هل تنجح الحكومة في إبعاد "الحشد الشعبي" عن النفوذ الإيراني؟

المقاله تحت باب  قضايا
في 
21/08/2016 06:00 AM
GMT



حوار / مصطفى حبيب
الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة العراقية تحويل الفصائل الشيعية المنضوية في "الحشد الشعبي" إلى قوة أمنية خاصة مستقلة، وبهذا تكرر تجربة "الحرس الثوري الإيراني" في العراق، فهل تنجح الحكومة العراقية في إبعاد إيران عن الحشد؟.


قبل أيام تسربت وثيقة رسمية صادرة عن رئيس الوزراء حيدر العبادي تشير إلى تحويل قوات "الحشد الشعبي" الى قوة عسكرية مستقلة عن القوات الرسمية من الجيش والشرطة، وتكون تحت اوامر القائد العام للقوات المسلحة وهو نفسه رئيس الوزراء وفقا للدستور العراقي.
ويتضمن القرار أيضا خضوع "الحشد الشعبي" الى القوانين العسكرية، ومنع أعضائه من المشاركة في الحياة السياسية والحزبية، واختيار رئيس ونائب رئيس لهذه القوة الجديدة، ولكن هذا القرار من الصعب تنفيذه على ارض الواقع لأسباب عدة.
في 13 حزيران (يونيو) عام 2014 اصدر المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني الفتوى المشهورة للعراقيين بالتطوع لمحاربة "داعش" الذي احتل ثلث البلاد في تلك السنة، ونجحت هذه الفتوى الدينية في وقف زحف "داعش" نحو بغداد، وتمكنت الفصائل الشيعية من تحقيق انتصارات في صلاح الدين وديالى والانبار وبابل.
وبعد هذه الانتصارات تحولت الفصائل الشيعية الى تنظيمات مسلحة مستقلة لها قوانينها وقراراتها الخاصة، وبدأت بوادر الانقسام بين هذه الفصائل، وهو انقسام يعود الى خلافات عميقة بين الأحزاب الشيعية الرئيسية التي تحكم البلاد منذ 2003، وخلافات عقائدية بين رجال الدين في مدينة النجف في العراق، ونظام حكم ولاية الفقيه في إيران.

"الحشد الشعبي" وإيران

ابرز المشكلات التي تواجه الحكومة في تطبيق قرارها هي ان الفصائل الشيعية ليست متجانسة كما يتصور الجميع، وهناك خلافات كبيرة بينها، وتنقسم هذه الفصائل الى ثلاثة أقسام، القسم الأول هي القريبة من إيران وترتبط دينيا بالمرشد الإيراني علي خامنئي، وعددها أكثر من عشرين فصيلا مسلح وأبرزها منظمة "بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"سرايا الخراساني" و"النجباء" و"كتائب الإمام علي" و"كتائب سيد الشهداء" وهي الفصائل الأقوى والأكثر تسليحا من بين باقي الفصائل، وهي لا تحترم قرارات الحكومة كثيرا وتنتقدها أحيانا.
ويقود "الحرس الثوري الإيراني" عمل هذه الفصائل، وقاسم سليماني هو من يشرف على العمليات الميدانية بمساعدة قادة عراقيين مقربين من ايران وابرزهم هادي العامري زعيم منظمة "بدر"، وقيس الخزعلي زعيم "عصائب اهل الحق"، وابو مهدي المهندس زعيم "كتائب حزب الله"، وهذه الفصائل تعتبر العراق وسورية ساحة حرب واحدة.
القسم الثاني من الفصائل الشيعية هي تلك التي أسسها المرجع الشيعي علي السيستاني ويقوم بتمويلها بنفسه وأبرزها "لواء علي الأكبر" و"سرايا العتبة العباسية" و"سرايا العتبة العلوية"، و"سرايا العتبة الحسينية".
وهذه الفصائل لا تمتلك طموحات سياسية، ووضعت مقاتليها تحت تصرف الحكومة، ومهمتها مساعدة القوات الأمنية في القتال ضد "داعش" وحماية المدن التي يتم تحريرها ومنع المتطرفين من العودة إليها، وتمتاز هذه الفصائل بقلة عدد مقاتليهم وضعف تسليحهم، وترفض هذه الفصائل المشاركة في الحرب الدائرة في سورية.

 القسم الثالث من الفصائل الشيعية هي المرتبطة بالأحزاب الشيعية التقليدية، وأبرزها "سرايا الجهاد والبناء" و"سرايا عاشوراء" و"سرايا أنصار العقيدة" التابعة الى "المجلس الأعلى"، و"سرايا السلام" التابعة الى التيار الصدري، و"كتائب جند الإمام" و"كتائب الغضب" التابعة الى حزب "الدعوة"، و"لواء الشباب الرسالي" التابع الى حزب "الفضيلة".
هذه الاقسام الثلاثة تتصارع في ما بينها حول مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية وعقائدية دينية، ومن الصعوبة على الحكومة جمعهم تحت قيادة واحدة، والمشكلة الاكبر هي في النفوذ الإيراني على بعض الفصائل الشيعية، فهل تنجح الحكومة في انهاء ذلك؟.
بعد يومين على قرار الحكومة تحويل قوات الحشد الى قوة مستقلة، اعلن زعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي في بيان رسمي ان "كتائب سيد الشهداء تشكيل عقائدي مرتبط بولاية الفقيه في ايران، ولا يرتبط بمزاجات واهواء تخبط السياسيين في العراق".
ومنذ تشكيل "الحشد الشعبي" حاولت ايران ابقاءه قوة عسكرية مستقلة عن الدولة، ورفضت بشدة عدداً من المقترحات لتنظيم الحشد، بينما يطالب المرجع السيستاني بالغاء الفصائل الشيعية بعد انتهاء "داعش" وتحويل المقاتلين الى القوات الامنية الرسمية.

ورفضت ايران مقترحا بتشكيل قوة عسكرية نظامية جديدة باسم "الحرس الوطني" ويضم الفصائل الشيعية وقوات العشائر السنية وان تكون هذه القوة خاصة في كل محافظة ومن سكانها حصرا، بينما أيد السيستاني تشكيل هذه القوة.
ويقول عقيل الوائلي وهو رجل دين مستقل من النجف لـ "نقاش" إن "السيستاني يرفض حتى اسم الحشد الشعبي ويفضل استخدام كلمة متطوعين على الذين يقاتلون داعش، لأنه يرفض ان يصبحوا قوة أمنية مستقلة عن الجيش والشرطة".
ولكن ايران تسعى الى تشكيل جهاز امني في العراق يشبه "الحرس الثوري الايراني"، كما يقول الوائلي، ويضيف: "على ما يبدو ان ايران انتصرت في تحقيق هدفها لان غالبية الفصائل الشيعية يدينون بالولاء للمرشد الايراني علي خامنئي وليس للمرجع علي السيستاني".

قوة عسكرية غير نظامية

تحويل "الحشد الشعبي" الى قوة عسكرية رسمية هي اول قوة عسكرية غير نظامية تتشكل في تاريخ العراق الحديث، فالسياقات العسكرية التي يسير عليها العراق منذ تأسيس الجيش العراقي منذ 1921 الى 2014 تشترط خضوع المتطوعين في الجيش والشرطة الى تدريب وتأهيل ويكونون مرتبطين بالدولة.

ولكن فصائل "الحشد الشعبي" لا تخضع لهذه القوانين، ولا توجد رتب عسكرية فيها، وتكون القيادة فيها على اساس الولاء لقادة الفصائل الشيعية وليس على اساس الخبرة، وفشلت الحكومة مرات عدة خلال العامين الماضيين في تنظيم قوات "الحشد الشعبي".

ومثلا في شباط (فبراير) 2016 اصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي امرا بتعيين الفريق الركن محسن الكعبي (قائد سابق للشرطة الاتحادية) بديلا عن ابو مهدي المهندس في محاولة من الحكومة للسيطرة على ادارة الحشد، ولكن الفصائل الموالية لإيران رفضت القرار بشدة، وهددت "كتائب حزب الله" الحكومة، وقالت في بيان ان "فصائل المقاومة الإسلامية والحشد هي فصائل عقائدية جهادية لها سياقات إدارية وتنظيمية تختلف عن السياقات الكلاسيكية المتبعة في المؤسسة العسكرية.
وفي آذار (مارس) 2015  رفضت الفصائل الشيعية مشاركة طيران "التحالف الدولي" في عملية تحرير تكريت على الرغم من ان الحكومة والجيش يؤيدان مشاركة "التحالف الدولي"، وحصلت خلافات بين زعيم الفصائل الشيعية هادي العامري وبين قائد الجيش الفريق عبد الوهاب الساعدي، واضطر العبادي الى إبعاد الفريق الساعدي من مهامه العسكرية تلبية لطلب "الحشد الشعبي".

وفي تموز (يوليو) 2015 قررت الحكومة تحرير مدينة الرمادي في الانبار، ولكن "الحشد الشعبي" رفض ذلك واختار ان يتم تحرير الفلوجة أولاً، وادى هذا الخلاف الى تأخر تحرير المدينتين ثمانية اشهر.
اللواء السابق في الجيش العراق اكرم المشهداني والذي شارك في المعركة مع ايران قبل اكثر من ثلاثين عاما، ويقيم حاليا في الاردن يقول لـ "نقاش" ان "الحشد الشعبي ليس قوة نظامية ويجب ان يتم حله وتحويل مقاتليه الى الجيش والشرطة، لانهم غير مدربين جيدا ويقاتلون من اجل الولاء الديني وليس الوطني".

المشهداني يضيف ان "تشكيل قوة امنية جديدة سيخلق فوضى كبيرة في البلاد مستقبلا، وهذه الفصائل الشيعية لا تلتزم بأوامر الحكومة كما ان هناك خلافات فيما بينها، وقبل شهرين حصلت اشتباكات مسلحة بين الفصائل الشيعية في بغداد بسبب التظاهرات".
ويمتلك كل فصيل في "الحشد الشعبي" تنظيما اداريا خاصا به ويكون مسؤولا امام زعيمه الديني، كما تمتلك بعض الفصائل سجوناً ومعتقلات خاصة بها لا تعلم بها الحكومة، حيث اعتقلت فصائل في الحشد المئات من السكان الهاربين من معارك الرمادي في منطقة الرزازة جنوب الرمادي في الانبار في كانون الاول (ديسمبر) 2015.
وفي نيسان (ابريل) 2015 اصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي امرا بتطبيق قانون العقوبات العسكرية على عناصر "الحشد الشعبي" بعد عمليات حرق وتدمير منازل في تكريت بعد تحريرها"، ولكن لم يطبق ذلك.
والاحد الماضي طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكومة العراقية بمنع مشاركة فصائل في الحشد الشعبي في معركة استعادة مدينة الموصل لأنها متورطة بعمليات قتل واعتقال، وقالت المنظمة ان "على الجيش منع مشاركة فصائل في الحشد بينها فيلق بدر وكتائب حزب الله وغيرهما في معركة الموصل".

"الحشد الشعبي" والسياسة

احدى الفقرات التي تضمنها قرار الحكومة بخصوص "الحشد الشعبي" هي منع قادته واعضائه من المشاركة في الحياة السياسية، ولكن تطبيق ذلك مستحيل لان معظم هؤلاء القادة هم قادة في الاحزاب السياسية وبعضهم نواب ووزراء، فهل سيتخلى هؤلاء عن مناصبهم ومقاتليهم بسهولة؟.
كما ان الفصائل الموالية لإيران لها مواقف سياسية تختلف عن اهداف الحكومة، وابرزها تغيير نظام الحكم في العراق الى النظام الرئاسي بدلا عن النظام البرلماني، كما تنتقد هذه الفصائل السياسيين الكرد، ويهدد قادة هذه الفصائل حكومة اقليم كردستان، وتحدث اشتباكات بين الحين والاخر بين هذه الفصائل وبين قوات البيشمركة في مناطق التماس في طوزخورماتو في صلاح الدين، وجلولاء في ديالى.

من التحديات الأخرى أن على الحكومة العراقية منع الفصائل الشيعية من القتال في سورية، لان تحويل "الحشد الشعبي" الى قوة رسمية سيفرض عليها منع قواتها الرسمية من القتال خارج العراق، وهي من الصعوبات التي ستواجه الحكومة.
كل الدلائل تشير إلى صعوبة إخضاع الفصائل الشيعية تحت سيطرة الحكومة العراقية، واعلان الحكومة جعل "الحشد الشعبي" قوة مستقلة أعضاؤها من الطائفة الشيعية سيخلق مشكلة جديدة في العراق، ويؤكد محللون انه من الأفضل للعراق ان يتم ضم قوات "الحشد" الى الجيش والشرطة، بدلا عن تأسيس قوة امنية جديدة.