... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
على الجهات المنتهكة تقديم الاعتذار .. وعلى المدى رفع دعوى قضائية

يحيى السماوي

تاريخ النشر       07/10/2007 06:00 AM


استبشر أحرار العراق ومثقفوه خيرا بوجود وزارة لحقوق الانسان في العراق ، تأخذ على عاتقها مهمة نشر ثقافة حقوق الانسان والعمل بها أفقيا وعاموديا بدءا بهرم السلطة ومؤسساته وانتهاءً بالجماهير الشعبية ... غير أن هذا الاستبشار بالخير سرعان ما غدا خيبة مريرة ، في ظل تنامي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان من قبل الدولة عبر بعض مؤسساتها ومفاصلها أو من قبل المحرر المزعوم الذي أتخذ من وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان فِراءً ناعما ً لتغليف هراوته وفأسه المنتهكة لهذه الحقوق ، عبر قتله العمد لعشرات العاملين في المنابر الاعلامية ،واقتحامه أو قصفه مع سبق الاصرار لكثير من المرتكزات الاعلامية والمعرفية ، مما أسهم في إسقاط ورقة التوت عن عورة انتهاكاته ... ولعل اقتحامه صحيفة المدى ، يقدم الدليل على أن صولجان الحقوق المناقبية والوضعية التي جاء مبشرا به ، لم يكن في حقيقته غير هراوة مغلفة بالفراء الناعم .. فالمدى ليست صحيفة صفراء أو منبرا طائفيا وعرقيا محتقنا ـ بقدر ما هي إحدى النوافذ المضيئة التي اضطلعت بالتصدي مع قلة قليلة من رصيفاتها ، لسياسة المصادرة الكيدية لحقوق الانسان ولجميع اشكال التعسف والقهر الفكري ، ولمنهج الفكر الواحد والحزب الواحد والحاكم بأمره ـ ما يعني أن الإعتداء على المدى ، هو بالضرورة اعتداء على وثيقة العهد الدولي والميثاق العالمي لحقوق الانسان وملاحقه التابعة ، بل وعلى وزارة حقوق الانسان العراقية ، مثلما هو اعتداء على مطمح الجماهير الشعبية بوضع التاج على رأس وثيقة العهد الدولي التي مرغها النظام المقبور بوحل سياسته الاستبدادية والتعسفية والكيدية .

لا أدري أن كانت شعبتا حقوق الانسان في وزارتي البنتاغون والخارجية الامريكية قد زودت نسخة من وثيقة الاعلان العاملي وملاحقها التابعة ، الى سفارتها وقيادة جيوشها في بغداد ليهتدي منتسبوها بمفرداتها ـ مثلما أجهل ما إذا كانت وزارتنا الموقرة وحكومتنا " الديمقراطية " قد قرأت هذه الوثيقة ..فالصمت يشي بأحد أمرين ، أولاهما أن الوثيقة لم تقرأ بعد .. وثانيها أنهما " متورطتان ما دام أن الوزارة لم ترفع قضية دعوى قضائية ضد المنتهكين ، في حين قامت مؤسسة حكومية عسكرية بانتهاك للمدى قبل الانتهاك الامريكي ، لا يختلف عنه في طبيعته المنافية للأعراف الديمقراطية المصانة بموجب القانون الدولي .

لقد تضمن الإنتهاكان السافران " الحكومي العراقي ، والعسكري الامريكي " جملة خروقات لوثيقة العهد الدولي ، منها :

الاعتداء على الشخصية القانونية للمدى ـ مؤسسة وأفرادا ـ وفق المادتين الخامسة والسادسة من الملحق " ا" اللتين تنصان : " لكل انسان الحق في الاعتراف بشخصيته القانونية ""و الناس جميعا سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة من القانون دون تفرقة " فمن أين للمدى بهذه الحماية إذا كانت القوات الحكومية و" المحررة المزعومة " هي التي ترتكب الإنتهاكات الخطيرة هذه ؟

ونصت المادة الثانية عشرة على أن " للانسان ـ كل انسان ـ الحق في حماية القانون من مثل هذه الانتهاكات " فمن هي الجهة التي توفر للمدى الحماية إذا كانت قوات الحكومة وقوات المحرر هي المنتهكة ؟

وحتى لو أفترضنا ـ مجرد افتراض غير واقعي ـ أن لدى المدى ما لا تريد الإعراب عنه جهرا ، فإن وثيقة الهعد الدولي والاعلان العالمي لحقوق الانسان قد نصت على الحق في " حرية اعتناق الاراء والافكار دون أي تدخل ، وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة ، ومراعاتها بأية وسيلة سواء أكان ذلك سرأ أو علانية مع الجماعة " فكيف والمدى ليس لها ما تخفيه ، وهي التي رفعت الجهر سبيلا لنشر المعرفة ، ومنهجا منذ كانت حديقة باتساع شارع دمشقي ، حتى غدت واحة باتساع الضاد والابجدية كلها ؟ مؤسسة قدمت للثقافة والوطنية العراقية ما عجزت عن تقديمه وزارة الاعلام ذاتها ؟

جاء في المادة السادسة والعشرين ، الفقرة "2" ما نصه : " يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الانسان إنماء كاملا ، والى تعزيز احترام الانسان والحريات الاساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العرقية والدينية ، والى زيادة مجهود الامم المتحدة لحفظ السلام "فهل تجازى المدى على منجزها الثر في مدّ جسور الثقافة والادب والفكر جسورا بين الشعوب ؟ فالذي اصدرته ضمن سلسلة جوائز نوبل يكشف عن كونها أول مؤسسة عربية غير رسمية حققت هذا الانجاز الحضاري المتقدم ، دون اغفال سلسلاتها الأخرى التي بوأتها أن تكون في مقدمة دور النشر العربية الرائدة في مجال الادب الهادف الى تنمية الانسان وما يترتب على حقوقه في حماية مصالحه الادبية والفكرية والفنية والمادية ..

إن كلا من العراق والولايات المتحدة الامريكية ، طرف في الشرعة الدولية ... وقد نصت في المادة الخامسة ـ الفقرة "1" من القسم الثاني " الملحق "ب" :

" ليس في الشرعة الدولية ما يمكن تفسيره بأنه يجيز لأية دولة أو جماعة أو شخص ، أي حق في الاشتراك بأي نشاط أو القيام بأي عمل يستهدف القضاء

على أي من الحقوق او الحريات المقررة في هذه الشرعة أو تقييدها " فمن خول القوات العراقية وقوات البنتاغون باقتحام المدى والعبث بوثائقها ونشراتها وأرشيفها وسرقة ما تشاء دون وجه حق ؟ هل يجوز للعاري تعليم الناس الحشمة ؟

لقد نصت المادة الواحدة والعشرون على أنه : " لا يجوز وضع القيود على ممارسة حقوق الانسان ، غير ما يُفرض منها تمشيا مع القانون ، والتي تستوجها في مجتمع ديمقراطي ، مصلحة الامن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية المصلحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الأخرين وحرياتهم " فهل في سرقة أرشيف المدى وخزينه المعرفي والثقافي والابداعي والمعارض للديكتاتورية ، ما يهدد الأمن الوطني ؟ أو أن نشر المدى للفكر والابداع الوطني والعالمي ، ومد جسور الثقافة بين الشعوب ، يسهم في هتك الأخلاق ؟

إن للمدى ـ مؤسسة وأفرادا ـ الحق في رفع دعوى قضائية ضد مرتكبي هذه الإنتهاكات الخطيرة ، سواء أكان مرتكبوها أفرادا أو حكومات ـ عملا بالفقرة الخامسة من المادة الخامسة من ملحق "ج " من الاتفاقية الاوربية لحماية الحقوق الانسانية والحريات الاساسية ، ونصها : "على كل من يقع ضحية هذه الانتهاكات في حالات مخالفة لأحكام المادة الخامسة من الاتفاقية ، يكون من حقه أن يطالب بالتعويض عن ذلك "

إن الاعتذار للمدى ، وإعادة ما طالته أيدي المنتهكين ، من كتب وأرشيف ووثائق ، هو أقل ما يمكن أن تقدم عليه الجهات المنتهكة ، لإقناع الرأي العام بأن العراق قد ترك وراءه هراوات القمع الفكري والحزبي ، والأساليب الغوبلزية ... فلسنا بحاجة للمزيد من الانتهاكات ، ما دام أن الظلاميين والتكفيريين وبقايا فلول النظام المقبور وأعداء الفكر والمعرفة قد أوغلوا إسرافا بانتهاكاتهم ...

دعونا نرغم أنفسنا على تصديق أننا نخطو نحو عراق جديد فعلا يخلو من محاكم تفتيش القرون الوسطى والخوف من الخروج تحت الهواء الطلق مخضبين بندى المحبة والوئام والتسامح والعمل الجاد من أجل العراق ـ كل العراق ـ لا من أجل هذه الطائفة أو ذلك الحزب ، ولا من أجل هذا المفتي أوتلك التكية والعقيدة ..

أتمنى على المنابر الاعلامية العراقية ـ بما فيها الرسمية ـ ومؤسسات المجتمع المدني ، الاحتجاج على هذا العمل الشائن ـ ولا بأس من تحديد يوم إضراب من عن العمل ليكون بمثابة رسالة تحذير قوية تحول دون المزيد من الغي وقمع الحريات الاساسية ـ مثلما أتمنى على وزارة حقوق الانسان أن تكون البادئة برفع دعوى قضائية لردع من تسول له نفسه المساس مستقبلا بتلك الحقوق .

 

***

(*)عضو مؤسس في الشبكة العراقية لحقوق الانسان .


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  يحيى السماوي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni