... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
تلك المشكلة التي تكمن في النهايات - "فوبيا بغداد" نموذجا

حامد المالكي

تاريخ النشر       21/10/2007 06:00 AM


ما دفعني الى كتابة هذا المقال هو إزالة نوعا من التباس لحق بذهنية احدهم حيث أرسل لي رسالة من إحدى دول المهجر الأوربي يعاتبني فيها على نهاية مسلسل فوبيا بغداد المأساوية والذي عرضته قناة الشرقية في رمضان، المؤسف وربما الذي يدعو الى الخيبة ايضا ان هذا المشاهد وصفني بالعمالة لجهة ما -حسب وصفه-التي تريد زرع روح الخوف واليأس في العراق الجديد!!!

 

ربما نكون اكثر شعوب الأرض استعداد لتوزيع تهمة العمالة وإلصاقها بكل من يختلف عنا في الرأي او التوجه وهذا شيء يوصل للجنون.

 

في مداخلة للسيد عبد الوهاب الدايني-كاتب ومخرج تلفزيوني عراقي- في قناة الشرقية أثنى بصورة عامة على فوبيا بغداد لكنه تمنى ان يموت البطل ميتة رومانسية واقفا مثل الأشجار لا ان يقع في حفرة القبر التي حفرها لنفسه، هذه اسميها أمنية حالمة.

 

للأستاذ الصحفي حميد قاسم والسيدة الدكتور عواطف نعيم نفس الأمنية، انهما يريدان في نفس البرنامج التلفزيوني الذي بثته الشرقية نهاية أخرى، حميد قاسم لا يريده ان يموت بسبب حبه للشخصية والدكتورة عواطف نعيم تريده ان يخرج من القبر ويبدأ حياة جديدة وكأن تاريخ العنف والعذابات الذي شاهدناه طوال حلقات المسلسل العشرين كان مجرد تاريخا من الهذيان.

 

لمن فاته مشاهدة (فوبيا بغداد) فان بطل الحكاية الدكتور العراقي هيثم محمد عبد الله أستاذ مادة الفيزياء الذرية في جامعة بغداد يختطف من قبل جهة مجهولة ويعذب بقسوة ثم يتم قتله بقسوة لنفاجئ بعد فترة بوجوده في دمشق منتحلا اسما ثانيا ومخترعا لنفسه تاريخا جديدا لا علاقة له بتاريخه السابق المجيد، نكتشف في النهاية ان الدكتور هيثم لم يقتل وانه استطاع بمساعدة احدهم النجاة من الموت والهروب الى خارج العراق مع كم هائل من الهستيريا التي أوصلته الى مرض نفسي يدعى (اضطراب الهيام النفسي) وفي هذا المرض يقوم الإنسان المصاب به بانتحال شخصية جديدة لا علاقة لها بالشخصية الأصلية هروبا من حالة حرب او كارثة بيئية ما.

 

تنتكس حالة هيثم الصحية فيحفر قبره في مقبرة الغرباء في دمشق قرب قبر الجواهري شاعره القريب الى نفسه وفي المكان الذي يرى فيه تجاورا لقبر السني والشيعي العربي والكردي والمؤمن والملحد كما يقول في احد حواراته، ينزل الى القبر في لحظة وصول محبيه من الأحياء والأموات، الأموات الذي يراهم في خياله المريض، الجميع بمن فيهم حارس المقبرة يطلبون منه الخروج من القبر والعودة الى الحياة الا انه يرفض ذلك ويقول لهم هنا أريد ان أكون ويموت في النهاية ويسقط داخل القبر.

هذا سرد على عجالة لقصة أجاد تجسيدها ممثلا ومخرجا الفنان العراقي الكبير حسن حسني مع مجموعة من خيرة ممثلي العراق وسوريا.

 

الجميع يتمنى نهاية أخرى أكثر تفاؤلا وانا واحدا منهم، على الأقل كي تخرجني هذه النهاية من خانة العمالة التي حصرني بها مشاهد منفعل مع المسلسل بطريقة منفلتة.

 

فهمت الكاتبة المبدعة ميسلون هادي قصة النهاية الفاجعة للبطل، كتبت في صحيفة الزمان مقالا بعنوان "ابناء الشعراء الى المجهول" كان محور مقالها نهاية فوبيا بغداد وكيف يجب ان تكون، قالت: "الموت هو ليس أسوأ ما يصيب الانسان الباحث عن الراحة والخلاص، انما هي المظالم التي قد بلغت حدا كابوسيا مهولا فهدت بجبروتها هيثم، هذا الانسان العالم المرهف الرومانسي، ووضعته علي حافة الجنون ثم الاغتراب عن نفسه ثم الهرب من الماضي وصولا الي الانتحار بطريقة دراماتيكية رهابية تجعله يفضل ان يحفر قبره بيديه علي ان يعود هو نفسه الانسان الملاحق الطريد المنكوب في بلده وابنته وزوجته واعز اصدقائه"

 

كما قالت في مكان آخر وما اروع ماقالت:" والمصائر عندما تصبح اكثر غموضا تضفي علي الجو مزيدا من خيبة الامل".

 

وقالت: "ان المكابرة لم تعد تجدي مع اهوال وكوابيس وفواجع غرابتها ليس لانها ليس لها سابقة في التاريخ ولكن غرابتها انها تحدث في مطلع القرن الحادي والعشرين".

 

نعم، هذا هو واقع النهايات المأساوية، انها تقود الى (الكاثارسيس) كما يقول ارسطو أي التطهير، تطهير المتلقي من ادران الواقع الخائب او اهوال وكوابيس وفواجع كما تشير الكاتبة ميسلون هادي.

 

غالبا ما يكون الموت هو قدر ابطال التراجيديات الكبيرة، اوديب، ماكبث، عطيل،روميو، وحتى جوليت، العديد من هذه النهايات تنتهي بالموت مع حلمنا بان تكون نهايات وردية لكننا لسوء الحظ نرى هذه النهايات-الوردية-في الأفلام الهندية والمصرية، كم كان قاسيا شكسبير وهو يخط بريشته موت جوليت الجميلة، لقد شتمته عندما قرأت موت عطيل القائد العسكري الشجاع بسبب منديل!!

 

أبطال التراجيديات الواقعية شأنهم شأن أبطال تراجيديات الورق ينتهون نفس نهاية بطل مسلسل فوبيا بغداد، علي بن ابي طالب قتلته عاهرة تدعى قطام! الحسين ابنه قتله داعر يدعى يزيد، المسيح قتله الشعب الذي فاضل عليه لص المدينة ونشالها، هكذا تسير الأمور في هذه الحياة، الأبطال يموتون مبكرا ويبقى للجبناء مسرح الحياة ليلعبوا فيه ما يريدون من ادوار، من بينها ادوار البطولة حتى.

 

في فلم مارتن سكورسيزي اللاذع (الإغواء الأخير للسيد المسيح) نرى سكورسيزي قد انزل المسيح من على الصليب دون علم محبيه الذين يبكوه، يأخذه الى جبل ويزوجه من مريم المجدلية ويعيش مع امه العذراء متخفيا، بل يذهب سكورسيزي ابعد من هذا الأمر عندما يظهر لنا مشهد جنسي من "الطراز الرفيع" بين المسيح والمجدلية، يكبر المسيح الهارب ويشيخ وينجب صبيان وبنات واحفاد ويهرم كأي إنسان آخر ويعرض الفلم في كل أوربا وأمريكا طبعا لم يتهم أي مشاهد سكورسيزي بالعمالة لأي جهة ولم يقطعوا رأسه حدا وحرابة رغم ان نبيهم ظهر كأي نجم من نجوم البلاي بوي، اكتفوا بنقد الفلم، قالوا له انك بإحياء المسيح جردته من أهم ما فيه، لقد جردته من فكرة الموت من اجل خلاص الآخرين، هذا بالضبط ما أراده الدكتور هيثم بطل فوبيا بغداد لقد قال لمحبيه وهو في القبر: سأموت كي تحيوا انتم. هيثم يشعر بالخوف على محبيه، انه يخشى ان يقوم من حاول قتله بقتل محبيه، اليوم في العراق اذا أرادوا قتلك لأي سبب ونجحت في الهروب الى منفى من المنافي فإنهم يقتلون ابنك او أخيك او زوجتك حتى، اذا كنت انا عميلا لأني قتلت بطل المسلسل الوهمي فماذا تقول يا صاحب الرسالة عن هؤلاء الذين يقتلون اليوم في العراق بدم بارد ليس الإنسان العراقي حسب بل يقتلون بلدا كاملا؟


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حامد المالكي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni