... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
خارج العاصمة :أقدام وآثار

محمد خضير

تاريخ النشر       11/02/2010 06:00 AM


أثر الحقيقة
"يجب أن تعرف الحقيقة أبداً وتقولها بعض المرات"
(جبران)

القَدَم تسير
بدأت القدم تسير، يحركها السؤال الحقّ، الاسم القوي. سارت القدم مع الأقدام التي نبعت من أبواب البيوت الواطئة، من شقوق الجدران.
 الرايات الملونة، الثياب السود، تسير بقوة الاسم الذي يجمع كل الأسماء. يزحفون أفواجاً، وحين يطول مسراهم، يخفّ الاسم الأقوى لنجدتهم، يجردهم من ثقل هوياتهم الاسمية، يطوي قشرة الإسفلت تحت أقدامهم، فيندفعون موجة إثر موجة، طوفاناً بشرياً، بلا أسماء، أو بالاسم الذي يجمع كل الأسماء.
تسأل القدم: أين الطريق؟ يسأل الطريق: أين القدم؟

أثر تاويّ
"لو كان في استطاعتنا أن ندلّ على الطريق
ما كان هذا الطريق الأبدي
لو كان في استطاعتنا أن نسمي الاسم
لما كان الاسم الأبدي
الذي بغير اسم هو مبدأ السموات والأرض
والذي له اسم هو أمّ الجواهر العشرة آلاف"
(لاو تسي)

قطرة، عبرة
تسأل القدم: أين القطرة؟ تسأل القطرة: أين العبرة؟
القدم تنفرد، الخطوة تتسع.. القدم تقرح، السماء تقطر.. قطرات، عبرات، الرايات تنقع، الرمال تسرف الدموع. قطرة ضائعة بين القطرات، ضلّت سبيلها، سقطت على قروح القدم. ثمة من يبكي بين الغيوم لأجلك أيتها القدم! تقدّس غيثك أيتها العبرات!

ماء الورد
"من انفصلت لغته عنا أصبح بائساً وإنْ كانت له مائة لغة.
إذا ذهب الورد ودرس البستان فلن يحكي لك البلبل بعد ذلك قصة.
إذا ذهب الورد وخرب البستان فمن أين نطلب رائحة الورد؟ من ماء الورد"
(جلال الدين الرومي)

قدم النور
يخرج هذا النوع من المشاة مساء ويعود إلى وكنته بعد تجوال ساعات، على غير هدى تخبط قدمه الشوارع الظلماء، متلصصاً على سكينة البيوت من خلال نوافذها التي ترسل شرراً داخلياً ضعيفاً.
النوع الآخر لا تمس قدماه الأرض قطّ، يمشي على السقوف ورؤوس الأعمدة وقمم الأشجار، ولا يعود إلى بيته أبداً.. الاثنان محكومان بالدوران في الفضاء المخنوق لمدن الخوف والجريمة.
ثالثهما مشّاء المسافات الطويلة، ما زال منطلقاً على الطرق الخارجية التي لم يُقس طولها. قدم النور خرجت إلى الطريق، فيما ظلت قدم الظلام مغلولة إلى جدارها.
قدم أيار
تحاذي القدم المنخفضات التي امتدت ندية ويانعة بأبكار السنابل، تزلف القدم عن حافتها وتغرز رايتها في الضباب الأخضر، بين الفزاعات المخلولقة، تحني فزاعة رأسها الأجرد وتسأل القدم عن موعد الزيارة القادمة، فتبادر سنبلة غضة بالجواب: حينما يأزف وقت حصادي، وتنهد بيادر أيار سمراء تحت الشمس.

قدم الفجر
طلع الفجر على الأسنة، رُفعت عليها الرماح. تنفست البيداء، وأشأمت النوق، وأقفل الجيش الجرار، غارت الدماء، وأُرسلت الوفود استباقاً لوصول القافلة.. تتبع القدم الآثار على السهول والنجود، تنوح الرمال، وتخفي الأثر. ترسم القدم فجرها، كلمة محفورة على باب المدينة، تجدد النواح على الأثر الدارس. من ذا الذي يقسم بالفجر والليالي العشر غيرك أيتها القدم؟
ركعة السحر
"رئي الجنيد في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: طارت تلك الإشارات، وطاحت تلك العبارات، وغابت تلك العلوم، واندرست تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا ركعناها في السحر".

قبة، طائرة
هجع السائرون الفجريون في سراديب الدور المطففة بأجساد العترة الطاهرة، هجعت السلاسل والصنوج والسيوف وخلت الطرق وأقفرت الأسواق. بلغت القدم غاية سيرها، وهجعت في سرداب القبة الذهبية، جفت الدموع، وسكنت الأكفّ اللاطمة. سلام أبدي لا يخبطه سوى رفيف الحمائم، وحفيف الأحلام حول القبة الساهرة. القبة التي أنصتت لزحف الأقدام أربعين نهاراً، تلتقط الليلة صوت محرك بعيد لطائرة خرقاء ما إن يبتعد حتى يقترب مزمجراً. القدم التي يرفرف حلمها حول القبة، تتلظى بوطيس الطائرة المحومة. الطائرة كالقدم تستطلع الأثر، وتخطئ التفسير.

رسم مائي
قدم الفجر، فزاعة الحقول، راية الطريق، طائرة السماء، تلوح كلها في لون الأثر المداف من تراب قبر وذهب قبة وعبرة غريب. تتوسط القدمُ رسمةَ الأثر وتتماهى بطبقته المائية مثل توشية مطبوعة على صك أو عملة نقدية. تتراءى العلامات الباقية حول القدم، تنافسها في البقاء والإيحاء بطول الطريق إلى قبة الأحلام.. ومرة أخرى تفرش الطائرة جناحيها، وتغور في الرسمة المائية كحشرة (الجليلو) المضيئة، أو كفزاعة تخلع ثيابها الخلقة وتنطلق جارية في حقل أيار.. تحيا القدم وتسير لأنها نشأت من مدافة هذا الرسم المائي.

نقش
"النقش هو النقش ولا يملك إلا أن يقول: كل ما ستقوله لنفسك بعد ذلك عن طيب خاطر
هذا (ما أستطيع) قوله! ما أستطيعه أنا"
(غوته)

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  محمد خضير


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni