيّ على الفلاح – حيّ على الفلاح
لاخير في نائم، والفجر لاح
استغفر الله لي ولكم.
هل كان الزهد مطلوباً في ثراء الفتوحات ؟
يرى كتّاب علمانيون أن زهد عمر فيه بعض التكلف والاصطناع، وقد يكون غير مبرر في دولة انفتحت على بيت المال، فيها خزائن الماس والذهب وأموال الخراج من أغنى دولتين في الشرق القديم، وطَفر معدل الدخل الفردي إلى أكثر من مئة ضعف، ودخلت أموال إلى المدينة فقيل أن بعض الصحابة كانوا يكسرون أحجار الذهب بالفؤوس.
ويدعمُ القائلين بهذا الرأي أنّ الدولة الإسلامية لم تكن تحرّم الثراء، والشرع يدفع المسلمين إلى التجارة التي ترد في النص القرآني والحديث الشريف في موارد الثناء.
إنّ الإمام علي يجيبُ على سؤال المعترضين من أهل العلمنة والحداثة في حوار مع الربيع بن زياد الحارثي منقولاً عن الأحنف بن قيس أنّ الحارثي جاءَ إلى علي وقال: يا أمير المؤمنين إنّ أخي عاصم بن زياد لبس العباءة وتنسّكَ وهجر أهله فقال له الإمام:
عليَّ به، فجاءه وقد ائتزر بعباءة وارتدى بأخرى، أشعث أغبر، فقال له: ويحك يا عاصم، أما تستحي من أهلك. أما ترحم وِلدك؟.
ألم تسمع قوله تعالى: ويحّلُ لهم الطيبات، أترى أن اللَّه أباحها لك ولأمثالك، وهو يكره أن تنَالَ منها، أما سمعت قول رسولَ الله (ص) إنّ لنفسك عليك حقاً ولولدك عليكَ حقاً؟.
فقال له عاصِم:
فما بالك يا أمير المؤمنين في خشونة ملبسكَ وخشونة مطعمك وإني أقتدي بزيك؟.
فقال له الإمام: ويحك إنّ الله فرض على أئمة الحق أن يتصفوا بأوصاف أفقر رَعيتهم، لئلا يزدري الفقير بفقره، وليحمد الله على غناه.
ودخَلَ سويد بن غفلة على الإمام علي في بيت الإمارة بالكوفة، وبين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن، والرغيف يابس، فأنكر سُويد عليهِ ذلك فالتفت إليه الإمام قائلاً:
ويحَكَ يا سُويد ما شبع رسول الله (ص) من خبزٍ ثلاثاً تباعاً، حتى لقي الله، ولانُخل له طعام.
وفي رواية ثانية عن سُويد أنّه قال: دخلتُ على عليٍ يوماً، وليس في داره سوى حصيرٍ رثٍ، وهو جالسٌ عليه فقلتُ يا أمير المؤمنين أنت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلى بيت المال، وتأتيك الوفود، وليس في بيتك سوى هذا الحصير فقال:
إن البيت لا يتأثث في دار النقلة.
وفي النص تتركز الإجابة على مبدأ قد نتعارف عليه بإشعاع النموذج أو جاذبية المثال يتصل بتعفف الحاكم فيتعفف من معه.
وهذا جانب أخلاقي وسياسي كان له دور في انجذاب المجتمع الإسلامي نحو حكامه الزاهدين.
ويتصل المبدأ الثاني بالمألوف الإسلامي الديني، الذي يعافَ متاع الحياة الدنيا، زاهداً بدار النقلة مطمئناً إلى ما ستوفره دار الإقامةِ.
لم يستمر زهدُ الخلفاء بعد أبي بكر وعمر وعلي ويعزو مؤرخون كطه حسين وعلماء اجتماع مثل علي الوردي ومفكرون يساريون كهادي العلوي وحسين مروة إلى عثمان بن عفان مسؤولية الخروج على زهد عمر وعلي إلى حياةٍ أكثرَ رفاهاً وترفاً.
يقول هادي العلوي في كتابه فصول من تاريخ الإسلام السياسي:
إن البناء الذي شرع عمر بن الخطاب في إرسائهِ على صعيد السياسة الداخلية انهار بعد مقتله مباشرةً، وذلك حين توصلت الارستقراطية الإسلامية إلى تعيين عثمان في حين أثبتت السرعة التي نقضَ بها عثمان إجراءات عُمر عدم متانة الأساس الذي قامت عليه، وقد عبّرت سياسة عثمان. عن نقاوةِ موقفهِ (الطبقي) كان انحيازه الحاسم إلى الأرستقراطية قد رافقه وقطَعَ أوهى الصلاتِ، التي ربما كانت تجمع الإسلام الرسمي بالعناصر المستضعفة في المجتمع الجديد.
قد لا أتفق مع هذا التحليل، لعدم اعتمادي أساساً على المنهج الطبقي في تفسير التاريخ، ولِظني أن التطور الاجتماعي الذي أحدثته الفتوحات في زمن عمر واستمر إلى خلافة عثمان كان سينقل الدولة الجديدة إلى مرحلة أخرى لم يكن للجزيرة العربية عهدٌ بها، وكان رأس الدولة سيتصرف سواءً كان عثمان أم غيره على ضوء العناصر الجديدة والواقع الرأسمالي الجديد لهذه الدولة.
لكن عثمان كان دائماً يدفعُ ثمن التطورات المفاجئة اقتصادية أم سياسية أم إدارية، لأن نصيبه المُقدّرَ قد وضعهُ خليفةً لعمر وأمامه إمام تتطلعُ إليه قلوب المستضعفين من أهل الإسلام الأوّل.
إن عثمان كان في مأزق سيكون مثله أي مُرَشح من الستة الذين تنافسوا على الخلافة في مجلس الشورى.
كان الإمام علي يستحوذ على أحلام ومشاعر عامة فقراء المدينة وأرجاء الدولة الإسلامية، فيما الاتجاهات العامة للدولة لم يكن باستطاعتها أن تخضعَ للاتجاهات الطبقية التي يعزُزها تعفف عمر وزهد علي. ولم يستوعب هذا الخط أن يُقاوِم النقلة، التي أحدثتها الفتوحات في المجتمع والاقتصاد والثقافة وما يترتب على ذلك من تأثير في المزاج والطموح لدى المسلمين.
باعتقادي فإن أول من استجاب لهذه النقلة الاقتصادية والحضارية هو عثمان، الذي لم يجد في مزاجهِ وتربيته منذ الطفولة، وحتى الشيخوخة ما يتناقض ومفهوم الرفاه. وقد نشأ أميراً في محيطه وصاحب ثروة وممولاً للحركة الإسلامية الجديدة التي قادها النبي (ص).
وكان التطور الذي حدث عند عائشة مشابهاً لواقع عثمان، فهي زوجة مؤسس الدولة الإسلامية، وقائدها نبي المسلمين وابنة أول خليفة في الإسلام، والصحابية التي كان الصحابة يتنافسون على رواية حديثها، وقد امتدّ بها العُمْر إلى ما بعد الثمانين، وأصابت حِصَتَها من الغنائم طيلة سبعين عاماً. وسيكون لعائشة دور الأميرة المُعاصِرة، وهي تُطِّلُ على أعرابِ وفقراء متمردين على الخليفة فتُعبر بكلام ينقله الطبري، ويجد فيه الماركسيون مبتَغاهم لوصفها ممثلة الأرستقراطية الإسلامية الجديدة.
تقول عائشة:
إن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمرٌ، ويردد الزبير بن العوام شيئاً من روح حديثها، وقد تحول هذا الصحابي إلى طبقة جديدة مدعوماً بشرف الصُحبة ونبالة النَسَب القريب من النبي (ص) ليقول عمن يُسميهم بغوغاء الأمصار، وقد ظاهرهم الأعراب والعبيد يتزاحمون لهجوم على بيتِ الخليفةِ الثالت فيقتُلُونَهُ.
( إذا لم يُفطَم الناس من أمثالها. لم يبقَ إمام إلاّ قَتَلهُ هذا الضرب).
ليس لعمر حكم ووصايا ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
يضفي المنهج الكلاسيكي على عمر بن الخطاب معظم العناصر والسمات التي يشترك فيها من هم في درجة أدنى من الأنبياء حواريين وصحابة أئمة ومريدين وأتباعاً من الرعيل الأول.
ومن هذه السمات أن يكون الحواري والصحابي والإمام في عداد الحكماء، الذين ينقطعون إلى أنفسهم، فيتعلقون بعالم المثل الإلهية، وتتحد مخيلة الصحابي والإمام والحواري والفقيه الأول بالمنشور الروحي، ويستحيل الواحد منهم حكيماً كلقمان أو أفلاطون أو كونفيشيوس.
إن بعض الدارسين والمتحدثين صنفوا عمر بن الخطاب في هذا الطراز المنقطع إلى فكره والمقيم مع مخيلتهِ.
أما تيار القطيعة فلطالما تحدث عن فقر الميراث العمري من الحكم والوصايا، وهي عندي من المثالب الجليلة وسنرى دليل قولنا هذا.
إن عمر ليس معدوداً في الحكماء ولم تتسق ظروف الحكمة مع مزاجه أو طبيعة عملهِ في الجاهلية والإسلام.
فهو أولاً رجل عملي واقعي، يعيش تفاصيل الحياة اليومية، ويجبره الصغير فيها بما يجبره الكبير، فيما الحكيم منقطعِ معتكف، جسده على الأرض وعيناه إلى السماء أو أن تستديرا نحو الكائنات الصغيرة مشغولاً بها لعله يخرجُ من عزلته قواعد للناسِ.
وعمر من أصحاب المشاريع الكبيرة، وهؤلاء أقل الناس كلاماً وأوجزهم نصائح وأبعدهم عن الوصايا، فإذا انقضى عهدهم تركوا للشعراء ولملتقطي الحكمة سجلاً حافلاً غير مُسجل على لسانهم بل هو مطبوعٌ على تجاربهم اليومية.
لم يكن عمر بن الخطاب محسوباً على المفكرين والمبدعين، لكنه كان يمتلك حاسةً مشبعةً بروح العدالة، وروحاً شعرية شفيفة، ولم يضع عمر أمامه فكرةً يكرهها على أن تتحول إلى الحياة بالقوة، وإنما تتحول التجربة عنده إلى فكرة.
إنه أقرب إلى صنف التكنولوجيا وليس من صنف التنظير المثالي.
لم يقرأ عمر بن الخطاب كتاباً في أخطار الهجرة الريفية على الاقتصاد الوطني، عندما قرر إجلاء أبناء القبائل الذين لجأوا إلى المدينة المنورة في عام الرمادة بعد عودة المطر والظهور الأول للعشب والماء في الجزيرة، عند انتهاء الجفاف في ذلك العام.
ولم يكن عمر يبحث في المثيولوجيا ولا في الانثربولوجيا حين منع أبناء الشعوب المفتوحة من الإقامة في المدينة. فهو في ذلك الوقت كان معنياً ببناء مجتمع ناشىء متجانس وبتجربة حديثة العهد، قد تتضرر من اتصالها واحتكاكها بثقافات سابقة وتجارب عريقة لليهودية والمسيحية والمجوسية ولنظريات الحكم الساساني والروماني.
لكن بعض الصحابة كانوا يستقدمون معهم أشخاصاً معدودين كاصطحاب سعد بن وقاص شخصاً يدعى جُفينة، واصطحاب المغيرة بن شعبة لرجل يُدعى فيروز المكنى بأبي لؤلؤة. وهو الذي اغتال عمر بن الخطاب بخنجر مسموم.
إن عمر منع في السنوات الأولى الاحتكاك الأجنبي بمجتمع المدينة حفاظاً على نقائه وسلامةِ دينه ووحدته، وفي ذهن عمر حذر أن لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، وكما يقول أبو يوسف صاحب الخراج، فإن الفاروق خاف من النصارى على المسلمين.
وهكذا أجلى نصارى نجران ويهود خيبر من قلب الجزيرة إلى الشام والعراق وشمل الإجلاء مراكزهم المنظمة ومؤسساتهم وأبقى الأفراد البُسطاء الذين لا يشكلون خطراً .
يذكر أن النبي محمد (ص) قد أبقى اليهود والنصارى في أيامه وأجلاهم عمر في أيامه.
وعمر يعطي للمستجدات الاجتماعية والاقتصادية حقها ودورها، فقد انتزع أرضاً أقطعها النبي (ص) إلى بلال بن الحارث المُزني، وطلب عمر منه أن يحتفظ بجزء يسير ويُوزع باقي الأرض على مستحقيها.
سُّره غير المخفي ومفتاح سيرته وشرط فهمه وتفهمه محصورٌ في قاعدة وشرط عدم الامتثال السريع، فهو لا يركض إذا ركض أقرانه من صبيان بني عدي وراء صوتٍ أو صخبٍ، ولا يستسلم لرأي استسلام المريد، وفي شخصيته حصانة داخلية تحول بينه الاستقبال السريع للمعلومة والفكرة والخبر.
وعلى صعيد التنفيذ فهو لا يقدم على أَمرٍ دون أن يناقشه حتى يقتنع به. على أن يفتح أذنيه للإصغاء قبل أن يفتح صدره للمناقشة والاعتراض.
وكانت روح المعارضة تملأ صدره، وكأنه ليس رئيس هذه الدولة وأميرها فيندد بمخالفات الولاة ويقاضي رجال الصف الأول من الصحابة.
ويخفق رؤوسهم بالدرة، وإن كان المخفوق بمستوى سعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وطلحة والزُبير والمغيرة بن شُعبه.
كان إحساسه بالعدالة يلتقط ظلم الولاة وجنوح الأمراء، فيبدو دوره أقرب إلى رئيس المحكمة الدستورية في دولة ديمقراطية.
أجلاء اليهود والنصارى عن جزيرة العرب :
كان قرار عُمر إجلاء المسيحيين واليهود من شبه الجزيرة العربية مفاجئاً، فهم في الأحكام أهل ذمة وحقوقهم على الدولة وواجباتهم مقطوعٌ فيها. وهم في المواطنة عرب، وعمر بن الخطاب مُتعرب، والمتعربون كما يقول الجاحظ في كتاب العثمانية هم من لهم ميل وحب للعرب تاريخاً ولُغةً ومَصالِح.
فعلى أي مُسوغ قام قرار الخليفة؟.
من حق المستشرقين التقاط هذا الإجراء، ووضعه على سطور التشريح والنقد والانتقاد، فكأنه قرار يصدر من خارج عُمر. لو فَصلّنا ثيابه ومزاجَهُ وعقيدتَهُ فما الذي حَصَلَ؟.
إذا كان الدافع الخشية من الكيد، فقد أُتُهِمَ اليهود على مرِّ العصور وتغيّ‍ر الأمكنة بهذه المثلبة التي أُلصقت بهم بحق أم بغير حق، فما الذي فعله النصارى حتى يخلي الجزيرة منهِم؟
أجابَ فقهاء ومؤرخون على هذه التساؤلات بقواعد الفقهِ وأحكامه مما لسنا ضليعين به، لاسيما والكتاب يبتعد عن ملامسةِ الجوانب الفقهيةِ، ويركز على ما هو سياسي واجتماعي حتى في تناول المسائل الدينية.
وهو رأي. وعمر يرفض أن يكون للهِ دورٌ في رأيه، فيقولُ:
انه رأيي. فإن أصبت فهو لي، وإن أخطأت فهو عليّ.
أمّا ما هو لله فهو منصوصٌ عليهِ.
ولَكَ أن تقول بخطأ في قرار لعُمر، وتعترض مثلما اعترضت امرأة في المسجد النبوي على مسألة تحديد مهور النساء، فذكرته بالآية التي أطلَقَتْ المهور واعتذر وقال حكمته المشهورة: اخطأ عمر وأصابت امرأة.
فهل أخطأ ولماذا لم يعترض عليه أعضاء المحكمة الدستورية في مجلس الشورى المُنعقد خمس جلسات في اليوم بعدَ الصلوات الخمس.؟
ولأننا لسنا من أهل الفقه، فسنقتصر الإجابة على مُقرارات سياسية واجتماعية وما يتعلق بهما، فنقول في دوافع هذا القرار: إن صحوةً دينيةً كانت رياحها تضرب أنحاء الجزيرة قبل الإسلام، الذي لو تأخر ظهوره نصف قرن لكانت الجزيرة العربية حالياً جزيرة مسيحية مع أقليّة يهودية ومجوسية.
ولأن جوارها، الدولة الرومانية في بلاد الشام، كانت المسيحية مُرشحةًُ لهذا الدور، فقطع ظهور الإسلام عليها فرصة الانتشار العربي. والمنافسة كانت ستكون شرسة في الجزيرة لو تأخر ظهور الإسلام قليلاً.
أمّا اليهود فهم وبسبب عدم أخذهم بأسلوب التبشير، فلم يكن ثمة خوف من انتشارهم، لكنهم أصحاب مهارات لم يرتقِ إليها سُكان الجزيرة، لاسيما المهارة المالية والإدارية والتنظيمية مما كانت بدايةَ تأسيس الدولة الإسلامية تفتقر إليه وتحتاجه.
وكان ممكناً لو لم يجرِ عليهم ذلك الإجراء وفيض الأموال يزخ عليهم من بلاد الشام وبلاد فارس ومصر وظهور طبقة رجال الأعمال من الصحابة، وهم تجّار مُتمرسون، وباتساع الأموال والمؤسسات أن ترى مع كلُ رجل أعمال صحابي مدير أعمال يهودي يصرف أعماله، وصاحب المال يدري أو لا يدري، كما هي حال أهل الخليج في أيامنا هذه، فلكل رجل أعمال مدير لأعماله من مسيحيي لبنان الماهرين أو من مسيحيي أوروبا.
ونَميل إلى سبب آخر ربما فكّر عمر به، والله أعلم، لتفسير قرار إجلاء اليهود والمسيحيين من الجزيرة العربية، حاجة الأمم والدول في سنوات نشوئها الأولى للتجانس الاجتماعي، الذي بدونه قد تقع مكوناتها الناشئة تحت ضغط النموذج الحضاري لديانات متمرسة ومقتدرة على أن تجد لها مكاناً في زحمة انشغال المجتمع الإسلامي بمآثر الفتوحات.
إحراق عمر مكتبة الاسكندرية
في المتداول التاريخي أن عمر بن الخطاب أمر عمرو بن العاص إحراق مكتبة الاسكندرية، التي أنشئت في عهد البطالسة، وفيها 700 ألف مجلد، فأسعفت آلاف الحمامات بوقود لمدة ستة أشهر.
يرى محمد حسين هيكل في كتابه الفاروق إن هذه الرواية "إحراق عمر مكتبة الاسكندرية"، نشأت في بيئات شيعية. قائلاً: " ولعل هذه الأسطورة نجمت في بيئات الشيعة، فذكرها أبو الحسن القفطي في كتابه: "تاريخ الحكماء"، ونقلها عنه أبو الفرج بن العِبرى، وكلاهما عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، وقد تداولها عنهما من جاء بعدهما من المؤرخين. وقد أحكموا حبكها. وفي وسعك أن تتبيّن هذا الإحكام من طريقة روايتها. فقد ذكروا أن قسيساً من القبط يدعى حنّا( ) النحوي عزله مجمع الأساقفة لزيغ في عقيدته، كان قد اتصل بعد الفتح بعمرو بن العاص، فلقى عنده حظوة لذكائه وصفاء ذهنه وغزارة علمه. فلما اطمأن إلى إقبال عمرو عليه، قال له يوماً:" لقد رأيت المدينة كلها وختمت على ما فيها من التحف. ولست أطلب إليك شيئاً مما تنتفع به، بل شيئاً لا نفع له عندك وهو عندنا نافع ".
وسأله عمرو: ما يعني بقوله، فأجاب:" أعنى بقولي ما في خزائن الروم من كتب الحكمة ". فقال له عمرو:" إن ذلك أمر ليس لي أن أقتطع فيه رأياً دون إذن الخليفة". ثم إنه بعث إلى عمر يسأله رأيه في الأمر، فجاءه الرد من المدينة وفيه ما يأتي:" وأما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ماجاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا به، وإذا خالفه فلا أرب لنا فيها وأحرقها ". فلما جاء هذا الكتاب إلى عمرو، وأمر بالكتب فوزّعت على حمامات الاسكندرية لتوقد بها، فما زالوا يوقدون به ستة أشهر. هذه خلاصة وجيزة لرواية القفطي، وقد أردفها بقوله:" فاسمع لما جرى وأعجب!"
أنت ترى براعة الحبك في هذه القصة. فحوار بين حنا وعمرو، وكتاب من عمرو إلى الخليفة، ورّد من الخليفة يأمر بإحراق المكتبة، وتفصيلٌ دقيق للطريقة التي نفّذ بها هذا الأمر. كيف يبقى بعد ذلك كله أي ريب في صحة هذه الوقائع؟! وكيف يخالج المؤرخين المسلمين فيها الشك وقد كتبت في القرن السادس الإسلامي حين جمد التفكير والنقد، وأصبح جهد المؤلفين مقصوراً على نقل الروايات التي ذكرها من سبقهم دون تمحيصها لمعرفة صحيحها من باطلها. فليثبت المؤرخون المسلمون هذه القصة العجيبة كما هي، ولينقلها الخلف منهم عن السلف، وليذكرها المؤرخون المسيحيون مؤمنين بصحتها، وليعلّقوا عليها بما يشاءون، فهم لم يكونوا يتصوّرون الإسلام والمسلمين إلا اقترنا في أذهانهم بالتعصب المذموم والقسوة الوحشية. ولتبق هذه الوقائع مقطوعاً بصحتها حتى يلقي عليها النقد العلمي ضياءه الكشاف فيظهر بطلانها، فيزيفّها "جبّن"، ويزيّفها "سدّيو"، ويزيفها "رينان"، ويزيفها "جستاف ليبون"، ويزيفها "بتلر"، ويزيفها غير هؤلاء من المؤرخين، ثم تزيفها دوائر المعارف البريطانية والإسلامية وغيرها ويزيفها تاريخ المؤرخ، ويذكر في تزييفها ونفيها ما قرره علماء المسلمين صراحة من" أن ما يغنم في الحرب من كتب اليهود والمسيحيين الدينية لا يجوز بحال أن يقدم طعاماً للنار، وأن مؤلفات العلماء والمؤرخين والشعراء وعلماء الطبيعة والفلاسفة يحقّ الانتفاع بها لخير المؤمنين". ولا تحسب أن المؤرخين اكتفوا في نفي هذه الأسطورة بالإسناد إلى مثل هذا الاعتبار العام، فقد تناولوها بالتمحيص حتى ثبت لهم أنها لاتثبت له، ثم نفوا حوادثها واحدةً واحدة نفياً علمياً دقيقاً مستنداً إلى أوثق المصادر".
إبطال الرواية
ويبطل محمد حسين هيكل هذه الرواية ونوجز مناقشته في هذه النقاط.
إن الباحثين المستشرقين، ومنهم المستشرق البريطاني ألفرد باتلرسون صاحب كتاب " فتح العرب لمصر" اكتشفوا زيف رواية إحراق المكتبة، ونفوا أن يتحدث حنا النحوي إلى عمرو بن العاص في أمر المكتبة، لأنه مات قبل دخول المسلمين مصر بـ115عاماً.
وإن مكتبة البطالسة لم تكن قائمة عند فتح العرب مصر. وقد احترقت سنة 48 للميلاد أثناء هجوم قيصر على الاسكندرية. وإحراق المصريين السفن حتى لايصل إليهم، فوصلت النيران إلى المكتبة. وجاءت على محتوياتها. وليس صحيحاً أن المكتبات التي نقلت محتوياتها بعد احتراق مكتبة البطالسة، وأقامت أخرى كانت باقية عند الفتح، فقد أهديت المكتبة إلى كيلوباترا عوضاً عن الخسارة التي لحقتها بضياع مكتبة أبائها ملوك مصر البطالسة.
ويأخذ المستشرقون على المؤرخ عدم حياده إذ تنتهي الرواية بقوله استنكاراً لما فعله عمر فاسمع لما جرى واعجب.
أما الأستاذ عباس محمود العقاد في عبقرية عمر فيتوقف عند هذه الرواية، ويخصها بست صفحات من الكتاب وباهتمام لم يوله لموضوعات أكبر منها أهمية لصلة العقاد بقضايا الفكر وأهمية المكتبات عنده وسخر من رواية إشعال الحمام بمجلدات مكتوبة على الرق الذي لا يشتعل!.
لم تكن الرواية شيعية
ولم يتحدث العقاد عن بيئات شيعية صدرت عنها الرواية، بما كان يوحي عند هيكل أن أبا الحسن القفطي وابن العبري من بعده كانا من أهل التشيع، لكن العقاد يثير نقاطاً جديدة، فيلقي الضوء على القفطي أو ابن القفطي، وكان له أب معجب بصلاح الدين الأيوبي، فولاه قضاء القدس. أخطر مهمة في الحروب الصليبية، وعاصر ابن القفطي، عبد اللطيف البغدادي المعجب مثله بصلاح الدين، فتلاقيا في القدس، وسمع منه هذه الأسطورة التي توسع ابن القفطي في نقلها، فكان أول من ألف هذه الأسطورة من حاشية صلاح الدين لتزكية حاكم مصر الجديد.
وبهذا المقطع يبطل القول بأن الشيعة كانوا وراء المحرقة المكذوبة.
وصلاح الدين حارب الشيعة، فليس معقولاً أن تصدر من مؤسسته السنية رواية شيعية تسيء إلى عمر بن الخطاب.
وبالقدر الخاص بكاتب السطور المستبطن. مناهج القطيعة، والمقيم سبعين عاماً في البيئات الشيعية الخالصة، له أن ينفي دوراً للشيعة في ترويج خبر حرق المكتبة، رغم أنني أجد احتمالاً لإمكان أن يكون الشيعة وراء الخبر المدوّن في القرن السادس الهجري في عصر الخلاف المذهبي واتخاذ الدولة السلجوقية إجراءات ضدهم وخروج فقهائهم من بغداد إلى ظاهر الكوفة وتأسيس جامعة النجف الإسلامية.
وهذه الملاحظة لاتقوم أساساً لانتحال تلك الأسطورة لتعارضها مع حركة التشهير بعمر وسقفه المعروف في تيار القطيعة، والذي يدور حول تنكيل عمر بأهل البيت "واغتصاب الخلافة من علي" و"مواجهة الرسول" و"صلته باليهود والنصارى" وكسر ضلع الزهراء و"إسقاط جنينها محسن" والسكوت على أبي بكر في وضع اليد على عقار كان للرسول ويدعى فدك، ولم يرتق مستوى التشهير" إلى مافوق ذلك! فيشمل إقدام عمر على حرق مكتبة تضم الميراث الوثني والمسيحي فيحرم البشرية من الاستفادة منها.
لقد عشت في محيطي منذ سنوات الوعي حتى الآن ستين عاماً، لم اسمع قارئاً وخطيباً من المعروفين بكراهيتهم لعمر، وهو يشير إلى إحراق مكتبة الإسكندرية، والسبب أن هذا العمل لا يعد من معايب عمر، وهو يحرق كتب الوثنيين والمسيحيين، ويفضلون رواية إحراق بيت فاطمة على إحراق مكتبة الإسكندرية!. ويروجون لها كلما مرَّ اسم عمر على متحدث منهم!.
شطحات الدرة
درَّة عمر ليست آلة للقمع ولا عصا للإهانة، ولاهي مما يسميه العسكريون بعصا التبختر المضغوطة تحت الإبط بين ذراع الرجل وجنبه، وإنما هي كما نكرر القول شطبة من غصن رمان على الأكثر، أخذت اسمها من وظيفتها الأولى، حينما كانت تستعمل لمداعبة فخذ الحصان لحثه على الإسراع وملامسة ضرع الناقة أو البقرة لكي تدر حليبها فسميت بالدرة. ومعنى هذا أنها لا تصلح للإيذاء والإيجاع، لكنها عندي أداة إشارة وتنبيه لغافل او لمخالف، فكأنها تتحرك مثل عصا المايسترو على مسرح الأوبرا في توزيع هارموني، لا يعلوه صخب، ولا لغو من القول، ولا استخفاف بالآداب، ولا طفيف من الخروج على المقبول الاجتماعي، والديني. أما ما زاد على ذلك فهو من مهمة من سينفذ القصاص جلداً بالسوط أو بعصا العقاب. وإلا ما كان لعمر أن يخفق بها كبار الصحابة، ومنهم المبشرون بالجنة، ولم ير فيها المخفوق إهانة أو أذى يوجع الجسد والنفس.
ولعله لم يكن ينظر إلى من هو أمامه سوى أنه من الرعية، فيعلوه بالدرة اذا ما خالف هامشاً من تلك الأمور. وكان من المخفوقين بها طلحة والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة.
لكن المرويات لم تتحدث أنه خفق أًحدا من بني هاشم مما يثير التساؤل العريض عما وراء ذلك؟.
فلماذا خفق بها كبار الصحابة، ولم يخفق بها صغار بني هاشم، وهم عنده سواء، ومخالفة الهوامش توجب الخفق صدرت عن هاشمي أم من غيره. ألا يفسر هذا أن عمر كان يضع بني هاشم في مواضع أخرى؟. فإذا كان عمر يتوقف عند عامة بني هاشم فماذا كان مقام زعمائهم كالعباس بن عبد المطلب وابنه؟.
يروى أن عمر خفق رجالا ونساءً في الحرم، كانوا يتوضأون سواسية، ففرقهم، ثم قال لرجل من إدارة الحرم:
ألم آمر أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء؟.
ثم اندفع فلقيه الإمام علي، فقال عمر: أخاف أن أكون هلكت.
قال الإمام علي: وما أهلكك؟.
قال: ضربت رجالاً ونساءً في حرم الله.
قال الإمام علي: إنك راع من الرعاة، فإن كنت على نصح وإصلاح، فلن يعاقبك الله، وإن كنت ضربتهم عن غش فأنت الظالم.
ويروى أن رجلا جاء إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين انطلق معي، فأعني على فلان فإنه ظلمني. وكان عمر، مشغولاً ببعض الأمور العامة. وقد يكون، والله اعلم، أنه شعر أن استجابته لمثل هذه الدعوات، تحول مركز الخلافة إلى مركز شرطة في قرية، فانتفض عمر وخفقه بالدرة قائلاً:
تتركون عمر وهو مقبل عليكم ـ أي عندما يقوم بجولاته في أحياء المدينة – حتى إذا اشتغل بأمور المسلمين أتيتموه. فانصرف الرجل متذمراً. فهاجم عمر الخاضع دائماً لعتاب الضمير شعور عاجل بالإثم، فاستدعاه على الفور، وألقى إليه بالدرة وطلب إليه أن يخفقه بها. لكن الرجل تركها لله. فأخذه معه إلى بيته وصلى ركعتين، فما كان من الأحنف بن قيس وكان معه إلا أن يوجه كلاماً لعمر لو وجه بعضه لمأمور الحدود أو ضابط الجمارك على حدود عربية لحرمك من دخول البلاد وتتركك في عراء عرعر وحفر الباطن، أو عند الرطبة وأبو الشامات. فلم يخاطبه بلقبه أميراً للمؤمنين قائلاً: يا ابن الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله. وكنت ضالاً فهداك الله. وكنت ذليلاً فأعزك الله. ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاء رجل يستعديك فضربته فماذا تقول غداً لربك إذا أتيته؟.
ويختتم الأحنف روايته قائلاً:
فجعل أي عمر يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه خير أهل الأرض.
وخفق بالدرة رجلاً كان عرض الطريق، وأراد عمر بذلك إماطته عن سبيل الناس. فلم تصب الدرة إلا ذيل ثوبه، فمرَّ عام فلقيه في السوق، فقال له عمر:
إنـي أردت الحج هذا العام، وأخذه إلى بيته. ويده بيده فأخرج كيساً من (600) درهم، فقال له:
استعن بها. واعلم أنها من الخفقة التي خفقتك عام أول.
فأجابه الرجل: والله يا أمير المؤمنين ما ذكرتها حتى ذكرتنيها.
قال عمر: والله مانسيتها.
لماذا يحدث لعمر ذلك كله، ولماذا تشطح الدرة؟.
يبدو أن الدرة تتحرك عنده بفعل انعكاسي يتصل برؤية المخالفة فلا يطيقها ولا تتجاوز مهمتها هذه الحدود. ولو كان عمر يستعمل الدرة للعقاب كما في بعض المصادر الحديثة، وكونها سياطاً يلهب بها ظهور الصحابة، لفعل ذلك بعد جلسة مساءلة تنتهي بتجريم المخالف وضربه، وعمر مؤسس قضاء، ان لم يكن واحداً من بناة العدالة في القضاء الإسلامي، وليس جلاداً يوقع بالسياط على ظهور الناس.
ولَدَرة عمر أهيب من سيوف حكام ظهروا في الماضي والحاضر.
بغصن البان، قاد عمر بن الخطاب قبائل العرب، وهي صعبة القياد، ونظّم الحياة اليومية وحذّر المخالف، ونبّه الغافل.
هل اغتال سعد بن عبادة؟
في كتابه الاغتيال السياسي في الإسلام، يرجّح هادي العلوي أن تكون وفاة الصحابي سعد بن عبادة جاءت في سياق الاغتيال السياسي عام 14 للهجرة أي في عهد عُمر.
وابن عبادة كان زعيماً في الجاهلية والإسلام فلُقِبَ بالكامل، وكان قائد الأنصار في الحروب النبوية الأولى.
وكان متعففاً عن الغنائم، فإذا خرج النبي (ص) إلى الحروب التي كان يقودها بِنَفسهِ تولى سعد بن عبادة حماية المدينة.
وكان يتمسك بزعامة الأنصار، ويعارض زعامة قريش، وقيل: إنه في يوم فتح مكة وبيده راية الأنصار هتف بما يوحي برغبته في سقوط سيادة قريش. فأخذ منه النبي (ص) الراية وأعطاها لابنه قيس.
كان ابن عبادة أول من رشح نفسه للخلافة بعد وفاة النبي (ص)، وهو صاحب فكرة السقيفة ومُقيمها، ولم يكن لعمر بن الخطاب علمٌ بها في أول الأمر، ولكن عمر كان لحظتها خطّاف الزمن، خاطف المكان، فدخل السقيفة على حين غفلة ومعه أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح فاستحصلَ البيعة لأبي بكر.
وابن عبادة لم يقر نتائج الاجتماع فاختار العزلة أولاً، ثم الهجرة عن المدينة إلى بلاد الشام، بعد فتحها ومات هناك في ظروفٍ غامضة.
إن المؤرخين المسلمين أثاروا الشكوك بموته، وذكر ابن عساكر أن سعد بن عبادة بالَ وهو واقف فماتَ، فسمع قائل يقول من أهل الجنِ:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمٍ، فلم نخطي فؤاده
ويورد صاحب العقد الفريد ثلاث روايات لقتل سعد بن عبادة تفيد إحداها:أن عمر بن الخطاب بعث رجلاً إلى الشام، فقال لهُ: أُدعه إلى البيعة، وأحمل له بكل ما قدرت عليه فإن أبى فاستعن بالله عليه.
فقدم الرجل إلى الشام، ولقيه في حوران في حائط (أي بستان)، فدعاه إلى البيعة، فقال له: لا أبايع قرشياً أبداً.
قال رسول عمر: فإني قاتلك، فقال سعد: وإن قتلتني.
قال رسول عمر: أفخارج أنت على ما دخلت فيه الأمة؟.
قال: أما من البيعة، أنا خارج، فرماه بسهم فقتله.
إن الشيخ عامر الكردي، وهو من علماء السُنة في سوريا، وقد استشيعَ يقول بأن الصحابي محمد بن مسلمة هو الذي انتدبه عمر لتلك المهمة.
والسؤال أن العرب ما اعتادت أن تقتل شخصاً تبادره برمية سهم، إذ المفروض أن يتم القتل بالسيف، لاسيما وهما يتحاوران جنباً إلى جنب!.
وفي رواية ثانية لابن عبد ربه نفسه: أن سعد بن عبادة رُمي بسهم من بعيد فمات فبلته الجن، ورددت بيت الشعر المشار إليه.
لم يستعمل عمر الاغتيال أداة في عمله السياسي، وهو يفضل المواجهة المباشرة حيث لا تخذله شجاعته عن محاكمة أي صحابي إنّ ماندَّ عن الإطار التأسيسي الأول للإسلام ودولته.
ومن جانب آخر، فقد كان سعد بن عبادة في يوم السقيفة مريضاً ومنهكاً، وإنما المفاجئة في وفاة رجل يعاني من إشكالات أمنية؟
إن هادي العلوي كتب الاغتيال السياسي في الإسلام في مطلع الثمانينيات وكنا هو وأنا نعاني من تهديد السفارات العراقية في أي بلد لجأنا إليه وقد هدد أخي من إدارة المخابرات العراقية في سفارة بكين فتركها والتحق بي إلى إسبانيا وعدنا منها إلى دمشق، وفي ظروف كهذه وحيث كان رجال المعارضة معرضين للاغتيال السياسي باستمرار كان طبيعياً لشقيقي هادي أن يضع الاغتيال السياسي على قائمة الاحتمالات الأولى لرحيل أي معارض سواء كان في أيامنا هذه أم في أيام سعد بن عبادة.
ولعل كتابه كان متأثراً في دافع تأليفه ومجمل أفكاره بالمناخ العام لاغتيالات متعاقبة كان وراءها رجال السفارات العراقية في لندن والخرطوم والكويت وإسلام آباد وباريس وكوبنهاغن والإمارات العربية المتحدة ودمشق وبيروت.


العراق ميدان الحروب المحمولة!
مكة والمدينة والشام تقاتل في العراق
والفرس والترك والانجليز والأمريكان
في الأرض السوداء!

ميدان مفضل للحروب!
ترك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابن عم النبي (ص) وصهره مسقط رأسه في مكة وهجر المدينة. وتركت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر زوج النبي (ص) مسقط رأسها مكة، وخرجت من مدينة الهجرة، فاختارا اللقاء في البصرة ليس لمناقشة ما قد ينجم ونجم من إشكالات بعد مقتل عثمان بل لمعركة الجمل التي نقلت الإسلام الناشئ إلى العراقيين، وهو منقسم على نفسه وكبار ضحاياهم كبار الصحابة في الإسلام.
واختار الإمام الحسين الكوفة مكاناً مناسباً لمواجهة فاصلة مع الحاكم الأموي والإمام الحسين من أهل المدينة، ويزيد بن معاوية متحصن بأهل الشام.
ورأى عبد الملك بن مروان أن يحدّ الناس عن بيعة عبد الله بن الزبير المقيم في مكة والقضاء على حركته بالحرب على أخيه والي الكوفة التي شهدت حرباً طاحنةً انقسم فيها المسلمون مرة ثالثة.
واختارت حركة سرية لأبي مسلم الخراساني وجماعة هاشمية من الفرع العباسي العراق ميداناً لثورة عارمة وحرب أهلية على الدولة الأموية المسـتعصمة في دمشـق الشـام، فيما يبعد مركـز الثورة عن مركز الخلافة (1000) ميل قريباً من الكوفة، فيما يسمى اليوم بالفرات الأوسط.
ولم تجد الدولة الصفوية بعد 1000 عام أفضل من العراق مكاناً لتحقيق أحلامها الإستراتيجية وحروبها الضارية مع الدولة العثمانية.
إن القادة المسلمين منذ العصر الأول قد حملوا الدين الجديد إلى العراق جسداً مشطوراً شطر، بدوره العراق إلى نصفين ثم اتهم العراقيون بأنهم أهل شقاق ونفاق ومساقط رأس الفتنة. وأن أهل الكوفة خاصة لا عهد لهم ولا ذمة. وأن الحرب في العراق نتاج للطبيعة البشرية لهؤلاء القوم المولعين بالعنف والانشقاق. وقرأ الأوربيون أثناء احتكاكهم بالدولة العثمانية وبعد انهيارها شيئاً من تاريخ الانشقاق في الإسلام في مرحلة ازدهار ظاهرة الاستشراق واستشراء الشركات الرأسمالية العاملة في الدولة العثمانية، حتى إذا دخل البريطانيون إلى البصرة كان المتوقع عندهم أن يستجيب المنبوذون والمحرومون والمضطهدون في الدولة العثمانية وهم الشيعة لنداءات الجنرال مود، التي كانت تدعو العراقيين إلى مواجهة العثمانيين وأنهم محررون لا محتلون. ولم تكن إدارة الاحتلال تتوقع أن تتبنى جغرافيا التشيع، وفقهاؤها حركة الجهاد، ويستجيب الشيعة العراقيون المضطهدون لنداء المشيخة الإسلامية التي اضطهدتهم في اسطنبول فيخرج المجاهدون مع قوات الجيش العثماني ويوقفون زحف القوات البريطانية ثلاث سنوات قبل وصولها إلى بغداد في آذار 1917.
وهنا طرح الانكليز مشروع دولة متمذهبة تقصي الشيعة عن دور أو تمثيل صحيح لهم في صنع قرارها. فكان العراق البريطاني سني القرار والإدارة دون أن يكون سني الفقه، ولم يكن على البال أن يفكر الألمان وبعض الحلفاء لجعل العراق مسرحاً للحرب ضد الحلفاء بتحريض السفير الألماني كروبا سياسيين وعسكريين عراقيين على فك ارتباطهم مع بريطانيا قبل وصول القوات، ووصل إلى القاهرة، ومنها إلى بغداد، فإذا هي حرب عراقية – بريطانية تندلع في شهر مارس من عام 1941 فيما مدن العالم العربي تتفرج على حرب الألمان والحلفاء. ولأن الثوار الذين طردوا الحكومة العراقية الموالية للانكليز بإسناد من الجيش وضباطه الأربعة هم جميعاً من السنة فقد رأت السياسة البريطانية مغازلة الشيعة، وعرضت لندن على السيد صالح جبر فكرة أن تكون للشيعة حصة كبرى في إدارة الدولة بعد خيبتهم مع الوطنيين السنة، ولم توافق المراجع الخمسة في النجف وكربلاء والكاظمية على العرض البريطاني، وكان متوقعاً لو قُبل العرض أن يشهد العراق صراعات طائفية كالتي حدثت بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003، وظهور العراق الأمريكي مبشراً بعراق شيعي القرار.
ومرةً أخرى يجتذب العراق بدون دعوة أو إرادة حرباً جديدةً عندما اصطدمت المصالح الأمريكية في الخليج بظهور الثورة الإسلامية، التي قادها فقيه شيعي وقضت بالهجوم على السفارة الأمريكية بطهران وأسرّ من فيها.
فكان متوقعاً أن يأتي الردّ الأمريكي عاجلاً والجمهورية الإسلامية في أيامها الأولى وهي شيعية في محيط سني فتقدم دولة سنية صيغة لأمريكا بإعلان الحرب كتركيا العضو القديم في صف الأطلسي أو باكستان العضو المركزي في حلف بغداد أو أن تقوم السعودية بدور سني لمواجهة الثورة الشيعية. ولم يأتي الردّ عن هذا الجوار المتوقع دخوله في المواجهة. وإنما كان العراق من جديد مسرحاً للحرب الأمريكية على الشيعة.
وإذ ينتهي عقد التخادم السياسي بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية بانتهاء الحرب وغزو العراق للكويت في 2 آب 1990، بدأت صلات غزل أمريكية بريطانية مع المعارضة العراقية ذات النفوذ الإسلامي الشيعي الواضح وبدأت فكرة إسقاط نظام صدام حسين تنمو في واشنطن وتتعهدها لندن ودول الخليج، فيقوم تحالف أمريكي مع المعارضة العراقية وفيها أطراف تتمركز في إيران. وكلما سألت المعارضة عن موعد محدد لإسقاط نظام صدام حسين في العراق جاء الجواب ملتبساً حتى هجوم تنظيم القاعدة السني على ناطحات السحاب في نيويورك، فاستدارت الإستراتيجية الأمريكية بثقلها نحو الشيعة في العراق، وقد أصبح السلفيون السنة خصمها العقائدي، فاختير العراق مكاناً للحرب الأمريكية على السنة بعد عشر سنوات من الحرب الأمريكية على الشيعة.
إن الحرب الأمريكية على السنة مستمرة منذ أربع سنوات في العراق فهل تستمر أربعاً أخرى ليتساوى الزمن المفترض للحرب على السنة مع الزمن الذي خصص ما بين عامي 1980 – 1988 للحرب على الشيعة؟.
كان اسم عمر بن الخطاب يتردد في جميع تلك الحروب على رأس فريق يختفي خلف اسمه مقابل فريق يسبه بكرةً وأصيلاً، مع أن عمر بن الخطاب أدخل الإسلام إلى العراق يوم كان واحداً، فأسس البصرة قبل حرب الجمل والكوفة قبل حرب صفين، وعمر محسوب في إعلام اليقظة العراقية وقيادة حركتها الاستقلالية عن بلاد فارس ومهندس خارطة العراق الحالي.
ولأن الحرب العراقية – الإيرانية كانت الأكثر تأثيراً في إحداث المتغيرات الراهنة فسنتوقف عندها قليلاً.
عمر في الحروب المحمولة
فتحت في ولاية عمر بلاد الشام والعراق ومصر ومعظم بلاد فارس وجزء من شمال إفريقيا وهي ليبيا الحالية.
لم تحدث لعمر مشكلة في البلاد العربية والمدن التي مصّرها، وبقيت بلاد الشام على ولائها الأول، وأحسن المصريون لمحرر بلادهم، والليبيون على وئام مع سياسة عمر. وبقيت مشكلته مع العراقيين قائمة, مع أن دوره في العراق أكبر من دوره في بقية الأمصار العربية، وقد أصبح واحداً بخارطته الحالية، ويسمى بأرض السواد لدكنة الخضرة فيه، ومنح العراقيين جميعاً بلا تمييز الجنسية العربية إن كانوا راغبين بها، وترك الآخرين يتمتعون بجنسياتهم، وعرض الإسلام على الراغبين به، ولم يكره أحداً من الراغبين عنه. فبقي يهود السبي البابلي على ديانتهم، ولهم في العراق خمسة أضرحة أنبياء على الأقل، تركها عمر أماكن للعبادة. مثلما أبقى كنائس المسيحيين ودياراتهم على أمتار من ظاهر الكوفة. وترك المجوسيين على مجوسيتهم إلى إن أسلموا عن قناعة وإيمان.
وحمل عمر إلى العراقيين إسلاما واحداً لم تطرأ عليه بعد بثور الفتن والانقسامات التي انتشرت على جسد الإسلام فيما بعد. وكان عمر قد أسس للعراقيين مدينة البصرة ثم الكوفة التي طارت بهما الحضارة العربية إلى العالم والكوفة جمجمة العرب ورأس الإسلام عنده.ولم تكن البصرة سنيّة ولا الكوفة شيعية.
ولم تكن البصرة والكوفة قد بلغتا سن العشرين حينما اختارت عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبناؤهما مدينة البصرة للقاء عسكري ضد جيش الخلافة في مدينة الكوفة ووقوع معركة الجمل، فبدا الإسلام أمام العراقيين مشطوراً إلى نصفين في يومٍ واحدٍ، ولم يمض على توحيده سوى عشرين عاماً بجيش الفتوحات العمرية.
وفي الكوفة كانت الحرب بين الإمام الخليفة والوالي المنشق في الشام. قبل أن تنتشر في بقاع عراقية أخرى. وكتبت المقادير للكوفة أن تكون موطن الثورة الحسينية للإمام القادم من الحجاز، ووقوع مجزرة كربلاء. وأفاقت الكوفة بعدها على حركة ثأرية استئصالية للفتك بكل من فتك أو ساهم بقتل الإمام وأصحابه، وما لبث عبد الله بن الزبير الذي بويع في الخلافة بالحجاز أن وجه لأخيه مصعب لحرب في الكوفة انتهت بقتل المختار الثقفي وأتباعه والكثير ممن بقي حياً من أتباع الحسين.
فإذا انتهى مصعب من حربه ووضع رأس المختار في قصر الإمارة بالكوفة وجد عبد الملك بن مروان الظرف مهيئاً لإرسال جيش ومقاتلة مصعب ابن الزبير والانتصار عليه وتعليق جثته ووضع رأسه المقطوع في قصر الإمارة بالكوفة.
فما هي مسؤولية العراقيين في هذه الحروب، ومن الذي أحدث الانقسام فيه وحّّّوله إلى مجتمع منشطر، وما مسؤولية عمر بن الخطاب والإمام علي في ذلك حتى يتسنى لفريق أن يحمل اسم أحدهما ويحمل الفريق الآخر اسم الثاني؟.
وما الحق في اعتبار العراقيين أهل شقاق ونفاق، وقد اختارت الحركة الهاشمية المضادة للحكم الأموي مكاناً قريباً من الكوفة لإعلان ثورتها باسم العباسيين على الخلافة الأموية. ووقوع الحروب بينهما داخل الأراضي العراقية، وما شأن العراقيين وقد انقسم الهاشميون إلى عباسيين وعلويين، فاشتعلت الثورات في بلدهم، وما دور العراقيين في انشقاق بين اثنين من أبناء هارون الرشيد، فتحدث الحرب بين الأمين والمأمون؟.
يمكن أن يكون للعراقيين دور اجتذاب الصراع الإقليمي إلى بلدهم من خلال ثنائية عمر وعلي، فاتجهت الدولة العثمانية والدولة الصفوية لتصفية حساباتهما فوق أرض عراقية ولكل من الدولتين أنصار ومؤيدون من جماعة علي وعمر.
وفي العصر الحديث التقطت مراكز البحث الاستراتيجي في الدول الغربية الناهضة جانباً من قدرة الثنائية الطائفية على الانجرار والاصطفاف لمعسكر ما، فدخلت قوات الحلفاء بوحدات بريطانية إلى ميناء البصرة في الحرب العالمية الأولى أملاً في اجتذاب المحرومين والمنبوذين في مدن الجنوب العراقي وتحريضهم على السلطنة العثمانية وسياساتها العنصرية والطائفية، ولم يكن إستراتيجيو الحلفاء يتوقعون أن يتحد هؤلاء الفقراء مع جيوش السلطة العثمانية لمواجهة القوات البريطانية وحصرها ثلاث سنوات قبل سقوط بغداد. التي سقطت في عشرة أيام بعد إنزال مماثل قام به الأمريكان في آذار نيسان من عام 2003.
وشجعت ثنائية الانقسام غرف القرار الدولي بتوظيف الجانب الطائفي فيظهر العراق البريطاني سنّي القرار، والقيادة والإدارة مع تمثيل طفيف للمكونات الأخرى وحرمان العراقيين الشيعة من تمثيل ينسجم وحجمهم السكاني والوطني.
وفي ذات السياق استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية العامل الطائفي بشن الحرب من العراق على الفقيه الشيعي في إيران، والتي أدت في نهاية الأمر إلى وحدة إيرانية وانقسام عراقي كما سنرى في فصل قادم.
ولمواجهة تنظيم القاعدة ذي الأصول السنية بعد الهجوم على المركز العالمي للتجارة في سبتمبر/أيلول 2001، بدأ التفكير بحرب أمريكية على السنة ليس في أفغانستان ولا في باكستان ولا في دول العالم الإسلامي السني، وإنما على سنة العراق. لان الإرث الإستراتيجي للسياسة الدولية يتناغم مع الإرث الطائفي في العراق، والنجاح الذي تحقق في كسب السنة ضد الحرب الأمريكية على شيعة إيران سيتجدد بكسب الشيعة العراقيين والإيرانيين إلى حدٍ في الحرب الأمريكية على السنة.
وكانت الإستراتيجية الأمريكية قبيل هذه الحرب، تبحث عن حليف عقائدي لمواجهة خصمها العقائدي الجديد، فأعطى الرئيس الأمريكي بوش في خطابه بالأمم المتحدة قبيل الحرب خمس رسائل وإشارات واضحة لإيران لكسبها أو لتحييدها في الحرب، فضلاً عن الرسائل السرية التي نقلتها المعارضة العراقية من البيت الأبيض والبنتاغون إلى طهران، ثم قيام العراق الأمريكي، فتجددت الظاهرة البريطانية التي تحدثنا عنها في كتابنا الشيعة والدولة القومية وكتابنا العراق الأمريكي لمنح قرار الدولة لطائفة حتى لو كان رئيس الوزراء من الطائفة الأخرى. إذ يصطبغ القرار بلون الطائفة التي بويعت قبل الأخرى، فصار العراق البريطاني سنياً حتى بوجود رئيس وزراء شيعي. وصار العراق الأمريكي شيعياً حتى لو اختير واحد من الزعماء السنة لرئاسة الوزراء.
إن المسألة لم تعد ترتبط بأرقام وزارية أو نيابية تتشكل منها الدولة سنية أو شيعية بقدر ما تتعلق بصاحب القرار في الحالتين البريطانية والأمريكية.
عمر في الحرب العراقية ـ الإيرانية
بمهارة عالية في صياغة خطاب لدبلوماسية الحرب استخدم الجانب العراقي هوية الخصم ثلاثية الأبعاد، موزعة على ثلاثة اتجاهات متباعدة نجح الخطاب العراقي في تطويع كل جهة لصالحه باستخدام البعد النظير، إن الخصم في الخطاب العراقي سيكون فارسياً في الخطاب القومي الموجه إلى المحيط العربي الواسع، فيوظف البعد القومي العربي لمقارعة البعد القومي الفارسي.
من هنا أستحدث الصراع العربي ـ الفارسي لكي تصبح سواحل الخليج المقابلة للخصم الفارسي شريكة في الصراع وميداناً استراتيجياً مشروعاً بمنطق هذا البعد.
وفي لقاءات عراقية مع المؤسسات الدينية وحركاتها السياسية سيجري الحديث عن شيعة روافض، بل هي حرب عمر بن الخطاب وقادسية صدام قادسيته وعلى الخليج السني والعالم الإسلامي السني ودون تفضل منه أن يهيئ لقادسية عمر الجديدة أسباب الانتصار.
ولا بأس أن تكتب عبارة (الله أكبر) على العلم القومي للعراق.
وفي الخطاب الدولي يستخدم البعد الثالث والمخفي والمتواري من الخطاب في بعديه الأول والثاني وسيكون محور الحديث الثنائي بين وزير خارجية العراق، الذي اختير من بين البعثين المسيحيين أنها حرب الحضارة الأوروبية، أو على الأقل حرب العلمانيين ذوي الاتجاهات العصرية ضد ثورة إسلامية ونظام ظلامي يهدد حضارة الغرب وعلى فرنسا التي كانت الممثل الكاثوليكي للمسيحية الأوربية أن تكون في الوقت ذاته ممثلة دون تفضل كما الخليج منها للجانب العراقي في حمايته من ضغوط اللجان الدولية لحقوق الإنسان ونشاط معارضين عراقيين في أوروبا فضلاً عما ينفلت في الإعلام الأوروبي من كتابات حول استبداد السلطة العراقية.
إن كاتب السطور الذي وضع كتاباً في إشكالية الغزو والحرب بعنوان (أسوار الطين) الصادر للعام 1995 سيجدد القول هنا: إن صاحبه القديم الرئيس العراقي صدام حسين هو ليس عمر بن الخطاب بالتأكيد، وأن الإمام الخميني هو ليس كسرى يزدجرد، وكان كلا النظامين يعتمد على نظرية ولاية الفقيه. ففي إيران تقوم الدولة على سلطة الإمام الفقيه وفي العراق كانت ولاية الحزب لأمينه العام ومرشده الروحي ومفكره القومي الأول، الذي لا يعلوه اسم رئيس الجمهورية وأن القيادة القومية مختلطة بين مسيحيين ومسلمين عرباً وعراقيين.
أما الرئيس صدام حسين فقد أمر مرافقه الشخصي بأن يصدر تعميماً حزبياً لمنع قياديين في الحزب رآهم يحضرون صلاة الجمعة في المساجد وقال بالنص: إن ذلك يشكل خطراً على أجيالنا الحزبية وهي ترى قياديين في الحزب منغمسين بقضايا دينية. ولم أر الرجل وبيده نسخة من المصحف إلا في صالة محكمة الجنايات الكبرى، فتمنيت على صاحبي أن يكون أكثر انسجاماً مع أصوله العلمانية. وإن كان الأمر بعدئذ للـه فهو الذي يهدي ويضل ولا يعلم الناويا إلا اللـه.
إن الجانب العراقي في ثلاثية هوية الخصم، لم يجد في مرشده الروحي روحاً تضخ فيه البأس على الخصم، فاستعان بعمر بن الخطاب وانتحل قادسيته، لكنه لم يستطيع في خطوة واحدة صغيرة أن ينتحل روحه وعقيدته التي تتعارض في ضلعين من مثلث الدبلوماسية العراقية وخطابها الإعلامي والدبلوماسي. ولم يكن عمر مجمع الأضداد لكن زجه في الحرب قد ساهم بتجديد الانقسام في المجتمع العراقي وفي العالمين العربي والإسلامي وبظهور مؤسسات للكسب الطائفي والتشهير بالآخر. فكان العراق من جانبه ومعه مؤسسات دينية استجابت لخطابه تروج لكتب مدفوعة الثمن وشراء ذمم لكتاب عرب وباكستانيين وإيرانيين، فيما استعد الجانب الإيراني لمواجهة مماثلة مستخدماً خطاب الحركة الاستقلالية العربية في مواجهة النفوذ الغربي والصهيوني، والوقوف إلى جانب الثورة الفلسطينية واستقبال زعمائها فيما كانت شخصية الإمام الخميني تذكر عامة المسلمين بزهد عمر وترابية علي. وتأسست حركات إسلامية في المجتمعات السنية تأخذ بنظرية الثورة لتأسيس نظام إسلامي.
إن معارك الحرب العراقية ـ الإيرانية على الأرض، أورثت معارك أخرى بين المؤسسات الإسلامية السنية وأنظمتها ومعارك بين السنة والشيعة على الورق وفي مراكز البحث، وتحولت معارك الورق ومراكز البحث إلى دماء وسكاكين على مسرح الأرض العراقية، فيما إيران تنمو وتزدهر.
إن ظاهرة المستبصرين توضع في هذا السياق، ولا تخلو من انجذاب حميم لاتجاهات الثورة الإسلامية وشخصية الإمام الخميني عند عدد من المتحولين، بينما كانت أغلبية المتحولين تحت عامل الإغراء والشراء. والفرق بين الاثنين أن المنجذبين إلى اتجاهات الثورة الإيرانية قد حافظوا على توازنهم ولم يتمرغوا في حمأة السب والشتيمة، ومثال هذا الاتجاه السليم كتابات المفكر صائب عبد الحميد الحديثي.
بيد أن حملة (الاستبصار) في مجملها دخلت في الانقسامات المذهبية وأعادت النشر العربي والثقافة العربية إلى سنوات الصراع العثماني الصفوي، وكان عمر نقطة الهدف ومركز العصب ومرمى الأقلام في هذه الظاهرة.
وفي الطرف الآخر كانت أعراض الشيعة ودماءهم مباحة في الفتاوى اليومية.
إن مبدأ القطيعة يغادر التاريخ في لحظات ليكون حاضراً في الخلاف السياسي اليومي وفي خلافات الدول، والأبواب مشرعة أمام الفريق الآخر ليدخل من القطيعة المقيمة في دفاتر الكركي والمجلسي إلى أسواق الكرادة وبيوت الصفيح في مدينة الصدر، تقابلها مليشيا القطيعة في غزوات تذكرنا بغارات حسان بن حسان الذي دخل الأنبار فأزال خيلها عن مسالحها.
استباحة العثمانيين وحصانة الصفويين
أقامت حركة التنوير في مطالع النهضة العربية المعاصرة قواعدها الفكرية على فهم جديد للإسلام مغاير ومناهض للفهم العثماني. وزعماء الحركة فقهاء أهل السنة ومفكروها من كابول بلد جمال الدين الأفغاني ومروراً بالإمام محمد عبده في القاهرة وعبد الرحمن الكواكبي في حلب حتى احمد بن أبي الضياف وخير الدين التونسي في المغرب العربي.
وفي قلب الجزيرة العربية وجهّت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقداً للسياسات العثمانية القائمة على احتضان التصوف المشوه والدروشة التي أنكرها الإسلام على المسلمين. ولم يتهم أهل السنة هؤلاء الفقهاء والشيوخ بالمروق والارتداد على الإسلام.
وفي المقابل لم تتعرض سياسة الدولة الصفوية إلى نقد مماثل صادر عن المؤسسة الشيعية إلاّ في نطاق ضيق تصدر فيه الفقيه إبراهيم القطيفي تياراً لمعارضة شرعية السلطنة، لكن الشاه الصفوي سبقه باستجلاب (120) فقيهاً كبيراً من لبنان والقطيف والعراق والبحرين. وفضل فقهاء آخرون العزلة في معتكف الدرس والعرفان، لعلنا نتحدث أيضاً عن موقف المفكرين والأدباء الشيعة إزاء الملك القهري الصفوي وتراجع واضح في مقدامية الشعراء العراقيين.
ففي الجانب السني يتصدى معروف الرصافي بجرأته المعهودة محرضاً العرب على الدولة العثمانية
عجبت لقـوم يخضعون لدولة يسوسهم في الموبقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يرهبـونهاوأموالهم منهم ومنهم جنودها
في وقت تمتعت الدولة الصفوية بحصانة من النقد والتعريض، وفرتها جهود مشتركة للسلطة والمؤسسة الدينية خلال أكثر من مئتين وعشرين عاماً. بينما تعرضت خليفتها الدولة القاجارية إلى حملة نقدية لعلماء التشيع شبيهة بحملة علماء السنة على الدولة العثمانية.
وحتى هذه اللحظة يمكن لكتابة مناهضة للشاه القاجاري المرور في أروقة الحوزة العلمية دون أن تترك الأثر الذي ستتركه محاولة مماثلة تمس الدولة الصفوية.
إن المفكر الدكتور علي شريعتي ينفرد بموقف نقدي صارم وبجرأة أدبية لم تتوفر لنظير عراقي، وكان سرّ قوته لا ينفصل عن صلته القديمة بحركة الثورة الجديدة للإمام الخميني التي يصح اعتبارها فاصلاً تاريخياً بين زمنين شيعيين، يمتد الأول من مطلع القرن السادس عشر الميلادي ويسقط في يوم انتصار الثورة الإيرانية في شباط 1979.
ومع هذا التطور تراجعت حركة نقد الدولة الصفوية في التأليف الرسمي وبرزت محاولة نافرة لتماهي ثورة الإمام الخميني بحركة إسماعيل الصفوي، وكونهما تأسيساً لدولة التشيع برؤيتين.
إن التطير من نقد المنهج الصفوي في الوسط العراقي خاصة، قد يكون له مبرر بعد أن صار مصطلح الصفويين مفردة يومية في مشروع تعجيم الشيعة، وطعن عروبتهم ووطنيتهم. وفي غير هذا لا نرى مبرراً للانزعاج من محاولة نقدية تفك الارتباط الموهوم بين الدولة الصفوية والإمام علي نظيراً للمحاولة السنية الناجحة في فك ارتباط السلطنة العثمانية اليوم بعمر بن الخطاب.
فروق طائفية:
ربع علي يسبون عمر، وربع عمر يسبون الشيعة
إن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت إلاّ من أُعطي جرأة محمد حُسين كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء والكتّاب.
أما الردُّ السُنّي، والحديث عن العراقيين فلا يخضع إلى قوانين الهجاء ومناقضاته، والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المُرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع، فظهر في وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة في المرويات السُنّية، والتقاط نماذج شيعية في التاريخ الإسلامي والتشهير بها على أن يكونوا دون مقام الائمة فانتشرت روايات يفيض بها تاريخ بغداد ويتراجمون بها مع فريق القطيعة.
وعلى قسوة الانقسام الاجتماعي، ومنذ العهد العثماني في العراق لم تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية، ولم يتحدث خطيب جمعة في نظرية وحدة الصحابة في منهج المقارنات بين علي ومعاوية.
وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الأموية لمؤلفه أنيس النُصولي، وهو مدرّس وفد العراق من الشام، لم يقف فقهاء السُنّة في العراق إلى جانبهِ، مع انتصار كتاب ليبراليين وقوميين لصاحب الكتاب الذي قرر مجلس الوزراء باقتراح من وزير المعارف السيد عبد المهدي المنتفكي إلغاء عقده وإعادته إلى بلاده.
يُستثنى أيضاً ما كتبه عبد الرزاق الحصّان في رسالة تشهيرية في الثلاثينات من القرن الماضي بالشيعة، لكن الأمر لم يتطور إلى فتنة بين الفريقين.
حتى في أصعب مراحل الصراع بين الصفويين والعثمانيين وقد اتخذ الفريقان من العراق ميدان حرب لهما، والجيش الصفوي يدمّر أضرحة أئمة السُنّة.
وفي الطرف الآخر كان السلطان العثماني يقاتل الشيعة في بغداد، ثم يأمر بتجديد أو بناء ضريح للإمام موسى بن جعفر في الكاظمية قبل أن يتوجه إلى النجف وكربلاء لزيارة أئمة أهل البيت.
وخلال ثمانين عاماً من حكم العراق الذي انفرد فيه السُنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة ومجلس الوزراء والمواقع العُليا بنسب شبه مُطلقة، لم تُصدر السلطة السنيّة قراراً بإطلاق اسم أحد الأمويين على شارع أو معهد أو ساحة.
لكن تصرفاً نزقاً صدر عن الحكومة العراقية في عهد الرئيس عبد السلام عارف عام 1964 بتأسيس المكتب الأموي، ومنحه إجازة عمل وتوفير مكان له في مبنى مقابل لسوق الشورجة في شارع الرشيد ببغداد في وقت كانت تلك السوق المركز التجاري، الذي يغذي المرجعيات الشيعية.
وأغلق المكتب بعد وفاة الرئيس عبد السلام عارف ومجيء شقيقه عبد الرحمن عارف المعروف باعتداله وحياده.
فلا يذهب الظن بنا إلى حُسن الظن بالتمييز الطائفي في السياسة العراقية، لكننا نود أن نحصر القاعدة الاجتماعية في ثنائية عمر وعلي بعدم حصول شيء من التبادل السُني في مواجهة الشتم الشيعي للصحابة، فيقتصر أهل السُنّة على مجالات أخرى تمس الشيعة دون أئمتهم.
وكان هذا هو منهج الجاحظ في كتابه (العثمانية) وعليه سار سُنة العراق. ومن هنا تُكشّر المذابح الطائفية في العراق عن أنياب غير عراقية.
وكما قلت في كتابي (أسوار الطين) الصادر عام 1995، إن الطائفية مستقرة في العراق. لكن القتل الطائفي كان يفدُ دائماً من خارج العراق.
وكما في باب الفرق بين الطائفي الشيعي والطائفي السني من كتابنا (الشيعة والدولة القومية) أن الطائفية الشيعية تاريخية، تصب جهدها على تشريح من حَرَمَ الإمام علياً من الخلافة الأولى، وما يترتب على ذلك من إشكالات مع الطائفة السنية المتصالحة مع التاريخ، لكنها ذات بُعد سياسي في الحاضر، يستهدف حرمان الشيعي من امتيازات السلطة. ولا ينسحب هذا التفريق بينهما على واقع الصراع ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فقد تطورت الطائفية الشيعية فصارت سياسة تعيش في الحاضر فضلاً عن جانبها التاريخي، ولعلنا أشرنا إلى ذلك في كتابنا (العراق الأمريكي) الصادر سنة 2006، وتطورت الطائفية السنية إلى مراتب أخرى لم يكن معظمها عراقياً.
والمظنون أن الأمور تسير في العراق حالياً على قاعدة ليست بعيدة عما نستعرضه، فالخطاب الشيعي عند أهل القطيعة، يواصل التعريض بالصحابة والنيل منهم بلا تحفظ.
ويكون ذلك كافياً لتحريض بقية المسلمين وهم الأغلبية العظمى على منابر التشهير، ليس بسبعين ألف منبر أقامها معاوية في الشام للتعريض بالإمام علي، وإنما بإرسال سبعين ألف انتحاري يؤمن بأن في موته موتاً للشيعة وثأراً للصحابة.
فإذا تصدى أحد القائلين بنظرية المشاركة أمثالنا، وتحدث عن قرارات مشتركة اتخذت في ركن المسجد النبوي بين عمر وعلي، صار خارجاً على المِلّة.
عمر والمصالحة العراقية:
رأيناه في مطلع الكتاب مُحرر العراق ومؤسسه وناقل إرادته من عجمة القرار إلى فصاحة العرب، وهو مُمصر البصرة والكوفة وهذا حسَبْهُ.
ولعلنا نبحث لعمر عن مقام يقضي فيه بين المتخاصمين على حصير تحت نخلةٍ من نخيل الكوفة، وفضائيات العرب تتناقل أخباراً عن مؤتمرات لـ"مصالحة وطنية" فهل سيحضرُ في منتهى مطاف الكتاب في سلسلة من الوشائج يُمسك بطرفٍ منها وطرفُه في ظاهر الكوفة عند صاحبه وشريكه ومرجع قضائه الإمام علي بن أبي طالب؟
أول ملاحظاتنا ألاّ تسحبنا الأحداث السياسية من وقار التاريخ إلى سطوح العناوين اليومية، وثانيهما أن الوطن ليس طرفاً في هذه المصالحة، وليست له مشكلة مع أحدٍ منهما وليس لهما مشكلة معه حتى تكون مصالحة وطنية.
وهي بهذا المعنى تحمل هوية أطرافها. مصالحة طائفية. وعندها سيدخل إليها عمر دون الإخلال بمنهج الكتاب.
فهل سيقتنع القائلون بالقطيعة أنهم لم يحصروا استشكالهم في زمانه بعيداً في أعماق التاريخ الإسلامي الأول، أم أنهم أيقنوا بعد جريان الدم، أن القطيعة تنتقل من الماضي إلى الحاضر بلحظات ربما هي أسرع من جريان الدم؟.
إن منهج القطيعة يقتضي بتبيان أسبابها، وهذه لا تستقيم بدون أن يوضع عمر على مشارح النقد والتشريح حتى يتوفر المسوغ الشرعي لقطيعة الإمام علي ومقاطعته مركز السلطة الإسلامية في المدينة، ويقود هذا إلى تجريم عمر وسبِّه على مسمع من آذان الفضاء وعيون المتابعين للسجالات والخطابات، وقد تحولت من منابر منزوية إلى عيون الفضائيات والأقمار الصناعية، فيستفزُ الطرف الآخر المحسوب على عمر فلا يرد على شاتميه بشتم أئمة أهل البيت، بل بالبحث في المرويات والقصص وصياغة الآليات لصياغة مرافعة ومشروع دفاعي وهجومي على الخصم سيكون منه تعجيم الشيعة ثم تكفيرهم مما يتيح لفرق الذبح بين الحدود العراقية والانبار وبين اليوسفية والمحمودية في طريق الأئمة أن يشهروا سكاكينهم ليؤدوا (الواجب الشرعي).
إن أهل القطيعة قد لا يكفرون أهل السنة، بل يكفرون عمر وأبا بكر وعائشة، فتنزل القطيعة من أعاليها إلى أسافلها وتدور الدورة الطائفية في مدن العراق.
ولهذا فإن وضع مشروع للمصالحة الطائفية إذا أريد له النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر.
أما أن يستشري دعاة القطيعة ويستحوذوا على فضائيات عراقية وعربية، وأخرى أُسست لهذا الغرض بالذات، فيما هو يحضر اجتماعاً للمصالحة فهذا خداع النفس والضحك على الذات، وسينتهي مفعول المصالحة مع انتهاء المصورين من التقاط زواياهم المفضلة.
وبين منبرٍ للتشهير وآخر للتكفير، يتحول العراق إلى مسرح مفتوح للموت الطائفي، وسيصبح في شهور مسرحاً مهجوراً تنعقُ فيه الغربان.
ولا أخفي قلقاً وشعوراً بالأسف أن السنة العراقيين لم يعودوا يمسكون بامتياز تمتعوا به عبر التاريخ بعدم الرد على سب الصحابة بالإساءة إلى أهل البيت مادام هؤلاء الأئمة عندهم المشترك الإسلامي الموحد بين الطائفتين، ففقدوا هذا الامتياز في لحظة تدمير نازي لمعمارية الحضارة العربية في سامراء والمقامة على جدث الإمامين الهادي والعسكري، فانكسرت معادلات اجتماعية، واختلت موازنات، وتساوى السبابون، وتحول مجرى النزاع من مواجهة المحتل إلى ضرب المقدس المشترك. ودخلت إلى الصراع تيارات شيعية كانت محايدة، فاندفعت بالوازع العاطفي قبل الطائفي برد فعلٍ كان لابد أن يحصل، والنيران تأكل معمارية المقدس المشترك، فحدث انعطاف هائل أضعف المركز السني، وكأن الحادثة تذكرنا في لحظة هبوط منحنى دولة طالبان حينماضربت بالمدافع الثقيلة تمثال بوذا. فأثارت استياء الحريصين على التراث الإنساني، رغم أنه تمثال وثني فوق أرض إسلامية، وليس ثمة وجه للمقارنة بين أن يفجر المسلمون معماريةً إسلامية، أو أن يفجروا صنماً من أصنام الأوثان، وانتهى المشهد بمضاعفات لا تنتهي فقط عند ترحيل العائلة الشيعية في بلدة سنية والعائلة السنية في شارع شيعي.
إن عمر والكتابة في عمر وترويج تيار المشاركة بينه وبين الإمام علي هو الذي سيبني معمارية الوطن الموحد.
لم يبق إمام إلا وقتله هذا الضرب
وتشبه إيديولوجيا القطيعة نظيرتها المعاصرة القائمة على نبذ وتحريم وتجريم وإبطال أي اشتراكية أو فكرة صالحة خارج الجدلية الماركسية وقوانين التطور التاريخي القائل بالاشتراكية العلمية. ولم نكتشف أن اشتراكية أخرى هي التي تهدف لها الحياة ومازالت تغطي فقراء اسكندنافيا وأوربا الغربية بالدفء المجاني والتعليم المجاني والعلاج الاجتماعي وضمان العاطل عن العمل.
لقد كان خارج دائرة القطيعة عالم من الفكر والثقافة والتجارب حُرمت منها أجيال لكونها صادرة عن طرف لايعترف أهل القطيعة بهم، ومن دول سميت بالدول الغصبية وماعاد ممكناً الأخذ بالجميل من تجاربها والصالح من أفكارها بعد أن وضعت في دائرة الحجر الطائفي.
ومن طبيعة القطيعة أن تقاطع ماصدر عنه أئمة الإسلام من روايات يشم منها روح الاتصال مع الطرف الآخر، وقد ينزلق طرف في مشروع لو طرح على أئمته لصنفوا في مواقع الخصوم.
وإذا ما رأينا أن أهل القطيعة لا يحتجون بكلام للإمام علي أو للإمام الحسن ولبقية أهل البيت ضمن هذا السياق، فإن الطرف الآخر قد يقاطع أو يغفل أو لايأخذ برواية ولو صدرت عن أم المؤمنين عائشة والصحابي الزبير بن العوام.
ففي رواية لعائشة احتجاجاً على طريقة التغيير الثوري وقتل عثمان تقول:" إن الأمر لايستقيم ولهذه الغوغاء أمر ـ أي أن الدولة لاتأخذ أبعادها الدستورية والسياسية إذا كانت المرجعية متروكة لمن هم في الشارع والمظاهرة، وكأن الدولة غير محصنة بأفكار وأحكام وتدابير.
ويقول الزبير بن العوام وهو ابن عمة الإمام علي وقد انشّق عنه بعد مقتل عثمان: إذا لم يُفطم الناس من أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب.
ويمكن القول افتراضاً أو استدلالاً برأي ابن الزبير، إن المسلمين المحتجين على الغوغاء وهذا الضرب سيحتج أتباعهم بالطريقة نفسها والقوة على أسلوب يستخدمه هذا الضرب في العراق حالياً. فلم يترك إماماً إلا قتله ولا أستاذاً في قاعة درس ولا طبيباً في عيادة.
لعلي الآن أقرب إلى قول الزبير بن العوام من أي وقت مضى لأرفع كلامه شعاراً فوق خرائب العراق وأشلاء ضحاياه منادياً: أيها الناس إذا لم تفطموا هؤلاء عن أمثالها لم يبق إمام إلا وقتله هذا الضرب. وأستحضر كلام أم المؤمنين في أمر الدولة والناس والقانون والحرية، وأتساءل: كيف يستقيم لنا أمر ولهذه الغوغاء أمر؟.
إن الصراع ينبغي أن يفهم في سياق القانون، وليس في جموح الحرية، وأن احتجاج المحرومين لا يعني الخروج عن الشرعية والقانون الذي هو حاضن الحرية ومرجعها بقدر ماكان الاحتجاج رغبة في العودة بالدولة إلى الازدهار ومجالسة المحرومين كما كان ذلك سائداً في عهد الاستقرار العمري.


رجوع


مقالات متعلقة
  • عمر و التشيع . . . ح 1


  • 100% 75% 50% 25% 0%


    مقالات اخرى لــ  حسن العلوي


     
     

    ابحث في الموقع

    Search Help

    بحث عن الكتاب


    انضموا الى قائمتنا البريدية

    الاسم:

    البريد الالكتروني:

     


    دليل الفنانيين التشكيليين

    Powered by IraqiArt.com 


     

     

     
     
     

    Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

     

     

    Developed by
    Ali Zayni