... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
بغداد ليست بغداد: الثقافة تحارب لإثبات وجودها.. 3 -3

معد فياض

تاريخ النشر       20/07/2010 06:00 AM


        كاتب عراقي: الحكومات لم تعين أي مثقف بارز وزيرا للثقافة خوفا من إبداعه
يبدو أن المثقفين العراقيين وحدهم هم من يسبح ضد التيار السائد، يغردون بهارموني منتظم ومبدع خارج أسراب النشاز والضجيج السياسي واللغط الطائفي والهرج الذي يسود ما يسمى بالمكونات السياسية والانتخابية والكتل البرلمانية الأكبر والمتوسطة والأصغر، وبكل المقاييس.
إلا أنهم، وبالتأكيد يدفعون ثمن إصرارهم على أن يبقوا في الضفة الصحيحة؛ ضفة الإبداع من دون أن يتأثروا بكل التشويش الذي يغلف المشهد العراقي العام والخاص.
القائمة ستطول لو رصدنا الخط البياني للخروقات التي تعرض لها مثقفو العراق، وإذا أضفنا إليهم أسماء الإعلاميين الذين قدموا حياتهم تضحية من أجل مهنيتهم ومصداقيتهم، وخدمة قضيتهم، فسنحتاج إلى ملاحق لتروي قصص هؤلاء الأبطال الذين لا سلاح لهم سوى كلمتهم في معركة غير متكافئة على الإطلاق، ففي الجهة، أو الجهات التي تقف ضدهم هناك مختلف أنواع أسلحة الفتك والدمار الأعمى.
كنا هناك، في بغداد، عندما عرفنا أن واحدا من أبرز الشعراء والكتاب العراقيين يقبع في سجن رث ومزدحم، ينحشر إلى جانب العشرات من المتهمين بجرائم قتل وسرقة، ذلك هو المثقف العراقي رياض قاسم الذي يناهز عمره السبعين عاما، حيث اتهم كيديا بجريمة قتل عادية سرعان ما فسرت وفق المادة «4 إرهاب» التي تبلغ أقصى عقوبتها الإعدام شنقا.
يوضح أحد المقربين من قاسم قائلا لـ«الشرق الأوسط» لقد «وكّلنا محاميا عنه، وأثبتنا للسلطات أن رياض قاسم لم يكن في بغداد، وحتى في العراق في تاريخ حادثة القتل المزعومة؛ إذ كان في لبنان يعمل مديرا لتحرير مجلة عراقية تصدر من بيروت، وهذا ما أثبتته وثائقه الرسمية، لكن مع ذلك استمر اعتقاله لما يقرب من شهرين مع أنه يعاني من أمراض في القلب ومن داء السكري».
أطلق سراح قاسم الذي يعد معلما لأجيال من الكتاب والصحافيين قبل أيام من كتابة هذا الموضوع، وبعد أن نظم المثقفون العراقيون حملة واسعة للوقوف معه، ترجمت مفرداتها على الصحف العراقية ومواقع الإنترنت، فخرج إلى فضاء الحرية بضحكته المجلجلة «لعدم ثبوت الأدلة ضده»، ومن غير اعتذار أو تعويض يستحقه لحرمانه من حريته التي يكفلها الشرع السماوي والأرضي، والدستور العراقي المتجاوز عليه من قبل المسيّسين باستمرار.
قصة قاسم هي نموذج لما يحدث وما يمكن أن يحدث للمثقف العراقي، ولأي مواطن عراقي كل يوم في بغداد وغيرها من المدن العراقية «في محاولة لاضطهاد وعزل المبدع العراقي عن مهمته الحقيقية في الوقوف مع شعبه وقضاياه»، حسب ما يوضح كاتب عراقي التقيناه في مقهى «الشابندر» في شارع المتنبي، مشددا على أن «مهمتنا اليوم هي ألا نتراجع، أن نواصل الكتابة والرسم والشعر والتصوير والتمثيل والعزف كي لا تضيع هوية البلد الإبداعية وسط هذا الضجيج والخراب المتعمد».
نتمشى مع الشاعر والكاتب الأستاذ الأكاديمي الدكتور مالك المطلبي في شارع المتنبي: «مع كل ما يحدث، أنا متفائل بأن العراق سيعيد بناء نفسه وإنسانه، فنحن اليوم نمر بمرحلة الثقافة المعادة صناعتها أو صياغتها، لكننا عندما نكون في قاعة المحاضرات بكلية الفنون الجميلة أو كلية الآداب مثلا ونستمع إلى نقاشات واستنتاجات الطلبة ونشاهد نتاجاتهم الإبداعية في الفنون التشكيلية أو المسرح أو الموسيقى، نتفاءل جدا»، ثم يشير إلى عشرات الآلاف من الكتب التي تتوزع فوق الأرصفة والزحام البشري الذي يؤثث شارع المتنبي يوم الجمعة، وينبهنا قائلا: «انظر، ألا يدعو مثل هذا المشهد إلى التفاؤل؟ وإلى انتصار الثقافة العراقية؟ هؤلاء الناس من مختلف الفئات الاجتماعية، كلهم يبحثون عن كتب معينة يريدون اقتناءها وقراءتها، هذا مشهد لا يتكرر في بلد وشعب مر بمحن مرعبة مثل ما مر به العراق».
المثقفون العراقيون أصروا على مواجهة أزماتهم السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بقوة لا تدانيها اجتماعات وإخفاقات السياسيين العراقيين، فبينما كانت درجة حرارة أجواء بغداد تقترب من الـ56 مئوية، والفضاء ملغم بالتراب الناعم، كان هناك عدد كبير من المثقفين العراقيين يزدحمون في صالة العرض بجمعية الفنون التشكيلية القريبة من حي المنصور، قبالة متنزه الزوراء بجانب الكرخ، والمناسبة كانت افتتاح معرض تكريمي للفنان العراقي ناظم رمزي، وتحت عنوان «ناظم رمزي.. 50 عاما من الفن». هناك كان حشد من الجمهور الاعتيادي يقف متأملا الأعمال التشكيلية والفوتوغرافية لواحد من أهم التشكيليين والفوتوغرافيين العراقيين، والمبدع في فنون الطباعة على مدى نصف قرن، هو المبدع ناظم رمزي الذي كان يستمع من بغداد وعبر آلاف الأميال وهو في شقته بلندن، وعبر الهاتف لوصف لافتتاح المعرض من قبل تلميذه وصديقه الفنان مريوش، مع تحيات صوتية من أصدقاء لم يلتقيهم منذ أن ترك العراق قسرا في أواسط الثمانينات.
في جمعية الفنون التشكيلية، وهي واحدة من المؤسسات الثقافية النادرة التي تعاند الأحداث من أجل أن تبقى كمعلم حضاري بارز، كانت هناك ميسون الدملوجي، وكيلة وزارة الثقافة سابقا، وعضو القائمة العراقية والمتحدثة الرسمية باسمها، وهي السياسية الوحيدة التي تتابع النشاطات الفنية إلى جانب مفيد الجزائري، وزير الثقافة العراقية الأسبق وقيادي في الحزب الشيوعي العراقي. تنوه الدملوجي قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «أنا هنا ليس لأنني سياسية أو عضو في القائمة العراقية، بل لأنني واحدة من هؤلاء الفنانين»، وهي بذلك تذكرنا بأنها معمارية ورسامة وشاعرة لم تبعدها السياسة عن انتمائها الإبداعي الأهم من العمل السياسي، «فالعمل السياسي ينتهي، لكن الإبداع هو الأبقى» حسبما توضح.
كان العرق يتصبب من أجسامنا ونحن نتجول في أرجاء المعرض، فأجهزة التبريد ووسط ظهيرة بغدادية ساخنة وطاقة كهربائية عليلة لا تقدم إلا القليل من جهدها لقاعة واسعة مثل قاعة جمعية التشكيليين، ومع ذلك استمر جمهور المعرض في مواصلة تجوالهم ونقاشاتهم، كان هناك أيضا، مريوش، الرسام حسام عبد المحسن، والناقد التشكيلي عباس شلاه، والرسام قاسم سبتي، وأسماء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
الفنانون التشكيليون العراقيون مصرون على أن يؤكدوا وجودهم على خارطة الحياة الثقافية العراقية والعربية، وحتى العالمية، حيث تقام في بغداد باستمرار معارض الفنون التشكيلية، خاصة في القاعات الخاصة؛ إذ «لم تتبق هناك أية صالة حكومية للعروض التشكيلية»، يؤكد الفنان التشكيلي قاسم سبتي الذي وجد في مغامرة افتتاحه لقاعته «حوار» للفنون التشكيلية «أفضل حل لدفع الآخرين لمثل هذه المغامرة من جهة، وكي نجد لنا فضاء نتنفس خلاله بعيدا عن أية سيطرة حكومية أو طائفية أو سياسية»، و«حوار» الواقعة خلف كلية الفنون الجميلة، سرعان ما تحولت إلى مركز ثقافي، وملتقى للمثقفين العراقيين.
ففي بغداد كانت هناك صالات عريقة للفنون التشكيلية تابعة لوزارة الثقافة، مثل المتحف الوطني للفن الحديث، وقاعة الرواق، وقاعة بغداد، وقاعة الرشيد، وصالات مركز صدام للفنون، الذي كان يعد واحدا من أكبر المراكز الفنية في العالم العربي، وتحول اليوم إلى مقر لوزارة الثقافة، إلى جانب صالات معهد وأكاديمية الفنون التشكيلية. يقول سبتي: «الدولة والسياسيون منشغلون تماما عن الثقافة اليوم، دعهم يوفرون الخدمات ويبنون المدارس ويهتمون بالناس، ومن ثم الثقافة، بالنسبة لنا نحن قادرون على مواصلة حياتنا وقضيتنا في الإبداع الفني».
هناك فنانون آخرون كبار حاولوا أن ينشئوا مراكز وصالات فنية، أمثال الفنان الكبير نوري الراوي، واحد من أبرز المثقفين العراقيين، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» عندما زرناه في بيته بحي الحارثية: «لقد قدمت مشروعا كبيرا لوزارة الثقافة لمساعدتي في إنشاء مركز لأعمالي الضخمة وأرشيفي الذي لا يماثله أي أرشيف عن الفن التشكيلي العراقي، لكن الرفض كان مصير هذا المشروع»، ذاكرا: «بعدها استأجرت منزلا كبيرا في شارع الشرطة قريبا من حي العدل وحولته بأموالي الخاصة إلى مركز وقاعة عرض تشكيلي، لكن أحد العاملين معي سرق أعمالي وزورها وراح يبيعها خارج العراق، حتى إني اشتريت في عمان بعض أعمالي الأصلية بألوف الدولارات».
أما الفنان التشكيلي فهمي القيسي، فقد أوضح قائلا: «كان لي مشغل وصالة للعرض التشكيلي في حي الكرادة (خارج) وقد أنفقت عليه ما يقرب من مائة ألف دولار، وأجبرتني الظروف الصعبة على التنازل عنه مقابل عشرة آلاف دولار، ليس لأسباب مالية، بل لأسباب تتعلق بالوضع الثقافي والاجتماعي العام، فنحن نعيش أوضاعا شاذة وغير طبيعية».
على مقربة من جمعية الفنانين التشكيليين تقوم مدرسة الموسيقى والبالية العريقة التي عادت إلى نشاطها بصورة تبشر بالخير، وإلى جانبها هناك مكتبة الطفل العامة، التي اضطرت «دار ثقافة الأطفال»، وهي واحدة من أبرز المؤسسات الثقافية العراقية، إلى اتخاذها مقرا لها. وهذه الدار الريادية في العراق والعالم العربي لا تزال تعمل بنشاط «على الرغم من شح الإمكانات المادية» حسب ما يوضح الفنان التشكيلي عبد الرحيم ياسر، المعاون الفني لإدارة هذه الدار. يقول: «هذه الدار تأسست في نهاية الثمانينات على خلفية رئاسة تحرير (مجلتي) و(المزمار) للأطفال والفتيان، التي تأسست في نهاية الستينات لترفد الطفل العربي في جميع أنحاء وطننا العربي بالمجلات والكتب، وضمت رسامين وشعراء وكتاب أطفال متميزين، ولا تستغرب إن عرفت أن معظم الرعيلين الأول والثاني ما زالوا يعملون في الدار حتى اليوم، أمثال شفيق مهدي وصلاح محمد علي وعبد الإله رؤوف (متقاعد ويعمل من خارج المؤسسة) وعواطف علي ورمزية محمد علي، ونبيل يعقوب، وأسماء كبيرة أخرى، كما أن هذه الدار خرجت رسامين وكتابا يرفدون الثقافة العراقية بإبداعاتهم».
ويوضح الياسري الذي رفض ترك العمل والعراق في أكثر الظروف الأمنية والحياتية تعقيدا، قائلا: «هذا مشروعنا الذي يتوجه لأهم شريحة في المجتمع العراقي؛ الأطفال، ولا نريد التفريط فيه على الرغم من افتقارنا للإمكانات المادية بسبب الميزانية الضعيفة لوزارة الثقافة، وعدم اهتمام الحكومة بمثل هذا المشروع العملاق في جوهره».
«السياسيون العراقيون منشغلون عن الثقافة والمثقفين»، هذا ما يؤكده كاتب عراقي كبير لم يشأ أن نذكر اسمه، وقال: «أنا لا أتحدث لكم من باب الإعلام، بل لأدلي بمعلومات قد تكون معروفة، وغير واضحة أمام السياسيين»، مشيرا إلى أن «النظام السابق أراد أن يحول المثقف العراقي إلى بوق دعائي له، ونجح إلى حد معين في أن يجذب بعض من آمن بسياسة النظام أو المستفيدين، واليوم تسعى الكتل أو الأحزاب السياسية إلى الأسلوب نفسه؛ تحويل المثقف العراقي إلى بوق دعائي لهم، وزادوا في أساليبهم بأن حاربوا من لا يقف معهم، والغريب أننا نرى سيادة أنصاف المثقفين والجهلة في المواقع الثقافية المهمة، فالعراق بلد المثقفين والمبدعين، لكن الحكومات المتعاقبة لم تضع وزيرا للثقافة من بين أسماء المثقفين العراقيين، والوزارة ترضخ اليوم لسيطرة الطائفية والجهل»، ويزيد قائلا: «تصوروا أن الكتل الانتخابية والسياسية لا تضم أية أسماء مهمة من المثقفين العراقيين، هذا لأن السياسي العراقي، دائما مثلما كان، وسيبقى، يخشى المبدع العراقي، ويسعى إما إلى شرائه أو قتله، سواء كان قتلا فعليا أو معنويا، لكننا نعمل على التسلح بإرادتنا للبقاء في وجه هذه الحملات من أجل الثقافة العراقية الراسخة في شجرة الناس والبلد».
 
من يتفاءل بتحسن وضعية المرأة

هناك من يتفاءل بوضع المرأة العراقية اليوم، وهناك من يصر على أن أوضاعها تراجعت إلى الوراء، أو في أفضل الاحتمالات، فإنها لم تتقدم على الإطلاق.
تقول مريم حامد، 42 سنة، وهي ربة بيت ولديها ولدان وبنت: «ما الذي حصلنا عليه نحن النساء سوى المزيد من المتاعب، فأنا أمضي وقتي في البيت مع ابنتي التي صارت هي الأخرى ضحية الأوضاع السيئة في بغداد، نحن لا نخرج إلا نادرا وبرفقة أولادي، ولا ندع ابنتنا تخرج حتى لزيارة صديقتها في ذات الحي الذي نعيش فيه خوفا عليها من الاختطاف، وإذا خرجنا فإننا نذهب إلى السوق القريبة أو إلى مقهى في حي المنصور لشرب العصير أو تناول المثلجات، وهذا يحدث مرة كل أسبوعين أو ثلاثة».
وتدرج مريم بعض فقرات مهماتها اليومية في البيت، ذاكرة: «من أولوياتنا التأكد من خزين الماء في البيت، فإذا فقدنا هذا الخزين يتحول يومنا إلى جملة من المتاعب، لهذا ننتظر وصول التيار الكهربائي، الزائر العزيز، لتشغيل الموتور لتزويد الخزان بالمياه، وهكذا يتسلسل برنامج عملنا أنا وابنتي (20 سنة) ما بين التنظيف اليومي لكامل البيت بسبب العواصف الترابية، والدخول إلى المطبخ، وباختصار فإن ساعات عملنا البيتية تبدأ منذ الثامنة صباحا تقريبا ولا تنتهي إلا بعد منتصف الليل».
ومريم واحدة من العراقيات والتي تلخص معاناة المرأة العراقية غير الموظفة، فهي فقدت زوجها بعد أن تم اختطافه قبل أربع سنوات، ثم تمت تصفيته بعد أن تسلم الخاطفون 45 ألف دولار كفدية، وبذلك فقدت العائلة معيلها ومدخراتها كاملة في حادثة واحدة.
لكن شهلاء النعيمي، بكالوريوس إدارة، وموظفة في إحدى الجامعات العراقية، تصف باختصار معاناة المرأة العراقية الموظفة، قائلة: «إنها معاناة مضاعفة، فلنا أن نعرف ما تعانيه أولا ربة البيت ونضيف إليها معاناة ومشاق التنقل من البيت إلى العمل، والعودة إلى البيت، ثم مشكلات العمل وهمومه، وهذا يحتاج إلى وقت طويل لشرحه»، مشيرة إلى أن «الحافلة التي تنقلنا ما بين البيت والعمل، والعكس، غالبا ما تتعرض للعطل، وهي غير مكيفة أصلا، وإذا استخدمت سيارتي في التنقل فإنني سأعود منهارة جراء أسلوب السياقة السائد في الشارع العراقي، لهذا أفضل استخدام الحافلة»، ومع هذا، توضح النعيمي قائلة: «أنا أفضل الاستمرار في العمل على الرغم من المشاق التي نعانيها لأنني لا يمكنني أن أتحول إلى ربة بيت فقط، فالعمل يتيح لنا فرص لقاء زملائنا، والمراجعين، ويشعرنا بأننا نقدم جهدا معقولا للآخرين».
وعلى الرغم من كل ما نراه ونسمع عنه حول معاناة المرأة العراقية، فإن ميسون الدملوجي، رئيسة التجمع النسائي العراقي المستقل، تبدي تفاؤلها «بما أنجزته المرأة العراقية وبما أنجز من أجلها»، تقول الدملوجي، الناشطة في المجال النسوي لـ«الشرق الأوسط»، إن «التجمع النسائي العراقي المستقل، هو أول منظمة نسوية تم تشكيلها في العراق بعد تغيير النظام السابق، وكان أول اجتماع لها في التاسع من مايو (أيار) 2003، أي بعد شهر واحد من سقوط النظام السابق، وتجمعنا يصدر مجلة نسوية شهرية (نون) وهو التجمع الوحيد الذي يصدر مجلة، وتحررها عضوات منظمتنا ونصدرها بدعم ذاتي، كما أننا ننظم ندوات علمية وطبية خاصة عن مخاطر أمراض السرطان التي تصيب المرأة، وندوات ثقافية أخرى كانت أبرزها عن مستقبل مدينة بغداد».
وترى الدملوجي أن «وجود ربع أعضاء البرلمان العراقي من النساء، وأكثر من أربع وزيرات في الحكومة العراقية هو إنجاز كبير للمرأة العراقية ونفخر به، ولا أعتقد أن هناك أي برلمان عربي يضم اليوم 84 عضوا نسائيا تقريبا، ونحن نفخر بوقفتنا ضد قرار مجلس الحكم 137 الذي أراد إلغاء الفقرة 41 من قانون الأحوال الشخصية الصادر سنة 1957، والتي تتعلق بموضوع الزواج والإرث والطلاق، والذي يعتمد على الشريعة الإسلامية، إذ أخذ هذا القانون ما هو لصالح الأسرة العراقية من كل المذاهب السنية والشيعية».
وتصر الدملوجي، التي كانت قد شغلت منصب وكيلة وزارة الثقافة قبل أن تنتخب كعضو في مجلس النواب، بدورته السابقة، على عدم تسمية وجود المرأة العراقية في الحكومة هو مجرد «ديكور» يدفع الحكومة لأن تتفاخر بوجود وزيرات ضمن تشكيلتها الوزارية، مشيرة إلى أن المرأة العراقية تسلمت وزارات، البلديات والأشغال والإعمار، والبيئة وحقوق الإنسان، إلا أن استقالة وزيرة الدولة لشؤون المرأة نوال السامرائي، العام الماضي، جاءت لتؤكد أن الموضوع لا يتعلق فقط بتسمية وزيرة، أو وزيرة للمرأة، كما أشارت في أسباب استقالتها، ومنها «محدودية الصلاحيات» التي تتمتع بها والتي لا تتناسب واحتياجات المرأة العراقية، قائلة إن وزارتها مجرد «مكتب استشاري داخل المنطقة الخضراء، ليست له أي صلاحيات»، وكذلك بسبب «ضعف الموارد المخصصة لمواجهة جيش من الأرامل والعاطلات عن العمل والمضطهدات والمعتقلات».
وأشارت وزيرة المرأة السابقة إلى أن هناك «الكثير من المشكلات التي تعاني منها المرأة العراقية. لدينا جيش كامل من الأرامل وهو ما يولد احتياجات كبيرة جدا ولدينا عاطلات عن العمل ومضطهدات ومعتقلات وكل شيء موجود»، منبهة إلى أنه «يجب أن تكون هناك وزارة بحقيبة كاملة يمكنها تقديم خدمات أفضل».
لكن الدملوجي تصر على التعبير عن تفاؤلها، كون المرأة العراقية «أثبتت كفاءتها العالية، وبرهنت موهبتها في الإدارة وقيادة المجتمع، وأنا متفائلة بالوضع العراقي الجديد، وهذا ينطلق من إيماني بقدرة المرأة على التغيير، فهي جزء من الأوضاع العامة في البلد ومن النظام الديمقراطي الجديد، ولا يمكن أن يتقدم البلد وتبقى المرأة متراجعة، بل إن كل الأمور مترابطة مع بعضها».
وفي مقابل تفاؤل الدملوجي بأوضاع المرأة العراقية، ترفع سندس عباس حسن، رئيسة معهد المرأة القيادية، صوتها عاليا معترضة على تعليمات إصدار جواز السفر المقروء آليا، والذي «يشدد على وجوب استحصال موافقة ولي الأمر للمرأة العراقية غير المتزوجة والمتزوجة والأرملة والمطلقة، للحصول على جواز السفر».
تقول سندس حسن: «إذا قمنا بقراءة متمعنة للتعليمات التي وضعت من أجل أن تحصل المرأة العراقية على جواز سفر فإننا سنجد أنفسنا أمام تناقض كبير إزاء الدستور العراقي وخرق لما ورد في باب الحقوق والحريات في مواده 14، 15، 16 مع تناقض أكبر إزاء الفقه القانوني العراقي الملتزم بمبادئ المساواة، والضامن للأهلية الكاملة للمرأة في التشريعات المحلية العراقية، هذا فضلا عن تناقضها مع التزامات العراق الدولية إزاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهدين الدوليين واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979 وقطعا إزاء التوجه الديمقراطي الذي يحق (لمدعيه) التفاخر به أمام دول الجوار القريب والبعيد منذ عام 2003».
تقول رئيسة معهد المرأة القيادية: «دعونا الآن من الدستور والقوانين والالتزامات الدولية، ولنحاول أن نفهم معا السر الخفي وراء هذه التوجهات في بلد تقود فيه النساء العديد من الوزارات وتشارك بما يفوق 25% في البرلمان»، منبهة إلى أن «مثل هذه التعليمات لا نجدها في قانون الانتخابات أو في تعليمات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات!! ولماذا لم تضع رئاسة الوزراء هذه التعليمات أمام أي كتلة سياسية ترشح وزيرة لموقع ما؟ وماذا عن المستشارات ووكيلات الوزارات؟ أليست قيادة البلد أخطر واهم كثيرا من أي أمر آخر، وما رأيكم في الطبيبة التي يضع الرجال أرواحهم بين أيديها، ترى هل سألوها عن موافقة ولي الأمر؟ ورئيسة المهندسين التي تضع الجسور والمباني التي يمر عليها الرجال قبل النساء؟ وماذا عن الأرملة الشامخة التي تعيل أسرتها وهي واقفة منذ ساعات الفجر الأولى في (كراج النهضة) تبيع القيمر والشاي لسائقي السيارات وركابها من الرجال؟ هل تراها استوقفت يوما أحدا من أصحاب هذه التوجهات أم تراها قادمة من كوكب آخر؟ وبمن تراها ستستعين تلك المرأة التي فقدت الأب والأخ وتسرب عمرها في البحث عن ما تبقى من أجسادهم لتدفنها ولتصلي وقد شدت مآزرها لتكافح خدمة للوطن ولتربية الأيتام الذين تعيلهم وتحسن تربيتهم، أتراها تستأجر ولي أمر أم تستعير أحدهم؟ حقا ماذا ستفعل؟ أعتقد أن الأمر هنا متروك لتعليمات لاحقة لذات المديرية».
أما هناء ادور (62 عاما)، الناشطة في مجال حقوق المرأة، فتقول: «للأسف الشديد لا يزال واقع المرأة العراقية مريرا وصعبا للغاية بسبب تراكم المشكلات وفقدانها للمقومات الأساسية للحياة في السكن والرعاية الصحية والعمل والتعليم فضلا عن تعرضها للاضطهاد جراء العنف الطائفي والتهجير القسري»، مزيدة بقولها: «أجرينا العام الماضي دراسة شملت عينة من المجتمع العراقي أظهرت أرقاما مخيفة لأوضاع المرأة في البلاد حيث حصلنا على نسبة 55 في المائة من النساء هن من ضحايا العنف الأسري والعشوائي في الشارع والعنف الطائفي وأن 33 في المائة منهن يعلن أسرهن من خلال العمل وهن غير متزوجات ونحو 76 في المائة من النساء الأرامل لا يتسلمن أي مساعدات أو تعويضات من الحكومة ويعشن في ظروف قاسية جراء عدم توفير الحماية المالية لهن والتباطؤ في تقديم المنح المالية لهن».
رغم كل هذا فإن المرأة العراقية ما تزال تؤثث المشهد البغدادي بوجودها الغني، والمميز، معبرة عن إصرارها وبقوة على عدم التنازل عن دورها، باعتبارها أستاذة جامعية موظفة أو طالبة، أو شرطية، أو طبيبة أو مهندسة، أو صحافية أو محامية.
تؤكد نادية، موظفة في وزارة الموارد المائية، أن «بقاءنا سواء في العمل أو حتى ببغداد هو بمحض اختيارنا، فأنا سافر معظم أفراد عائلتي لكنني لا أستطيع أن أتصور نفسي خارج العراق، ونعتقد أن المصاعب في طريقها إلى الزوال كلما تقدمنا بتجربة العراق الجديد»، منبهة إلى أن «غالبية الموظفات يعانين من صعوبات كثيرة، فمجرد خروج المرأة من بيتها هو مغامرة، وهذه المغامرة تنحسر مخاطرها اليوم بشكل كبير، وليس أمامنا أي خيار، أما أن ننسحب ونترك كل شيء للرجل أو أن نبرهن وجودنا كشريكات حقيقيات وقويات في هذا المجتمع، وهذا بحد ذاته يدفع بتجربتنا الوطنية إلى الأمام.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  معد فياض


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni