... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  رواية

   
قراءة في اوراق هاني بن ال الجراح الطائي - ح 4

هلال البياتي

تاريخ النشر       27/10/2007 06:00 AM


- لا أدري كيف ستسير الأمور وكيف سنتحمل الاضطهاد الجديد؟
فأجاب الشيخ منشدا:
- ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا وتأتيك بالأخبار ما لم تزود
جعلتنا جلستنا عند السقيفة المرتفعة في ظل الدار نشرف على القرية بأكملها ونطل على ساحتها الواسعة أمام المسجد حيث ينتهي عندها الدرب المترب الوحيد الممتد بينها وبين المقبرة وقد سكن النهار وانقطع وقع السائرين فيه وراح الهدوء يطغي على كل شيء.
قال الشيخ سعد الله قاطعا الصمت:
- لست أدري كيف ألقوا القبض على الشخص الذي قتل أحد حراس القلعة الانكشاريين قبل شهرين في حادثة سوق القرية وسرعة إصدارهم قرارا بإعدامه رميا بالرصاص وسينفذ الحكم اليوم أو غدا في ساحة القرية لأنه جندي من الفارين.
قلت متسائلا:
- وكيف علمت بذلك يا شيخ سعد الله؟
أجاب الشيخ بهدوء:
- من الرسول الذي بعثه لي أغا القلعة الجديد يسألني ان كان في إمكانه المجيء لزيارتي هنا وربما جاء لزيارتنا اليوم أو غدا.
قلت متعجبا:
- ما هو الأمر الذي يجعله يأتي إلينا ! لعل في الأمر سرا.
قال الشيخ ببساطة:
- لا سر في ذلك فهو شخص مسؤول هنا ومن واجبنا أن نعرف ما يريد. جرت الأمور بعد ذلك كما قال الشيخ سعد الله فقد شاهدنا من بعيد حراس القلعة وهم يدخلون ساحة القرية بما يقارب فصيلا من الانكشاريين وأبعدوا من كان موجودا فيها من الأهالي ثم استعرض آمر الفصيل انكشاريته حول الساحة فاصطفوا دون حراك بملابسهم القطنية الزرقاء وسراويلهم الفضفاضة بوضع الاستعداد فلا تظهر منهم حركة غير حركة عيونهم التي تطرف تحت عمائمهم التي تشبه عمائم الدراويش ثم أصدر آمر الفصيل أمرا بمنع تقرب المارة والمستطرقين قريبا من وسط الساحة وراح عدد من الجنود يثبتون عمودا خشبيا متينا في الأرض خصيصا ليقف أمامه المحكوم عليه عند تنفيذ الحكم ثم تعلق عليه جثته بعد ذلك ليراها الناس، وجيء بالشخص المعني لتنفيذ الحكم عليه.
راحت القرية وسط هذه المراسيم تعطي انطباعا بالعزلة المطلقة والفاقة ومظاهر الإهمال والقذارة في كل ركن من أرجاءها ويظلل كل هذا قدرية دينية تترك كل شيء لإرادة الله وهكذا مرت الساعات اللامتناهية لشعب يريدون له أن يؤمن بأنه حكم عليه بالعبودية والرذيلة، وعندما أوقف آمر الفصيل وهو يتقدم حرسه الانكشاري أحد الأشخاص الذي خالف أمره فتشه من قمة رأسه حتى أخمص قدميه ثم أمر بإرساله إلى السجن رغم أنه لم يكن يحمل سلاحا وإنما يوصفه شخصية مشبوهة متشردا أو لصا أو كما قال ان منظره لا يعجبني.
حاول المسكين أن يحتج بصوت عميق كأنه آت من أعماق الأرض بأنه بريء فانبرى أحد عمالقة الفصيل وجلده بقسوة، وما أن أقتيد المحكوم عليه إلى حيث يجب أن يقف عند العمود الخشبي حتى راح جسده النحيل يختلج بارتعاشات باردة مفاجئة هزته هزا وتغير لونه فصار يحاكي لون الأرض ثم انكمش على نفسه في سكون مميت وسرت روحه مع النسيم في خفة من وسط القرية باتجاه الصحراء خفيفة أنيسة لطيفة ومنحته رحمة الله الغفران وفتحت له باب مملكة السماء. ورغم ذلك - سحب المحكوم بالإعدام - إلى حيث يجب أن يعدم وأطلقت عليه بأمر من آمر مفرزة الإعدام بضعة اطلاقات، كان المنظر مألوفا فلم يثير اهتمام أحد في القرية رغم أن العملية لم تقع في مكان منعزل أو في حارة فرج الله حيث يسكن اليهود بل وقعت وسط القرية وأمام ساحة مسجدها الذي أشاد فيها منكوتيمور الأخ الأصغر لأبغا ابن هولاكو هرما ارتفاعه عدة أمتار من جماجم أهلها أثناء مروره بها عندما توجه من العراق إلى بلاد الروم عن طريق بلاد الشام وقد شارك أهلها الذين نجوا من هذه المذبحة مع الأمير أحمد ابن حجي أمير آل مري والأمير عيسى ابن مهنا أمير آل فضل أمراء ربيعة الطائية في القتال مع جيش السلطان قلاوون ودحروا جيش التتار في معركة حمص، وبعد قرن ونصف من هذه الحادثة أغار عليهم المغولي تيمورلنك وهو يتجه من بغداد إلى الشام ووضع هرما آخر من جماجم أهلها مرة ثانية.
علقت جثة البائس على العمود تداعبها الرياح فينبعث منها صرير مسموع هو صوت الحبل الذي يربطها بالعمود كأنه نشيد حزين ثم وبأمر من آمر الفصيل ربطت جثة البائس بذيل حصان راح يجرها بعيدا عن وسط الساحة يقوده أحد الجنود إلى حيث يقف ذوي المحكوم ليتسلموا جثته بعد أن دفعوا مبلغا من المال. قال الشيخ سعد الله وهو يربت على كتفي ونحن جلوس فوق الدكة ننظر إلى هذا المشهد الأليم محاولا أن يخفف عني وقع هذا المشهد:
- هون عليك يا بني فسيتبع هذه الضحية ضحايا آخرون وحاذر إلا تكون ضحيتهم التالية فإن لرأسك ثمنا عندهم.
فأجبته وأنا ارتجف غضبا:
- أن ما أثارني في هذا المنظر لم يكن مشهد الموت بل القسوة التي بدت وكأننا في زمن يختلف كليا عن العصر الحاضر.
فأجاب الشيخ مهونا عليّ:
- ان كل ما هو جديد وكل ما هو جميل موضع ارتياب أنظر إلى الأشخاص الذين يقدرهم مجتمعنا تعرف الاتجاه الحضاري السائد عندنا.
فأجبته وأنا أؤمن على كلامه:
- حقا إذا أردنا أن نعرف المستوى الحضاري لأي مجتمع وجب أن نغض النظر عما يتواعظ به أفراده من أقوال وأن نركز على القيم الواقعية التي يجري تقدير الأشخاص عليها.
فأجاب الشيخ متفكرا:
- ان ما ينقصنا هو الإيمان فهو مبعث الطمأنينة في نفس الإنسان ليمكنه من مجابهة الأخطار والمشاكل الحياتية وإلا أصبح مجنونا أو شبه مجنون.
قلت مقاطعا وقد أثارني كلامه:
- شبه مجنون نعم هذا ما أريد أن أسأل عنه ألست تعني بأنه الشخص الوسيط بين العاقل والمجنون فهو قريب من المجنون ولكنه ليس مجنونا أنه الخيالي الواهم، الذي يهرب من الواقع فيتصور نفسه عظيما أو فارسا فيقاتل الأغنام ويطعن الأشجار ويحارب الهواء وأعتقد أن أغلب المجانين يمرون بهذه المرحلة قبل أن يدخلوا إلى عالم الجنون وكثيرا ما يدفعهم الناس دفعا إلى هذا العالم بالضغط عليهم فيتولد فيهم الانفجار ولكن إلى الداخل كما هي حالنا اليوم أليس كذلك؟
أجاب الشيخ سعد الله بهدوء:
- ما دام الإيمان ضعيفا أو شبه معدوم، فالمجتمع دائما هو من يسلط على الإنسان منذ طفولته إيحاء متكررا من مختلف العقائد والقيم والاعتبارات الاجتماعية فيأخذ تفكيره أسلوبا معينا يصعب التحرر منه. فالذي ينشأ في بيئة ما يتطبع تفكيره غالبا بطابع تلك البيئة من عقائد وميول اجتماعية واتجاهات عاطفية وهو يظن بأنه اتخذ تلك العقائد والميول باختياره وإرادته ولا يدري بأنه صنيعة بيئته الاجتماعية ولو أنه نشأ في بيئة أخرى لكان لتفكيره نمطا آخر.
قلت وأنا أنظر إليه متفكرا بما قال:
- لا شك فيما تقول فالإيمان هو التمسك بالمبادئ الخلقية وهو يعلم الإنسان ضرورة التعاون والأخذ والعطاء ومساعدة الغير ولكننا نعيش الآن في عصر التناقض والتنافس وضرورة النجاح وتبدأ المنافسة منذ الصغر بين الأخوة ثم الزملاء في حلقة الدرس ثم في العمل والمهنة ومثل هذا الصراع يولد مشاعر الذنب المؤدية إلى الفشل انظر إلى مجتمع مدينتنا الفاضلة وإلى تناقضاته ربما ستكون لديك فكرة عن حالة الفساد التي وصلت إليها سواء كانت بفعل الانكشاريين أو غيرهم.
فأجاب بألم:
- ان التعاسة التي وصل إليها شعب المدينة الفاضلة لم يسمع بمثله أحد من قبل ولا مر به شعب من شعوب الأرض قاطبة ولست مغاليا فيما أقوله لك، فما يجري فيها ليس له مثيل في الظلم والفساد ولا حتى في حكايات، وأساطير قوم لوط أن القصص التي يتناقلها الناس عن أخبار الظلم في المحاكم، والرشاوى في ديوان الوالي تزيد أضعافا مضاعفة عما يفعله الحرس الانكشاري وكأنهم أداة لتخريب منظم ومدبر تديره عقول فتاكة.
قلت متذكرا وقد أثارني منظر الموت قبل لحظات:
- أظنك سمعت بقصة المحكوم عليه بالإعدام الذي أطلق سراحه بعد أن استبدلوه بشخص آخر جلبوه من دار المجانين في ليلة تنفيذ الحكم وفي الصباح نفذ فيه حكم الإعدام ونجى المحكوم عليه الحقيقي الذي استقبله أهله عند باب السجن بالدفوف بعد أن دفع مبلغا ضخما من المال إلى كل المسؤولين بدء بالقاضي الذي أرشدهم إلى هذه الطريقة والى الانكشارية الآخرين الذين أنجزوا العملية.
أشار الشيخ إلى الساحة وقد خلت من المارة وراح آمر الفصيل يستعرض انكشاريته الذين وقفوا دون حراك فلا تظهر منهم حركة غير حركة عيونهم وقد وقفوا وقفة الانتباه ثم تحركوا خارج الساحة وحمل جنود آخرون عمودهم الخشبي ومضوا خارج القرية.
انتبه الشيخ سعد الله وهو ينظر إليهم وقال:
- ان ما يسمونه أغا الانكشارية رئيس حراس القلعة القديم لم يكن انكشاريا بسيطا مهملا في قرية نائية لم يفكر بها أحد ولكن ما جر الوبال عليه هو تكاسله في نهب السوق وعدم معاقبته الأهالي بالقسوة المطلوبة فكان جزاءه الطرد والاستبدال، فالانكشاري الذي لا يقوم بإنجاز المهمة الموكولة له بالقسوة والوحشية بالدرجة الكافية يطرد من زمرتهم والويل له بعد ذلك فالسكوت عندهم عن مثل هذا الإهمال جريمة لا تغتفر مهما كانت مآثره السابقة في خدمتهم فالذئب الضعيف - في القطيع - يأكله القطيع عند أول بادرة ضعف تظهر عليه ولكن بالنسبة لصاحبنا أغا القلعة الجديد فقد جاء إلينا بسلطة تامة وقد صعد إلى منصبه بصلاحيات أكبر.
قلت وأنا أنظر إليهم وهم يغادرون حتى ابتعدوا عن نظري:
- أظن لا يوجد في تاريخ الأرض من يشبه هؤلاء الانكشاريين بسوء أعمالهم.
رد الشيخ علي فورا:
- كلا بل هناك من هم أسوأ منهم بكثير.
قلت متعجبا:
- ومن هؤلاء بربك.
أجاب الشيخ:
- انهم المغول الذين سماهم جنكيز خان بالتتار فهم الأسوأ ومهما فعل الانكشاريون فلا يعدو شيئا بالنسبة لجرائم التتار البشعة التي يندى لها الجبين.
فأجبته:
- سمعت بعضا منها مما يتناقله الناس وما قرأته في الكتب عن اجتياحهم، للبلدان وما أنزلوا بها وبأهلها من خراب.
قال الشيخ سعد الله ومسحة من الألم تعلو وجهه:
- نعم … نعم فقد كان اجتياحهم للعالم أشبه ما يكون بالعاصفة أو الزلزال المدمر فقد اجتاحوا العالم بعقل لا يختلف عن عقل الحيوان الذي لا يكترث لتعذيب البشر وبشراهة لكل ما هو جديد وبراق وباندفاع الأطفال الذين لا يدركون المسؤولية فقد كانوا يعاقبون من يقف في طريقهم بالموت ولكنهم أيضا كانوا يعاقبون من يخضع أمامهم بالموت. وكانت قسوتهم متعمدة يقصدون بها إيقاع الرعب في قلوب أعداءهم حتى يشل الفزع حركتهم فلا يقدرون على المقاومة.
فمن الأفضل لجيوشهم المظفرة ألا يتركوا وراءهم إلا الخرائب الملتهبة المليء بالجثث الآدمية لأنهم يخشون أن يبقوا على أحد بعد المعركة مخافة أن يثير لهم الفتن والقلاقل.
فقاطعته قائلا:
- ألا تظن أن هناك بعض المبالغات أو الانحراف عن الحقيقة في نقل الوقائع، عنهم أو عن الحكومات التي أوجدوها في البلاد التي فتحوها.
أجاب الشيخ:
- كلا لقد فاق المغول في قسوتهم أشد الشعوب همجية فقد كانوا يقتلون غيلة جميع من يقع في أيديهم من أهل البلاد التي يفتحوها ويسترقوا البقية الباقية منهم بعد أن يعذبوهم أشد العذاب بحيث كان من ينجو برأسه منهم لا يستطيع أن ينجو من عنفهم وظلمهم وكانت حكومتهم تعمل على نشر الفساد فتقضي على كل من عرف بالشرف والنبل وتقرب كل من اشتهر بالضعة والخسة حتى أصبح تاريخ المغول بما انفرد من وحشية وإجرام سجلا لكثير من حوادث الفزع والرعب.
قلت متسائلا:
- أحق هذا تاريخ المغول من جنكيز خان إلى تيمورلنك؟.
قال الشيخ باسما:
- لا تستغرب يا صديقي مما تسمع فحب المغول للتخريب يرجع إلى طبيعتهم البدائية والوحشية فمتى ما احتكوا ببلد من البلدان المتحضرة اندفعوا إلى تدمير حضارته بسبب خوفهم منها - وكذلك فعلوا عندما احتكوا بالبلاد الصينية ولمسوا طرقا من حضارتها - فهم يندفعون إلى كراهية المخلوقات المجاورة لهم فيهاجمونها وينكلون، بالرجال والنساء والأطفال ويحرقون القرى ويحولون المدن العامرة إلى صحراء جرداء بحيث لم يتركوا وراءهم إلا بلدانا مخربة مكتضة بجثث القتلى.
قلت وأنا في حيرة مما أسمع:
- اعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى خوفهم من أفانين الحضارة والترف الموجودة في العالم الذي خرجوا ليفتحوه.
فرد الشيخ علي بقوله:
- ربما كان السبب يكمن في خوفهم من العالم المتحضر فعلا ولهذا كانت حكومتهم تعمل على نشر الفساد فتقصي كل من عرف بالشرف والنبل وتقرب كل من اشتهر بالخسة والضعة كما ذكرت وأود أن أقول لك بأن تاريخ العالم المتحضر شهد حدثين من أحداث البداوة يعدان من أعظم الأحداث الاجتماعية فيه هما خروج، بدو العرب إلى العالم أثر الدعوة الإسلامية وخروج بدو المغول إليه بعد ستة قرون تقريبا أثر الحركة التي بدأها جنكيز خان. فنشأت من هذين الخروجين إمبراطوريتان عظيمتان ولكن شتان ما بين تخريب المغول ومروءة العرب حتى قال عنهم الأسبان وهم أعداءهم أن العرب فرسان أبطال يمتازون بكثير من الرقة والدماثة.
قلت وأنا متأثر بما أسمع:
- ربما كان أغا الانكشارية من أصل مغولي فما فعله في سوق القرية يدل على ذلك.
كان رد الشيخ حاسما وهو يقول:
- كلا فالأمر ليس كما تظن فقد عرفت عنه كل شيء معرفة تامة كما اطلعت على تفاصيل حياته بأكملها ولكن الذي لا تعرفه هو ما يقوله عنه عبد الله قبل أن يأتي إلى هنا ويصبح أغا الانكشارية في القلعة.
فقاطعته باندهاش بالله عليك أن تحدثني عما يشيعه عبد الله عنه.
قال الشيخ ببطء وكأنه يحث ذاكرته:
- سمعت والعهدة على الراوي أن إبليس لعنه الله قد اشتكى إلى الخالق عز وجل عما يكابده من مشقة وما يقاسيه من العنت جراء التطور الذي جرى في العالم فقد صار الإنسان يشعر بأن الحياة غدت وهما كاذبا خاليا من المعنى ومنافية للعقل وأن الموت هو خيبة الأمل الكبيرة التي هي أكبر من كل خيبات الأمل التي صار يكابدها بسبب تطور الحياة، وقد أدى هذا إلى ازدياد شعور الناس بالسأم والملل وتفاهة الحياة اليومية واليتها وبالتالي إلى فساد خطط إبليس الإغوائية وإرباك أعماله الشيطانية وأصيب بسببها بخيبة أمل كبيرة أثرت على نفسيته تأثيرا بالغا فراح يبكي بدموع سخينة وهو يشتكي أمام الخالق عز وجل ويعرض متاعبه كما طلب منه إجازة يترك فيها عمله وليستعيد بعضا من نشاطه ولو لبضعة أيام ولكن الصعوبة كانت تكمن في عدم وجود بديل يحل محله عند تمتعه بالإجازة المطلوبة ولكن رحمة الله ومؤازرة المخلصين له من أعوانه أرشدتهم إلى أغا الانكشارية ليكون البديل له وفعلا تمت الموافقة وتمتع إبليس بإجازته وحل أغا الانكشارية محله ولكن سرعان ما طرد منه واستدعي إبليس على وجه السرعة للعودة إلى منصبه فقد اكتشفوا بأن أغا الانكشارية في اللحظة التي استلم فيها مهام إبليس حتى راح يعد العدة والأعوان ويضع الخطط للغدر بإبليس والاستيلاء على منصبه ومسؤولياته - وسلطاته بخسة ووضاعة وبما لا تتفق والأعراف السائدة آنذاك فأعيد إلى ما كان عليه انكشاريا في جيش السلطان وعاد إبليس إلى منصبه السابق.
- ( قلت وأنا أضحك ) لو لم يكتشفوا مؤامرته في الوقت المناسب فلا يعلم إلا الله ما كان سيحدث وربما حدث أمر لا يوجد له مثيل في تاريخ الغدر فالرجل ليس له رادع من خلق أو دين يمنعه عن فعل ما يريد.
أجاب الشيخ ضاحكا:
- انك حسن النية فهناك من هو أقذر منه حتى أن أغا الانكشارية المعزول هذا لا يعد تلميذا إلى جانبه واسمه ( الخصي حسن قره كاظم ) ولكن دعنا من حديثه فإنه يثير غثيان نفسي كلما تذكرته.
قلت للشيخ برجاء:
- ولكني أرجو أن تحدثني عن أغا الانكشارية فقد شوقتني كي اطلع على تاريخ هذا الرجل ولا زلت أعتقد بأنه من أصل مغولي.
فأجاب الشيخ:
- ولكن قبل أن أحدثك عنه أود أن تعرف شيئا عن الحياة التي عاشها لكي تكون لديك فكرة واضحة عنه واستطرد يقول " كان العثمانيون منذ أمد بعيد عندما كانوا لا يزالون بدوا رحلا يتجولون في سهوب آسيا لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف يدربون الصبيان الذين يأسرونهم حتى يركبوا معهم للحرب فهم يستفيدون من الشعوب الغربية كما يستفيد سكان السهوب من قطعان الحيوانات. وقد توصلوا بهذه الوسيلة إلى فتوحات جديدة جلبت لهم أراضي جديدة وأقواما آخرين جدد استفادوا منهم واستمروا على منوالهم هذا وبعد أن دخلوا إلى أوروبا وكونوا إمبراطوريتهم جعلوا لهؤلاء الصبيان مدرسة خاصة بإشراف السلطان نفسه تسمى مدرسة القصر تقبل نخبة من الأطفال فقط وبعد اختبارهم بدقة في مراكز خاصة تؤخذ الأقلية المختارة منهم كمرشحين للحكم في جهاز الدولة تحت إشراف السلطان لحكم الإمبراطورية العثمانية. وهكذا راحوا يضيفون الأسرى إلى أعداد الغلمان الأتراك فقد كانوا يجندون غلمانا كل ثلاث أو أربع سنوات من العوائل الداخلة تحت نفوذهم فيأخذون من كل عائلة طفلا يتراوح عمره بين سبع أو ثمان سنوات أي صغيرا لا يشعر معها بروابط وثيقة مع عائلته وكان هؤلاء الغلمان يمتحنون في مراكز المدن كالعاصمة القديمة أدرنه أو بورصه ويعطون أسماء تركية جديدة ويرسلون للعمل في مختلف الأعمال لكي تشتد سواعدهم ويتقنون اللغة التركية إلى أن يصبحوا شبابا، فكانوا يطعمونهم ويكسونهم ويراقبونهم بعناية ويرسل الأوائل منهم وهم الأقلية المختارة والمرشحين للحكم في جهاز الدولة إلى مدرسة القصر تحت إشراف السلطان أما القسم الأكبر المتبقي منهم فيعرفون بالغلمان الأجانب ( عجم أو غلان ) فإنهم يعملون بحسب اختيارهم في الحدائق أو في السفن أو الأسطول أو في ثكنات الانكشاريين المدربين وهذا القسم الأخير يتدرب باستمرار على أسلحة الحرب وخاصة المبارزة بالسيوف الخفيفة والرماح الفولاذية الدقيقة أو القوس التركي وهم عادة يكرهون الأسلحة النارية الحديثة القبيحة وكان قسم منهم يجند للتدريب على الفروسية حتى يصبحوا فرسانا سباهية وعندما يبلغون العشرين من العمر يكونوا قد أصبحوا رياضيين متمرسين على السلاح تربط بعضهم ببعض روابط الأخوة الخشداشية وتسمى الثكنات بيوتهم وبعد أن يكتمل تدريبهم يتخرجوا ليكونوا في مراتب الانكشارية ويصبحون أهلا للبس طاقية الدراويش الطويلة أو الدخول في رعائل السباهية الفرسان كلما حدثت شواغر فيها. ولم يكن مهما من عوائل مرموقة جاءوا أو عوائل فقيرة وكان الكثير من الآباء الأجانب يحاولون إدخال أبناءهم في خدمة السلطان أملا أن يترقوا إلى المناصب ذات المسؤولية الخطيرة. وكان الكثير من الصبيان يبقى على دينه بقلبه وفي كل هذا التدريب الشاق الذي يجري عليهم كانوا، بدون راتب تقريبا ولم يكن لدى الجنود الشبان شيء يعينهم سوى مقدرتهم، وإخلاصهم المنحصر في خدمة السلطان وروح الشباب المتمردة التي تتميز بسهولة تهيجهم وخطرهم عند فقدان السيطرة عليهم بحيث يمكن إحداث الشغب بينهم بكلمة عابرة أو برشوة فيقلبون قدور طعامهم أمام بيوت رؤساءهم دلالة على عدم الرضا والاحتجاج وشق عصا الطاعة فهم يعولون أهمية كبيرة على الطبخ وتقديم الطعام ويقدسون قدورهم ولا يفارقونها ويدافعون عنها دفاعا مستميتا ويعتبرون فقدانها أثناء الحرب أكبر إهانة تلحق بهم ولهذا يسمون قادتهم وأمراءهم بأسماء تدل على الطبخ فقائدهم الأعلى يسمونه شوربجي باشي أو طباخ الحساء وكذلك يسمون من يليه بالرتبة أشجي باشي وعشي باشي وسقا باشي ويعتبرون أنفسهم عائشين على مائدة السلطان وفي فضل نعمته وإنهم أولاده.
ولتعلم فإن الإمبراطورية العثمانية قد قامت على شجاعتهم في بداية أمرها أما الآن فقد أصبحوا مصدر قلق لها ومنهم صاحبك أغا الانكشارية وبالمناسبة أتدري ما اسمه.
أجبته وأنا في حيرة من أمري وقد أربكني سؤاله:
- كلا لست أعرف اسمه ولكني أعرف ملامحه المتهدلة.
نظر لي الشيخ سعد الله بهدوء قبل أن يقول:
- ان اسمه حسن قره ويلقبونه بالخصي.
فانفجرنا ضاحكين فقد كانت نكتة لطيفة من الشيخ وهو يعود بي إلى أغا الانكشارية المعزول قلت وهل هو انكشاري أصيل من الذين حدثتني عنهم.
أجاب الشيخ مستطردا:
- نعم فقد قاتل مع السلطان في جيش آسيا وكان الفشل حليفه في كل مكان كما قاتل مع جيش أوربا في سهل موهاج في هنغاريا واشترك في حصار البلقان كما قاتل في جزيرة القرم. وقبل مجيئه إلى بغداد كان يقود مجموعة من التيمارين عند أطراف بلغراد ولكنه فشل في كل هذه الأماكن. فسألته ومن يكونوا هؤلاء التيمارين ؟؟
أجاب الشيخ:
- هم الفرسان العشائريون الذين يتطوعون للقتال مع جيش السلطان وربما كان هذا التيماري فلاحا وربما كانت له قطعة أرض ذات كروم وحقل قمح ترعى فيه بضعة رؤوس من الخيل. ففي أوائل الربيع يجهز نفسه مع بضعة فرسان من أتباعه ثم يلتحق بأغا منطقته مع آخرين لينضموا إلى جيش أوروبا ويقطعوا، الطريق الذي ينوف على ستمائة ميل إلى أوروبا ثم يقطع المسافة نفسها مرة أخرى ليصل إلى أراضي النمسا مثلا وخلال هذه الفترة كان عليه أن يؤمن معيشة أتباعه وإطعام جياده مع العلافين الذين يسمونهم الأوربيين الذئاب الجائعة للجيش التركي. وعندما يعود التيماري في أوائل الشتاء إلى مزرعته يكون نساؤه وخدمه قد أتموا جني الكروم وحصاد الحبوب فإذا لم يجلب معه عند عودته قبضة من الفضة وبعض الملابس الحريرية والمطرزات للنساء فسيكون شتاؤه قاسيا. ولكنه إذا ترجل أمام بابه وبعثر القطع الذهبية جالبا معه الفضيات والمجوهرات التي تصلح للبيع في السوق فستفخر عائلته على جيرانها بمآثره هذه.
قلت ضاحكا:
- لكنه لم يجلب لنا في الحقيقة سوى الأذى.
فقال الشيخ سعد الله بهدوء:
- إذا كان كلام الناس يخلق الحقيقة فإن حقيقة هذا الرجل من خلال ما سمعته من الآخرين دجال بلا حياء. ولست أدري لماذا أخافه عليك ثم استطرد قائلا:
فهو يستغل سلطته وكل ما تتيحه له إمرته كرئيس للحراس على بقايا قلعة قديمة من قلاع العباسيين النائية لحراسة الحدود في صحراء الأنبار هذه التي نسميها الحامية العسكرية أو المخفر أحيانا. فهو يستغل وظيفته هذه ليسرق القوافل وينهب التجار ويغوي الصبيات سكيرا ماجنا يفتش عن الولائم ليأكل فيها ويرقص ويغني سواء دعي لها أم لم يدع. وهو يقضي أيامه كسولا يمارس هوايته المحببة بأن يستجدي لتموين حاميته من القوافل القوية المحروسة جيدا أو يسلب المستطرقين الضعفاء وهو يسبهم ويشتمهم.
ومنذ أن أصبح مسؤولا عن هذه القلعة ومنتسبيها من الانكشارية والمماليك واللاوند (أو الجنود المحليون كما يطلق عليهم) لم يستطع لفرط غروره أن يسمع صوتا غير صوته وانقلب شخصا آخر فبعد أن كان ينافق رؤساء ويمسح أذيالهم ذليلا خنوعا لا يعي كلمة اسمها الكرامة صار يحاسب المجروح على جراحه متغطرسا مغرورا معاديا لكل ما هو شريف أو شجاع. ولما لم يكن بإمكانه أن ينال رضا رؤساءه بقابلياته فقد دفع ثمن منصبه هذا آخر نبضات صدقه وشجاعته ودمر جميع أحلامه وأحرق كل سفنه باذلا المستحيل للوصول إلى التسود والتسلط بشكل محموم بتأثير من ازدواج شخصيته وتعدد مناخاته فهو لص ويحرس قلعة وهو انكشاري ويدعي بأنه من المماليك وهو أجنبي ويعيش في مناخ صحراوي فجعلته هذه الأمور إضافة إلى طفولته التعسة غريب الأطوار محبا للغطرسة والسيادة. أما حياته الانكشارية فكانت سلسلة من الموالاة والتمرد حتى أصبح كحصان عربة وتعلم على تحمل وقع السياط وفي قلعته النائية اتخذ سياسة أخرى فكان يضع كل من يقترب منه من الحراس أو المدنيين في قائمة الخطر. فهو لا يؤمن سلامة من يقتربون منه بل يتآمر على سلامتهم مظهرا تعاسته ومرارته صباح كل يوم جديد مبديا حقده على الناس يحلم بترويض مجتمعهم بدلا من أن يروضه هذا المجتمع كارها نفسه بقدر كراهيته لهم ولمجتمعهم كخائف يتعامل مع اللامنتظر والمجهول وكل شيء يثير في نفسه الريبة والمعاناة. ومن بين ما سمعته أيضا بأنه عمل فترة من الزمن في خفيه انكشارية المدينة عندما كانت بغداد تعيش في احتجاجاتها ليل نهار أيام الوالي علي باشا وكانت هذه الاحتجاجات تمتد من قلب المدينة إلى الأحياء الفقيرة النائية حولها والتي تعيش على نفاياتها لتنتقل بعدها إلى الريف ثم تموت في الصحراء. ولأنه يكره المدينة فهو يرى كل حي من أحيائها معقلا من معاقل الفوضى والغدر فرؤساء المحلات والأشقياء يقودون التجار والحرفيين والكسبة في الأسواق والطرقات. ورجال الدين يقودون طلبة العلم في المساجد، يخطبون فيهم ليحرضوا الناس على التآمر متعصبين لهذا وذال من أبناء محلاتهم الذين يطلبون المساعدة منهم وهم يتصارعون على المناصب أو على كرسي الولاية ومع كل فريق منهم جماعة من الانكشارية والمماليك أما اللاوند فكانوا مع الذي يدفع لهم العطاء الأكثر وهم يخططون لوسائل المقاومة والاحتجاج وبالمقابل كان هو وبقية الانكشارية والمماليك واللاوند مع الوالي يدخلون البيوت في ساعات الفجر الأولى، فيلقون القبض على مناوئيهم ويزجونهم في السجون.
سكت الشيخ ثم شرب قليلا من الماء واستطرد:
عرف حسن قره بصفة الغدر والشذوذ وأنه اختص بالقبض على الشيوخ الذين يدعون إلى الهداية أو ممن عرفوا بالسماحة والإيمان والاستقامة والخوف من الله. وبسبب إساءاته المتكررة للأبرياء قرر رؤساءه إبعاده فترة من الزمن خارج بغداد ومن ثم عين رئيسا لحراس هذه القلعة النائية فازداد إدمانه على شرب الخمر فكان عندما يشتد به السكر يخرج من قلعته ويهيم ساعات في ليل الصحراء يبكي ويغني مع الرياح أغنية تركية حزينة عن أم تنتظر ولدها المحبوب الذي خرج ولم يعد لها. وعندما ازدادت شراهته للسلطة تسلط على القرى القريبة من القلعة ومنها قريتنا ولكنه كان يكره البدو ويخشاهم أكثر، من غيرهم فمنذ أن كان شابا لم تختط شواربه بعد غرا في ميعة الصبا حاول أن يسرق جوادا أصيلا يعود لأحد شيوخ البدو في أحد اصطبلات بغداد إلا ان حارسه البدوي أمسك به قبل أن، يضع يده على الحصان. ولو لم يواتيه الحظ ويهرب من يده ويغيب في ظلام الليل لفتك به الحارس البدوي بعد أن أوسعه ضربا فكان ذلك درسا له وعبرة، قاسية لم ينسها فصار يحتقرهم ويخشاهم اتقاء خطرهم وهو يعلم علم اليقين بأنهم سيقتلونه يوما ما لو قدر لهم وظفروا به. فلا يمكن لأحد أن يتكهن كيف سيجتمع هؤلاء الأعراب حول قلعته المهدمة ذات يوم ويستولون عليها ويدكونها ثم يعودون إلى صحرائهم فقد كانوا وما زالوا يحومون حول القلاع النائية التي تقع على أطراف صحرائهم ينتظرون الفرصة المؤاتية لعلها تستجيب لهم فيفلحون في نهبها وينتقمون من انكشاريتها ويفتحونها كما كانوا يفعلون دائما منذ أن وجدت القلاع والصحراء. هذا ما عرفته عن أغا القلعة السابق حسن قره كاظم قبل أن يطرد أما الأغا الجديد فاسمه حجي أغا الانكشاري وسيزورنا هذا اليوم كما أخبرتك، كنت أنصت بفضول مستمتعا بقصة الشيخ عندما قطع حديثه فجأة دخول عبيد، علينا وهو يقول:
- ان أغا الانكشارية الجديد ومعه ثلاثة حراس قادمون إلينا. نهض الشيخ سعد الله بنشاط ووقف خارج الدار لاستقبال ضيفه مرحبا به أجمل الترحيب فترجل الانكشاري عن فرسه وصافحنا فردا فردا بكل تواضع ولطف لم أعهده فيهم وقد بدى أمامنا برأس حليق ووجه لوحته الشمس وأنف كبير وشاربين أبيضين وعينين كعيني الصقر شخصا عجوزا مرتبكا وحزينا نحيفا طويل القامة.
رحب به الشيخ وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد فأدخله الدار وأجلسه حيث كنا جالسين اما الحراس الثلاثة الذين كانوا يرافقونه فقد بقوا خارج الدار مع عبد وعبيد والشيخ يقول له مجاملا:
لقد حلت علينا البركة بتشريفك لنا هذا اليوم يا حجي آغا.

الفصل السادس
حاجي آغا الانكشاري

قال حجي أغا وهو ينظر إلى الشيخ سعد الله بعد أن جلس حيث كنا جالسين.
- لقد جئتك يا شيخ سعد الله أطلب معروفا وكلي أمل أن لا تردني خائبا.
بانت البغتة على وجه الشيخ فقال مجاملا:
- معاذ الله أن أرد ضيفي خائبا فأطلب ما تريد ولن أرد لك طلبا إن شاء الله إن كان ما تطلبه بمقدوري.
قال الأغا بنبرة لطيفة وهو يتجه إلى هدفه مباشرة:
- أريدك أن تكون وصيا على ابنتي عند وفاتي فأنتم من خيار الناس وثقتي بكم عالية وليس لي قريب أو صديق في هذه الديار من أثق به فأضع بين يديه أعز ما لدي في هذه الدنيا.
وقعت علينا كلماته وقع الصاعقة فنظرت إلى الشيخ سعد الله الذي أذهلته المفاجأة، مثلي ولكنه استملك نفسه وقال:
- معاذ الله - فالأعمار بيد الله أطال الله عمرك وأبقاك لابنتك ولكن دعني أفهم الأمر بروية فقس علي قصتك بالتفصيل يا حجي أغا وأنا أعدك بكل خير إن شاء الله. وبدون تردد أو مقدمات بدأ الأغا قصته قائلا:
" إن أغلب ما ستسمعه مني معروف لديك فنحن متقاربان في السن وان كنت أكبرك قليلا وتتلخص قصة حياتي في خدمة ثلاث باشوات من المماليك ممن تولوا حكم بغداد باسم سليمان باشا وهم سليمان باشا أبو ليلة وسليمان باشا الكبير وسليمان باشا الصغير. وإني لست انكشاريا كما يتبادر إلى أذهان الناس دائما وإنما سميت بحاجي أغا الانكشاري من لقب أطلقه علي سيدي سليمان باشا أبو ليلة، والي بغداد عندما كنت مملوكا صغيرا من مماليكه كما كان سليمان باشا نفسه مملوكا للوالي جديد حسن باشا خيرة الولاة العثمانيين الثلاثين الذين تعاقبوا على حكم بغداد منذ أن فتحها مراد الرابع خلال نصف قرن. سكت الأغا العجوز ليرى واقع كلامه علينا فابتدره الشيخ قائلا:
- أكمل كلامك يا حاجي أغا فقد شوقتني بحديثك وليكن ما تقصه علينا مفصلا.
قال الشيخ ذلك برجاء فاستطرد الأغا قائلا:
فهذا الوالي هو أول من عنى باستجلاب المماليك بعد أن فسد نظام الانكشارية وتحول الجيش الانكشاري بالتدريج إلى آلة فساد وفوضى وقل ارتباطهم بالثكنات، وأصبحوا لا يجتمعون إلا لعصيان أو عزل وزير أو شنق جماعة. وعندما تقرر الدولة تسفيرهم إلى الحرب قلما كانوا يصمدون أمام الأعداء غير أنهم كانوا يسترون عار هزيمتهم بنشر الأراجيف والإشاعات مدعين بأن قوادهم يحاولون بيعهم إلى الأعداء الكفار. وأصبحت الحروب التي يخوضها هؤلاء الانكشاريون تنتهي بهزائم شنيعة وأخذت حدود الدولة تتقلص شيئا فشيئا بعد أن كانوا جزء من عوامل نموها وازدهارها. وأصاب الانحطاط أنحاء الدولة العثمانية بأكملها وأصاب العراق جزء كبير من هذا الانحطاط حتى أصبح العراق معروفا بأنه منفى الولاة والموظفين الأتراك فلم يكن يذهب إليه إلا الموظف الذي لا يجد عملا في مكان آخر أو الذي يتوقع أن يبقى فيه مدة قصيرة ليجمع ثروة ينتفع بها في مستقبل أيامه وهكذا أصبح الجهاز الحكومي في بغداد في أوطأ الدرجات. ولذلك عمد هذا الوالي إلى تأسيس دائرة مهمتها الإشراف على شراء المماليك وتدريبهم وجعلهم جندا مختصين به يستعين بهم ويتعصبون له فأرسل إلى بلاد القفقاس من يأتي إليه منها بالصبيان وكانوا يستجلبون أطفالا كالانكشارية فيودعون مدرسة خاصة بهم ليتعلموا الكتابة والقراءة والسباحة والرياضة والفروسية وفنون القتال. فإذا تخرجوا دخلوا سلك الوظيفة أو سلك الجيش وعندما توفي الوالي جديد حسن باشا تولى الحكم بعده ابنه أحمد باشا الذي زاد في استجلاب المماليك والعناية بهم حتى أصبحوا قوة لا يستهان بها بحيث استطاعوا بعد وفاة سيدهم أحمد باشا أن يفرضوا إرادتهم على الدولة العثمانية وأن ينصبوا أحدهم، واليا هو سيدي سليمان باشا أبو ليله.
فقاطعه الشيخ قائلا أن حكمه هو بداية عهد المماليك في العراق ولست أذكر في أي سنة. قال المملوك العجوز حدث ذلك في منتصف القرن الثامن عشر بعد فتنة طاحنة قام بها الانكشاريون في بغداد وضربوا السراي بالقنابل واستمرت الفتنة ثلاثة أيام، مما جعل الوالي الذي أرسلته الدولة يفر من بغداد طلبا للنجاة فاضطرت الدولة إلى تعيين أبو ليلة واليا مكانه ودام حكمه ثلاث عشر سنة وكان الناس يطلقون عليه لقب ( أبو سمره ) أو ( دواس الليل ) أو ( سليمان الأسد ) مما يدل على إعجابهم به فقد كان قويا والقوة رأس المفاخر في المجتمع العراقي وقد بلغ عهد المماليك القمة في تلك الأيام.
قال ذلك متحسرا وهو ينظر إلينا ثم استأنف كلامه:
وأخذ الصبيان المستوردون من أسواق تفليس يصلون بغداد وبأعداد متزايدة فأسس لهم مدرسة دائمية تسع مئتي تلميذ وكنت أصغر المنتسبين إليها آنذاك. وصار أبو ليله يكثر من استخدام المتخرجين منها في وظائف الدولة فكان منهم الكتبة والجباة وقواد الحاميات كما كانوا من كبار حاشيته أيضا. وقبل أن أتم تخرجي وكنت لا أزال صبيا صغيرا حين التحقت بحاشية السيدة عادله خاتون ابنة الوالي أحمد باشا وحفيدة الوالي جديد حسن باشا وزوجة سليمان أبو ليله المسيطرة على كل صغيرة وكبيرة بناء على أمرها. فرغم قوة الباشا وشجاعته فهو لم ينس بأنه كان مملوكا لوالدها فعينت أياما خاصة يراجعها فيها الناس لقضاء حاجاتهم فكانت تجلس في القصر ويأتي، رئيس الحجاب لها بالعرائض فتنظر فيها وتعطي الجواب وكثيرا ما كانت تبطل الأوامر التي كان يصدرها زوجها أو كهيته وكنا نحن حاشيتها نحمل إشارة شرف خاصة بنا هي عبارة عن منديل حريري يلف على الراس، نتميز بها ويحملها وكذلك الذين خدموا في عهد والدها وجدها. وكانت تلك، الأيام فترة مهمة في حياتي فقد بدأت أتطلع فيها إلى الدنيا إذ كنا نحن المماليك قد نشأنا في بغداد وترعرعنا في محلاتها ولهذا كنا نختلف عن الولاة والموظفين الأتراك الذين ترسلهم اسطنبول إلى بغداد فما أن ينشب نزاع بيننا على الحكم أو اختلاف حول مطلب ما حتى تنتقل عدوى النزاع حالا إلى محلات بغداد.
فكل فريق من المماليك يستنجد عند النزاع بأصدقاءه من رؤساء المحلات وأشقياءهم وهؤلاء بدورهم يستصرخون أهل المحلة فتقف المحلة بسلاحها إلى جانب الفريق الذي استنجد بها وبهذا تنقلب ميادين بغداد ودروبها إلى ساحات حرب يصول فيها شجعان المحلات على خصومهم من شجعان المحلات المعادية وقد تزغرد النساء تشجيعا لهم مما يزيدهم حماسا وعنفا وهذا ما حدث فعلا بعد وفاة سيدي سليمان باشا أبو ليله فهو الوالي الأول الذي خدمته باسم سليمان باشا، فقد رشح سبعة من المماليك لتولي الحكم بعده يقال لهم ( أصحاب الداعية ) وكاد التنافس بينهم يؤدي إلى حرب أهلية وبقيت بغداد من غير والي إلى أن عاد الجواب من اسطنبول فوجدنا فيه بأن السلطان قد اختار علي باشا متسلم البصرة الذي ما كاد يصل إلى بغداد حتى كنا بانتظاره. وبدأت الإشاعات والمؤامرات تحاك ضده من أجل قتله والتخلص منه وكان أهم مروجيها سيدتي عادلة خاتون وزوج أختها، ( عمر باشا ) الذي هو من المرشحين السبعة.
وذات يوم بعد مضي سنتين من تولي ( علي باشا ) الحكم الذي قضاه كله في الحرب مع العشائر أشعلنا ثورة شعواء ضده بقيادة ( عمر باشا ) في وسط بغداد وتابعنا سكان بعض المحلات فاحتللنا القلعة وأخذنا نرمي السراي بالقنابل وظهرت المتاريس في الطرقات حتى أصبحت المدينة وكأنها في يوم حشر واضطر ( علي باشا ) أن يهرب من السراي على أثر ذلك ولكنه قتل وأخيرا جاء الفرمان السلطاني واحتفلت بغداد بتنصيب ( عمر باسا ) واليا عليها فحكمها لمدة ثلاث عشرة سنة. كنت فيها من جملة حاشيته شابا دون العشرين من عمري وقد ضحكت لي الدنيا إلا ان ضحكتها لم تدم فقد توفي ( عمر باشا ) بعد أن كبا به فرسه وسقط على الأرض وانكسرت رقبته فتفرقنا بوفاته بعد أن اعتبرته اسطنبول سببا في الحرب بينها وبين إيران وبقيت مختفيا تسعة أشهر طيلة مدة حكم الوالي الذي أخلفه (مصطفى الاسبيناخجي) حتى جاء الوالي ( حسن باشا الكركوكلي ) الذي لم يستطع السيطرة على بغداد، فاستطعت الهرب إلى البصرة عند متسلمها سليمان أغا الذي كان يعرفني جيدا ويعطف علي فألحقني بحاشيته وعشت تحت رعايته في البصرة إلى أن صدر فرمان السلطان بإسناد ولاية بغداد إليه إضافة إلى وظيفته الأصلية فلقب بـ سليمان باشا الكبير وهو الوالي الثاني الذي يحمل اسم سليمان باشا الذي عملت معه.
سكت الأغا وهو ينظر إلى الشيخ سعد الله ليرى وقع كلامه علينا فكنا وكلنا آذان صاغية فقال له الشيخ برجاء استمر يا حاجي أغا فإني أتذكر هذه الأيام جيدا ففيها عبرة لكل من اعتبر.
فقال الأغا وهو يهز رأسه:
بدأ حكم سليمان باشا الكبير وكنت من جملة حاشيته شابا في العشرين من العمر ودام حكمه اثنان وعشرين عاما ( نموذجا لباشا تركي فقد ولد مملوكا على جانب عظيم من جمال الرجال وفي قوامه ووجهه ما يبعث على الهيبة في النفس ).
فجعله ذلك أسطورة في نظر العراقيين تحاك حولها المبالغات بعد أن استطاع أن يخضع العشائر الثائرة وعين للانكشاريين ضباطا اختارهم بنفسه ووزعهم على الفرات الأوسط بدلا من بقائهم في بغداد. وجعل تحت يده ألف مملوك، مدربين يعتمد عليهم كنت واحدا منهم ولم تقع حادثة شغب طيلة عهده إلا عند سنة المجاعة التي حدثت بعد ستة سنوات من حكمه عندما أجدبت الأرض وارتفع سعر المواد الغذائية وأخذت صرخات الثورة تنتشر في محلات بغداد واغتنم الأشقياء الفرصة فصاروا يجولون ويصولون وأخرج أهل باب الشيخ علم الشيخ عبد القادر وساروا به متظاهرين وتعالت الأصوات بشتم الوالي والهتاف بعزله ثم تقدمت، الجموع نحو السراي بغية الهجوم عليه ولكن سليمان باشا لم يضعف أو يستسلم بل أمرنا بفتح النار عليهم فسقط عدد من القتلى وفر الباقون فقمنا بإلقاء القبض على الرؤساء الذين حرضوا على الشغب فصلب بعضهم فورا وسجن، آخرين منهم أما الرجل الذي كان يحمل علم الشيخ عبد القادر فقد وجدوا في عقله خللا فاكتفى بنقله إلى البصرة.
سكت حجي أغا ونظر إلى الشيخ سعد الله ثم قال بعد برهة وجيزة من الصمت كالمعتذر:
- لقد أطلت في الحديث وتكلمت عن أمور لا صلة لها بالموضوع الذي جئت لأجله فرد عليه الشيخ سعد الله قائلا وهو يبتسم من الحكاية التي يقصها الأغا:
- كلا بل أرجوك أن تحدثنا عما حل ببغداد من مآس بعد وفاة سليمان الكبير نظر الأغا فيما حوله وتطلع إلى خارج الدار حيث كان عبد وعبيد وحراسه الثلاثة منشغلين بإعداد الطعام واستطرد قائلا وقد كسى الحزن صوته وملامحه:
- ان التذكر يحطم القلب وحتى الكمال قد يجده بعض الناس مملا في النهاية، فقد قارب عمري الخمسين وملأ الشيب شعري عندما توفي سيدي سليمان باشا الكبير وقد أخلف عند وفاته ثلاثة أولاد صغارهم ( سعيد وصالح وصادق )، وأربعة أصهارهم علي باشا الكهية وسليم أغا ونصيف أغا وداوود أغا وقد جمعهم قبل وفاته وأوصاهم أن يولوا من بعده صهره علي باشا الكهية وأن لا يختلفوا عليه فلم تنفع نصيحته شيئا فسرعان ما اشتعلت بغداد بالفتنة قبل وفاته بساعة إذ قام أحمد أغا رئيس الانكشارية يجمع من استطاع جمعهم من الرعاع والسوقة واستولى على القلعة فتحصن بها وأخذ يضرب السراي بالقنابل وعندما سمع الناس هدير القنابل أسرعوا فأغلقوا دكاكينهم وامتلأت شوارع بغداد بالمسلحين من الأهالي. فقد كان رئيس الانكشارية متواطئا مع الصهر الثاني سليم أغا ويريد له الولاية ولكن الكهية علي باشا الذي أوصى به الوالي الراحل استطاع قتل الرجلين وتولى حكم ولاية بغداد فحكمها لمدة خمس سنوات مليئة بالقلائل والاضطرابات وفي صباح أحد الأيام كنت معه نصلي صلاة الفجر عندما اغتاله جماعة من الكرج على رأسهم ( مددبك ) الذي كان من المقربين إليه ولكنه كان يكرهه وفي تلك الساعة تولى الأمر سليمان باشا الكهية وهو ابن أخت الوالي القتيل فقمنا معه بقصف القتلة الذين نظموا مظاهرة وتقدموا بها نحو السراي وكان الغرض منها تنصيب نصيف أغا الصهر الثالث لسليمان باشا وكيلا للوالي وقد سارع الأعيان والعلماء وبايعوا الكهية سليمان باشا وأجلسوه مكان الوالي الراحل لما يتمتع به من سمعة طيبة وما أن اقتربت مظاهرة
( نصيف أغا ) من السراي حتى خرجنا عليها ومعنا الجند والأهالي ففرقناها وقمنا بمطاردة أفرادها فعبر نصيف أغا إلى جانب الكرخ يحرض، الناس على مساعدة القتلة فلم يتابعه أحد وحملوا عليه وقتلوه ثم شدوا في رجله حبلا وسحلوه في الأزقة وعادوا فعبروا به إلى جانب الرصافة والناس يتفرجون عليه. وتم للكهية الحصول على الفرمان بولاية بغداد. وقد اشتهر هذا الوالي باسم سليمان باشا الصغير تميزا عن سلفه سليمان الكبير ثم لقب فيما بعد باسم سليمان القتيل لأنه قتل بدوره وكان قتله أفضع من قتل خاله ( علي باشا ) وأكثر غرابة وهو الوالي الثالث باسم سليمان الذي عملت معه. سكت محدثنا وراح يمسح العرق عن وجهه بمنديل أخرجه من جيبه وهو ينظر إلى الشيخ سعد الله الذي قال معلقا وقد أعجبه كلام الأغا أشد الإعجاب:
- لقد عاصرت هذه الأحداث ولكني لا أعرف الأسباب الحقيقية لمقتل سليمان باشا الصغير وان كنا نسمع شيئا منها ولكنك يا حجي أغا قد عشت في قلب الأحداث فأرجوا أن تقصها علينا لننتفع بها وأعذرنا ان كنا أتعبناك فان في ما تقصه من أحداث بغداد وعائلة سليمان باشا الكبير درسا بليغا لنا جميعا.
شرب الأغا قليلا من الماء بعد أن مسح وجهه وأرخى بصره إلى الأرض واستطرد قائلا: سوف أقص عليك كل ما أعرفه.
- فقد كان سليمان باشا الصغير بالرغم من دماثة خلقه وتمسكه بأهداب الدين والعدل والحلم وحبه للإصلاح إلا انه لم يكن خبيرا بتقلبات الزمان فسرعان ما اتهمه خصومه الذين تضرروا من إصلاحاته بتهمة الوهابية وهي تهمة بغيضة جدا في نظر الدولة وما أكثر التهم التي يلصقها الناس بعضهم ببعض بسبب أو بدون سبب وأحسست بأن الأغا قد أشار لشخص من طرف خفي وأنه يعنيه بهذه العبارة فانكمشت بمكاني.
- لقد كنت طفلا صغيرا أيامها لم أتجاوز العاشرة يأخذني والدي أحيانا بعد أن أخرج من الكتاب إلى حيث نقف قرب السراي لنشاهد الباشا وهو يستعرض حرسه ويرد على تحية الواقفين بمنتهى الرشاقة والخفة فقد كان الوالي سليمان باشا الصغير شابا في العشرين من عمره.
وانتبهت على صوت الأغا وهو يقول:
ثم اكتشف رجال الدولة العلية في سليمان باشا الصغير سيئة جديدة فهو لم يرسل إلى اسطنبول شيئا من الأموال المطلوبة منه. ولما كان محبوبا من الناس في بغداد وله جيش منظم فقد عملوا على إسقاطه بالحيلة فأرسلوا له جيشا بقيادة ( حالت أفندي ) وهو شخصية معروفة بتدبير المؤامرات وقبل أن تبدأ المعركة الرئيسية بين جيش سليمان باشا الصغير والجيش السلطاني بدأت تنشب في بغداد معارك من النوع المعهود كان المحرض فيها أحد أغوات الانكشارية الذي كان على اتصال مع الجيش السلطاني ( و ( حالت أفندي ) ثم هاجم القلعة بمن معه من الانكشارية والأهالي فاحتلها وقتل رئيس الانكشارية الذي كان فيها. وكانت المعركة الرئيسية قد انتهت عند المساء بين الجيشين بنصر واضح لسليمان باشا الصغير قرب الأعظمية فبتنا ليلتنا ونحن واثقون بأن النصر النهائي سيكون لنا ولم يكد يطلع الصباح حتى وجدنا ان معظم جنودنا قد تخلوا عنا ورجعوا إلى بغداد تحت جنح الظلام بحجة أنهم سمعوا بورود الفرمان وانهم لا يريدون أن يعصوا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين.
وقتل سليمان باشا الصغير على يد بعض الأعراب ووقع اختيار اسطنبول على رجل قدير من المماليك هو عبد الله أغا التوتونجي ليكون واليا وهو الذي أعادني إلى منصبي بعد أن أخرجت منه ولكنه لم يكد يمضي عليه شهر واحد حتى أبدى أغوات الانكشارية امتعاضهم منه وأنهم يريدون أن ينصبوا بدله سعيد بك الابن الأكبر لسليمان باشا الكبير والذي لم يكن قد تجاوز التاسعة عشر من عمره وتوجهوا بمن معهم من الانكشارية والأهالي المسلحين واتجهوا إلى القلعة بغية احتلالها وعند ذلك انتشر الرعب في بغداد ونقل أصحاب الدكاكين بضائعهم إلى بيوتهم مخافة أن تنتهب واحتدمت المعركة خمسة ساعات انهزم في آخرها الانكشارية. ولم يطل حكم التوتونجي باشا إلا سنتين ونصف قضاها في خوف دائم من سعيد بك وحزبه إذ كنا وهذه حقيقة أقولها ومعنا الكثير من المماليك نميل إلى سعيد بك ونعطف عليه وفاء لذكرى أبيه سليمان الكبير وفعلا تحقق ما كان الوالي يخافه إذ هرب سعيد بك من بغداد وأخذ يثير العشائر عليه ومعه حليفه الشيخ حمود الثامر فما كان من الوالي إلا أن قاد جيشه ليظفر به وهنا حدث له حادث يشبه ما حدث لسلفه سليمان باشا الصغير فقد انقلب معظم قواد جيشه عليه فجأة وانحازوا إلى جانب سعيد بك وكانت حجتهم في ذلك بأنهم تذكروا نعمه أبيه سليمان الكبير عليهم وانهم يريدون الوفاء له بالانتصار لابنه.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  هلال البياتي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni