... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  نصوص شعرية

   
الهبوط على المستحيل بمظلة ٣

هاشم شفيق

تاريخ النشر       15/09/2008 06:00 AM


حانة الوغد
أين رحلوا
وتركوا لي ناياتهم المبللة بالكحل والدموع،
وصنادلهم الخيش المبقعة بالزيت والغبار
والأملاح الرطبة،
تركوا هضباتٍ جريحة مقطعة الأوصال،
تركوا غابةً بردانةً
ملفوفةً ببطانية،
أين رحلوا
رفقة الأمس
ذوو الأقداح التي لا تنام
والشراب الذي يسهرُ حتى الفجر،
ذوو الأغاني الطويلة التي تمتدّ الى آخر المدن
لتلامس الشواطئ،
ذوو الأمشاط التي تمشّط النسيم
وتضفره الى مراوح من خوص.
أين رحلوا وتركوني
نهباً للمرايا
ومخلفاتها من النمور،
تركوني أمارسُ الذكرى
قرب ذبالةٍ مهجورة
في حانة الوغد،
تركوا لي
ربع حياة رحتُ أشربها
بملعقة صغيرة
ولم يكملوا المشوار.
الهبــوط
على المستحيل بمظلة
سأهبط على المستحيل بمظلة،
بملابسَ مرقطة بالغيوم
وحذاء رياضيٍّ مصنوعٍ
من لحاء الشجر،
سأهبطُ وتحت جلدي تربضُ غابة
وبين أسناني تلمع الكواكب،
لا سبيلَ لي سوى الهبوط في البياض
والتيقّن من أنّ الذي تحت قدمي هو الفراغ،
عليَّ أنْ أجسّه بإبهامي

لأتيقّن من أنه اللاشيء
وأني أهبطُ في هلام،
مظليّ أنا
والطيران في المعلوم أتعبني،
لا طاقة لي بمراقبة الخلود،
والتحديق في الأبد،
مظلي أنا
في طريقي أجمع الشامات التي تخلفها
الفراشةُ في الهواء،
أتعقبُ مراتبَ الصقور في القمم
وأرصد حركة الجبال في الأفق،
مسائي طويل منقط بالعصافير
ومكرس للترحيب بالمجاهل،
لا أملَ لي بالحقيقة
ولستُ من روّادها الدائمين،
ممن يطلبُ شاياً في صالتها
ولستُ زائراً مياوماً لليقين،
هذا الذي يجلسُ على منصّة عالية
ويحاسبُ الضالّ
ممّن له مظلة
ويحاول الهبوط في المستحيلْ.
أنا القليل
سأعطيكِ اسماً
من نصف حرفٍ
وأناديك بثلث منه،
يا من حين تصلينَ
أرى أنك ترحلينَ
وحين تذهبينَ
أرى فيك الوصولَ،
يا من لها
أربع شفاه
وخمسةُ رموشٍ
يا من لها
عضوٌ مزدوج
وأكثرُ من ظهر،
يا من لها،
بطنان
البطنُ الثانيةُ في الخدّ،

وسرّتان
الأخرى في الخلف
وثلاث حلمات
الأخيرةُ في الأسفل،
وستّ غمازاتٍ
بعضها في الخواصر،
وثلاثة حواجب سوداء
الثالثُ في الحوض
ولسانان
الثاني بين الساقين،
أنا القليلُ
سأنتظرك أيتها الكثيرة.
الكاميكازي العراقي
الكاميكازي العراقي، يتهندم جيّداً، يضعُ قناعاً من المسامير يحتذي حذاءَه الحديديّ الصقيل، يتبنطلُ ببنطال من الشوك والأسلاك، ولا ينسى حزامه المبطن باليأس والزرنيخ، لا ينسى قلبه الموضوع في الثلاجة، لا ينسى قبلة الوداع للمصحف، لا ينسى الأمل المرفرف في الجنة، لا ينسى زوجته المتبرّجة بالتراب وأطفاله النائمين تحت جسر مقطوعٍ لا يوصل الى شيء، لا ينسى ساعته الموقوتة وعقربها الذي تديره إبرة مسمومة، لا ينسى الموعدَ مع الموت، فهو دقيق في وقته، دقيقٌ في لحظة الانفجار المبيّت في خاصرته، النائم في بطنه كجنينٍ من البارود، يخرج الكاميكازي العراقي الى الصباح ليقلبَه على قفاه حتى يبين الظلام، ويغمى على الحياة الجميلة في الشارع والسوق والمدرسة، حتى يطيرَ هو فوق شظيةٍ ويغيب.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  هاشم شفيق


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni