... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
نضال نجار .. الإيقاع والتصرف الصوتي

د.ثائر العذاري

تاريخ النشر       21/10/2007 06:00 AM


ليس جديدا القول أن الايقاع واحد من أهم أركان أي عمل فني ، غير أن النصوص النثرية , وهي ظاهرة لما تزل في مرحلة التكون ، تواجه مشكلة الانفلات وعدم وجود عرف قار للتشكلات الايقاعية التي تنتظمها ، وهذا يحمل الشاعر مسؤولية كبيرة في المرحلة الراهنة ، فهو يقوم بوظيفتين ؛ الأولى تاريخية تأسيسية فهو لا ينسج على منوال السابقين كما هو حال الشاعر التقليدي ، بل هو يؤسس لقوانين جديدة لم تكتب بعد، والثانية ابتكارية لأن عليه أن يقنع القارئ أن نصه النثري ضرب من ضروب الشعر.

تمثل الشاعرة نصال نجار مثالا جيدا للتصرف الايقاعي والصوتي في النثر، ونحن نحاول هنا رصد التكنيكات التي تلجأ اليها في بناء نصوصها.

تمتاز جمل نضال في الغالب بالطول والطول المفرط أحيانا ، وهذا يؤدي الى صعوبة السيطرة على تدفق العبارات وايصالها الى علامة توقف. في (قمر أحمر) :

الشفق يرنو الى البحر ـ الوعد

والغسقُ يصغي الى أمواج الجسد وهو

يسير على هدي حلمٍ تشعب في امتداد جرح الجذر..

كأن الدروب جثث تفوح برائحة السماء التي

ماانفكتْ تدون تاريخها بدماء قطعان

تعلقت على حبل الوهم............

كأن الزمان / المكان / القلب / الصمت / الصدى

بإمكاننا ان نفهم اضطرار الشاعرة لوضع هذه السلسلة من النقاط بعد كلمة (الوهم) في السطر قبل الأخير ، فهي تريد الخروج من هذه الصورة بعد أحست أنها قد قالت ما تريد قوله ، غير أن صعوبة إيقاف تدفق العبارات الطويلة أجبرها على وضع هذه النقاط تعبيرا عن الامتداد اللا متناه للجملة ، فليست لهذه النقاط وظيفة دلالية ، انما وظيفتها تركيبية محض.

هذا السبب ذاته هو الذي جعلها تبني الجملة الأخيرة هكذا:

كأن الزمان / المكان / القلب / الصمت / الصدى

كل كلمة من هذه الكلمات تمثل فكرة متكاملة كان يمكن ان تكون مقطعا نثريا آخر ، غير أن احساس الشاعرة بضرورة فرملة التدفق اللا متناه لعبارتها ألجأها الى هذا التركيب، ومن النافع أن نلاحظ أيضا وعي الشاعرة بأن نصها مكتوب للقراءة لا للإلقاء، للعين لا الأذن ، ولذلك فهي تستخدم علامات ترقيم ليس لها قيمة صوتية قدر ما لها من قيمة بصرية ، فالخط المائل الفاصل بين الكلمات في السطر الأخير صنع ايقاعا بصريا سريعا , نجحت الشاعرة اعتمادا عليه في الخروج من التدفق النثري السابق تمهيدا للدخول في تدفق آخر.

هذا التكنيك متكرر في كتابات نضال نجار ويمكن أن نقدم مثالا آخر عليه ففي (زوربا العربي):

يستنفرُ صحو الوقت في أنزفة البياض....... ويحنو

ـ موزعاً ـ على مشردي وأطفال الاحياء المجاورة

هدايا.. ألعاب... حلوى.. وما يملكُ من لألاء الذهب ؛

قناديلٌ... ايقونات... عصافير.. ورود .. ألوانٌ... شموعٌ ... سبحاتٌ ...

كؤوس .. مناديلٌ .. أقلام.. حقائب... عطور.. بخور .. وسجادٌ ..

في هذه القطعة تلجأ الى الأسلوب ذاته لفرملة تدفق العبارة الطويلة تكرار مفردات مشحونة بالدلالات لكنها ليست منتظمة في جملة نحوية، غير أنها تضيف هنا سمات ايقاعية اضافية ، منها التحكم بطول الكلمات ففي السطرين الأخيرين رتبت الكلمات بالنظر الى عدد الحروف المكونة لها هكذا:

6 6 6 4 5 4 5

4 6 5 5 4 4 و4

ان النظام الذي رتبت على اساسه هذه الكلمات واضح لا يحتاج الى تعليق وهو يؤدي الى نشوء ايقاع سريع يكفي لفرملة التدفق النثري السابق ، غير ان عدد الكلمات كان كبيرا وهذا أدى الى تدفق جديد يحتاج الى ايقاف ، وهذا النوع من التكرار يسهل السيطرة عليه ، فقد تمكنت الشاعرة من ايقافه بوضع علا متين صوتيتين، الأولى استخدام كلمتين بقافية واحدة في النهاية (عطور.. بخور) ، والثانية استخدام واو العطف بوصفها عنصرا دخيلا مع الكلمة الأخيرة.

نضال نجار تتمتع باحساس مرهف بالقيم الصوتية لمفرداتها ولذلك فهي تضع كلماتها في الاماكن التي تكسبها أثقل وزن ممكن، لنقرأ مثلا في (خدر الأعالي):

ذات ليلة........

كنتُ سمعتُ موسيقا رائعة تنبعثُ من أعماق البعيد القريب ،

اذ لولا الهيام العجيب ماكنتُ قلت :

ساحرٌ صوتَه....

البحرُ مالك الملكِ في كفَّه.............

ورعاياه أطفالٌ مشطتهم أصابع الريح بما شاءتْ وشاؤوا من ألوان / بذور

على شكل قصائد ....... لوحات ..........حروف ........ لآلىء........

تتخطفها العصافير ، الأسماك ، النحل، الرمل ، الماء ،

لتبنيَ فصولاً من الخصب الدائم........

في هذا المثال تصنع الشاعرة مجموعة كبيرة من الثنائيات الصوتية التي تكون ايقاعا خفيفا لا صارخا كما هو الحال في الشعر التقليدي، تلك الثنائيات لا تقوم بالضرورة على التقفية بل ربما تقوم على الاشتراك بالأصل الصرفي :

القريب العجيب

كنتُ قلتُ

مالك الملك

شاءت شاؤو

النخل الرمل

وفي بعض الأحيان تلجأ نضال نجار الى تكرار حروف بعينها بالحاح واضح لبناء تركيب هارموني يبني خلفية صوتية للنص، كما في (الوردة الحمراء):

منتحباً بالحنين الى فردوس التيه.........

تاه الوطنُ الغريبُ في الدروب الشائكة بالسحب والضباب ..

ضبابٌ تعددت أشكاله بتعدد الهويات والانتماءات اللامنتمية إلاّ إلى بياض فجٍّ

لا يحيي لكنه قد يميت لأن البحر تحت الليل يفيض عن زرقةٍ لن تفضيَ إلاَّ الى مدنٍ من الورق

وأبراج شاهقة من الوهم .......

وهمٌ قد يوهمكَ أنك كنتَ هناك ذات ليلٍ عاصف ..

لكنك ستعرف فيما بعد أنك لم تكن يوماً هناك ولاحتى هنا..

يبدأ النص بتركيب صوتي دائري يتكون من الاصوات نون باء حاء في الكلمتين (منتحبا بالحنين) فجاءت الأصوات بهذا الترتيب اللافت:

ن ح ب ب ح ن

غير أن الخلفية الهرمونية تتكون فيما بعد من صوتين بعينهما يزدادان علوا كلما تقدمنا في النص هما الكاف والهاء ففي السطرين الأخيرين فقط جاء الهاء خمس مرات والكاف تسع مرات بهذا الترتيب:

هـ هـ ك ك ك هـ ك

ك ك ك ك هـ ك هـ

من اللافت أيضا أن أول كلمة في النص ورد فيها الهاء هي (التيه) وأول كلمة ورد فيها الكاف هي (الشائكة) ، فكأن هذه الخلفية ليست الا صورة لدروب مظللة شائكة هي الثيمة الأساسية لنص نضال نجار


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.ثائر العذاري


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni