... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
نحو هيئة وطنية مختصة بالكفاءات الوطنية

علي حسن الفواز

تاريخ النشر       30/04/2011 06:00 AM



                    مثقفو المهجر العراقي: استعادة المراثي
التخلي عن المثقفين يعني التخلي عن امكانيات وثروات رمزية تملك قدرات في صناعة المستقبل

كثيرة هي الأسماء الثقافية التي أكلتها المنافي البعيدة ترغب بالعودة من منافيها، والشروع ببدء حياة جديد في فضاءات أكثر إنسانية، تخلو من مراثي النوستالجيا، وتنأى بنفسها عن فوبيا الممارسات والضواغط التي عاشوها تحت جرعات عالية من الإكراه والقسوة، هذه العودة قد تبدو حلما او هاجسا عند الكثيرين، او قد تكون إحساسا حميما يداعبهم بالانشداد الى الأمكنة الأولى. لكنها بالمقابل يمكن أن تتحول الى ما يشبه المتاهة ايضا، وأحيانا الى نوع من الاستغراق الداخلي القريب من أوهام ومرائر الاغتراب، فالكثير من اصدقائنا المثقفين ادباء وفنانين واكاديميين يقولون، كنّا نفكر دائما بالعودة، ونعيش هذا التفكير وكأنه قلق يومي ممض، وحين عدنا ونحن مسكونون بهوس الحنين والرغبة في اثراء الوطن بما هو جديد، ولكي نتواصل مع اصدقائنا ومع ذكرياتنا واحلامنا القديمة وغبارنا العائلي، لكن هذه العودة تحولت الى طرق (الحية والدرج) اذ ليس هناك من ينصت الى اصوات قلوبنا العالية، او حتى يقول لنا بما يجعلنا نشعر بالاطمئنان، بان الوطن البيت والتاريخ والذكريات والمستقبل بانتظار ابنائه العائدين من مهاجرهم القسرية وعوالمهم البعيدة..

المؤسسات الرسمية لا تملك للأسف تصورا واضحا عن التعاطي مع مشكلة المثقفين العائدين من المنافي، ولا عن طبيعة وأسباب تلك المنافي الاضطرارية، ولا حتى اسمائهم وما شكلّوه في تلك المنافي من أثر وحضور كبيرين، مثلما ليس لديها اي تصور عن امكانية معالجة اوضاعهم الجديدة، وايجاد مجالات لاستيعابهم في سياق وظيفي او حياتي يليق بهم وبتجاربهم الفاعلة، وبانسانيتهم واختناقات غربتهم، او حتى اعادتهم الى وظائفهم التي تركها البعض منهم مضطرا او هاربا، او باحثا عن احلام وحريات ومعيش تطمئن اليه النفس العارفة بقيمة الحرية والابداع في عالم تغسله تلك الحرية، فكثيرا ما نرى بعضهم في نوبات طويلة من التساؤلات والمراجعات، حدّ ان الكثيرين منهم قالوا اننا سنعود الى منافينا فهي ارحم من هذا القلق والدوار الذي لا يقود الى ابواب، والذي لا ينصت فيه احد لأحد!

هذه المشكلة كثيرا ما اسمعها بمرارة من الاصدقاء في المقهى او في زيارتهم للجريدة او في اتحاد الادباء او المسرح الوطني، فهم قلقون على حياتهم في مرحلة ما بعد المنفى، والتي تحتاج بالضرورة الى معالجة حقيقية لوضعهم المعيشي وهمومهم العائلية، وضرورة اندماجهم في الوسط الثقافي العراقي الجديد، خاصة وان الجميع يعرف ان المنفى الثقافي العراقي ليس كله منفى ذهبيا، اذ عاش البعض ظروفا صعبة، ومنافي متشظية، ويوميات غير معقولة جدا، فضلا عن ما علق بالذاكرة من سنوات عاطلة اكلت العمر تحت هموم الاستبداد السياسي والحروب العبثية، تلك التي شردّت الالوف من المثقفين الى منافي الدنيا الواسعة.

هذه المنافي الثقافية والاجتماعية والسياسية تحتاج بالضرورة الى معالجات تنظّم واقعهم الانساني والاداري وتأمين فرص عمل لهم تتناسب وتجاربهم الفاعلة في البيئة الثقافية والاعلامية، فليس من المعقول ان نترك هؤلاء لاقدارهم العبثية، في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون عن اهمية عودة المنفيين الى بلادهم ليسهموا في عملية اعماره وتنميته وتعزيز قوة روحه الجديدة وترصين قيم هويته الجديدة. وليس من المعقول ان نتركهم يبحثون عن (ملاذات آمنة) دونما اية مسؤولية لمتابعة شجونهم، وربما عانى البعض منهم من الكثير من التعقيدات الادارية الغامضة خلال مراجعاتهم لدوائر الدولة، او اصطدامهم بالبيروقراطية الغريبة التي لا يعرف احد كيف يفكّ اسرارها ومغاليقها، او التي نضعهم عند متاهات، لا نوافذ مفتوحة في افقها، خاصة وانهم ظلوا مسكونين باحلامهم المفرطة بان الديمقراطية العراقية يمكن ان تمشي على قدمين، وان الحرية باتت قريبة من الاصابع، ويمكن لمسها والعيش في حميميتها، وان العراق الذي يخصنا جميعا مازال بلدا رومانسيا بامتياز..

قد تبدو الحلول الرومانسية في هذا السياق غير معقولة، وغير سهلة، وصحيح ايضا ان السياسات القديمة والحروب العبثية وسوء استخدام الثروات الوطنية قد تركت الكثير من الاثر المرعب على واقع الحياة العراقية وشوهت الكثير من تفاصيلها وشجونها، لكننا بالمقابل ونحن نبحث عن معالجات عميقة للكثير من الملفات، ومنها الملف الثقافي، وملف المنافي، ان نسعى لايجاد لمقاربة تعقيدات هذا الملف قانونيا وتنظيميا واجتماعيا، وان نحتاج في ضوء معطياته للبحث عن تأمين مظاهر انسانية للعديد من المثقفين، والذين سينعكس واقعهم الجديد على ظاهرة الدولة الجديدة، وعلى التوافر على مصادر مهم في صناعة الرأي العام، وفي التعريف بطبيعة التحولات العميقة في الدولة العراقية الجديدة، وطبيعة ما تواجهه من تحديات خطيرة، خاصة مع طيف من المثقفين العراقيين المعروفين بكفاءاتهم وحضورهم اللامع في الاوساط الثقافية العربية والعالمية الذين يمكن ان يشكلوا قوة معنوية تعزز توجهات الدولة الجديدة ومساراتها باتجاه تعزيز قيم الدفاع عن الحرية والديمقراطية واثراء عمل المؤسسات الثقافية والحقوقية والمدنية التي تحتاج الى مثل هذه الخبرات، اذ يمكن ايجاد ما يكفل عملهم في مثل هذه المؤسسات للاستفادة منهم اولا، ولضمان تفاعلهم مع الواقع الجديد ثانيا، ولايجاد جسور جديدة ما بين واقعهم الجديدة والعوالم التي عادوا منها، والتي يمكن ان تسبغ على المعطى الثقافي الكثير من القوة والجدّة والتفاعل ثالثا.

معرفة واقع المهجر العراقي تحتاج بالاساس الى الكثير من المسؤوليات، مثلما تحتاج في السياق التنظيمي الى العديد من المرجعيات والاستبيانات والى خارطة طريق واضحة، اذ يعني ان هذه الحاجة تفترض وجود تصور واضح عن ان المهجر العراقي هو ظاهرة اجتماعية وسياسية صنعتها ظروف قاهرة قبل ان يكون ظاهرة ثقافية، وان التعاطي مع هذه الظاهرة يفترض وجود رؤية موضوعية مسؤولة وصادقة لغرض معالجة ما يتعلق بكل تداعيات هذه الظاهرة وجوانبها المعقدة، والتي تتطلب وجود تشريعات خاصة من قبل مجلس النواب تؤمن (حق) هؤلاء بالمواطنة الاجتماعية اولا، وحصولهم على الوثائق الرسمية لذلك، اذ ان الكثير منهم يعاني من غموض الآليات التي تخص حصولهم على هذه الوثائق، فلا هم مهجرّون، ولا هم لاجئون، ولا هم مواطنون بالمعنى القانوني للمواطنة الكاملة التي تؤمن لهم الحقوق المادية والتعريفية، وطبعا فان هذه (الحرمانات) تفقدهم الكثير من التوصيفات القانونية في العمل وفي الحصول على الحقوق المواطنية الاخرى، وهذا ما يتطلب ايجاد هيئة او جهة رسمية مخولة ولها كامل الصلاحيات تتعامل مع مشكلة الكفاءات الثقافية واسمائها العائدة من منافيها للمساعدة في وضع الحلول الناجعة لها، لان إبقاء هذه المشكلة او غيرها خارج السياق يعني التخلي عن امكانيات واسعة وثروات رمزية تملك قدرات استثنائية فاعلة في صناعة المستقبل..

نقترح ان تكون هذه الهيئة تابعة الى مجلس الوزراء، ولها جهاز كامل من الخبراء والمختصين الذي يمكنهم ان يرسموا خططا وتوجهات لمعالجة تداعيات هذه المشكلة ومنع تفاقمها بالاتجاه السلبي، فضلا عن تخويل هذه اللجنة مسؤوليات تنسيبهم الى الدوائر ذات العلاقة والمستوعبة لاختصاصاتهم بعد التعرّف عليها وعلى الوثائق المؤيدة لذلك وان لا تترك الامور عشوائيا او للمجهول.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  علي حسن الفواز


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni