لعل فن الرقص الإيمائي والإيقاعي اخذ يهيمن على خطاب العرض المسرحي لا سيما في السنوات الأخيرة، حينما أصبحت لغة الجسد مسرحيا هي اللغة المهيمنة بدلالات متعددة على سينوغرافيا الفضاء المسرحي المعاصر, وحيث أصبح الممثل-جسدا هو العلامة الأبرز في صورة المشهد المسرحي الحالي. فالكلام بالنسبة للانسان النخبوي أصبح وسيلة غير قادرة على اشباع نهمه الفني أو جعله يتلذذ بالجو المسرحي أو يتفاعل معه, مهما كان التصوير الادبي الذي وضعت فيه الكلمة، لذا يلجأ المسرحيون إلى لغات أخرى غير الكلمة ليسير المسرح جنبا إلى جنب مع تطور الفكر النخبوي فنتج عن ذلك استحداث لغات جديدة غير الكلمة يمكن ان تصل بالفكرة الى النخبة وهي لغة الجسد بكل أنواعها والإيحاء بكل أشكاله. من هنا وضمن نشاطات الاتحاد العام لأدباء وكتاب نينوى السنوي وبالتعاون مع مكتبة الأوقاف عقد الاتحاد جلسة اخرى خصصت للأديب والمسرحي الدكتور جلال جميل التدريسي في كلية الفنون الجميلة تمحورت حول موضوع (لغة الجسد في المسرح). قرر الجلسة الشاعر رعد فاضل الذي تناول في تقديمه للجلسة عدة اسئلة طرحها حول الموضوع من ضمنها: كيف يكون للجسد لغة! وهل من الممكن ان تكون اعضاء الجسد لغة! كل هذه الاسئلة تحتاج الى اجابة اذ اننا من الممكن ان نتجاوز اللغة من خلال المسرح فهناك علاقة سرية بين اللغة والجسد، ومن اجل فهم عمل مسرحي ما وبمرور الوقت كان لابد للمسرح ان يعود الى أصله والى جوهره العائد الى الجسد، أي ان المسرح جسد قبل كل شيء، وما دفعني الى ذلك حسب قوله هو فشل العلاقة بين الجسد واللغة فالجسد على المسرح كما اليد بوصفها عضوا من اعضائه في امكانها ان تفصح وتتواصل عبر الأفكار والمعاني وعبر مؤلف الحوار اذ ان الجسد بحد ذاته لغة اخرى. فهل في امكان كل مخرج او مؤلف ان يتكلم لغته جسداً! وهل بالامكان كل متلقي ان يفهم هذه اللغة؟

وفي معرض حديث الدكتور جلال في تناول لغة الجسد قال انها ليست في المسرح فقط وانما حتى في الحياة اليومية فهي تشارك مشاركة فاعلة فكثيرا ماتغيب لغة الكلام لاسباب فنية او اجبارية او حتى اختيارية، ثم تحدث عن الجانب التاريخي للغة الجسد قائلا: منذ الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل والحضارات الهندية كان للجسد مكانة مهمة، وكان الجسد مقدس وتطور الموضوع عند الفراعنة لاعتقادهم ان هناك حياة اخرى سيعود لها الانسان لذلك فان لغة الجسد وصلت الى حد المقدس، فالديانات السماوية اعطت اهمية للجسد فنلاحظ ان المسرح عند الاغريق ذهب الى مفاهيم الاساطير بل وارتبط بالآلهة نفسها وكانت الآلهة نقطة التقديس. فمنذ زواج زيوس وولادات الآلهة الاربعة وابولوا خلال الفن والشعر، فهذا الآله ابولوا ارتبط بالفنون عامة وبفن الشعر خاصة نتيجة لولادة الآلهة. فاستفاد الفن بهذا واطلق الاغريق ما يعرف بالاحتفاليات التي كانت تقام في شوارع المدن والتي كان لها دور في اعطاء الجسد اهمية تعلقت بالجانب الاخلاقي. وعندما تحول الصراع عند الانسان بين الانسان والانسان عند الفنان استوفان مثلا وذهب الكتاب الرومان الى نفس المذهب الذي ذهب اليه الاغريق، بدأ يدخل الجسد الى الكلام الغير ملفوظ واصبح الجسد حينذاك لغة في المسرح. وبدأ الدارسون يستفيدون من هذا الموضوع بما يمتلك الجسد من ايماءات وحركات يمكن ان تلعب دور في التعبير الجسدي على المسرح وبما يوازي اللغة الملفوظة. واشار الدكتور الى الهند كمثل فعندما يريد المواطن هناك ان يقدم للتعيين بوظيفة تتعلق بالعلاقات الاجتماعية وخاصة الخدمية فان جزء من تدريبات هذا المتقدم تكون بتجاوزه لدورة تدريبية في فن اليوغا ليتعلم تحمل الصبر اثناء خدمته في الوظيفة. فبعض الاديان كما يقول الدكتور اعطت للجسد اهمية ايضاً حيث قسمته الى ثلاثة مناطق: منطقة الحوض والتي ترتبط بها الاطراف ومنطقة البطن، والمنطقة العليا وهي منطقة الصدر والقلب والعاطفة، ومنطقة الرأس التي لها سيطرة على مايسمى القناع حيث يقسم الوجه الى منطقتين ايضا، منطقة نبيلة عليا صامتة لاتتغير ومنطقة الفم السفلى. وقد استفاد الممثل من هذا التقسيم حيث بدأ بالعمل على ميكانيكية الجسد ككل ثم ظهر مايسمى بالرقص في الكلاسيكيات، وحتى في فن الباليه تحولت اللغة من لغة كلام الى لغة حركة. فتشكلت مجاميع مسرحية لهذا النوع من اللغة الجسدية لان الجسد الانساني اصبح له قدرة على التعبير. وتطرق جميل الى ان زمن الكلام اطول من زمن الحركة كما في الصورة التشكيلية، وان حدود الجسد الانساني لاتتوقف عند حدود، فنحن نحتاج الى ثقافة الجسد في مسرحنا، فالجسد الذي لايتعامل مع الثقافة لا يتواشج مع الآخر، فعلى المسرحي الاستفادة من كل العلامات في تقديمها واستعمالها كوسائل من اجل التأويل والدلالات للحالة ولذلك يتجاوز الجسد المعنى. فكثير من المسرحيات المشهورة لشكسبير حولت الى لغة الجسد في وقتنا هذا.

ووجهت في نهاية الجلسة بعض الاسئلة مع بعض المداخلات من بعض الادباء والشعراء والمسرحيين الذين حضروا الجلسة.