... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  في السياسة

   
أريد ينقتلون سبعة سنّة

حيدر سعيد

تاريخ النشر       05/04/2014 06:00 AM


هذه الجملة، بالنص، قالتها نائبة عراقية، تمثّل الشعبَ العراقي، أو فئةً منه، أو محافظة، أو بضعة آلاف انتخبوها.

وبغض النظر عن السياق الذي قيلت فيه هذه الجملة، فإن خلاصتها أن نائبة منتخبة تريد قتلَ مواطنين، أبرياء، لا ذنب لهم إلا هوية قدرية فرضتها عوائلُهم ومناطقهم التي ولدوا فيها.

خلاصةُ الجملة، التي لا يقدح سياقُها في أن نتعامل معها مجردة، وينبغي لنا ذلك، لأنها إرادة قتل، لمواطنين أبرياء، أن النائبة لم تفكر في أن تستعمل مفهوم (العدالة)، أو حتى مفهوما ما قبل حديث، جاء به الإسلام، الذي يظهر من زيّها وانتمائها السياسي المستحدث أنها تنتمي إليه، وهو مفهوم (القصاص).

النائبة لم تفكر بمبرر شرعي للقتل، بل فكرت بالقتل بشكل مطلق، من حيث هو انتقام، عشوائي، ولا مبرر آخر له.

الجملة المجردة، بغض النظر عن سياقها، مهمة جداً، لأنها تكشف عن عقلية النائبة، كيف تفكر، وكيف تستدل، كيف تحاجج، ومن أية ثقافة تصاغ جملها.

النائبة لم تفكر بأن ما يمكن أن تقدمه لضحايا طائفتها هو أن تطلب من الدولة أن تتولى دورَها في حماية الناس، وأن تصحح مسارَ السياسة، التي أصبحت بربرية، وحشية، وقاتلة. لم تفكر بغير القتل العشوائي، تقدمه لضحايا طائفتها الأبرياء، الذين ـ أجزم ـ بأنهم أطهر من أن يفكروا بقتلِ بريء، ثمنا لأرواحهم المغدورة.

النائبة، التي ركبت، في مفارقة مأساوية، الحداثةَ السياسية، لتمارس الانتخابات، والوظيفة البرلمانية، والمساءلة، يبدو أن عقلها لم يغادر بعد فكرة الثأر العشائري، في أشد صيغها تخلفا وظلاما.

الحداثة حمار، ركبته هذه الثقافة المتخلفة الجامدة عبر مئات السنين.

وحتى إذا أخذنا بنظر الاعتبار السياق الذي قيلت فيه هذه الجملة، وهو أن القتل يستهدف الشيعةَ فقط، فيبدو أن النائبة إما أنها لا تعلم بما يجري في بلدها ولمواطنيها الذين تمثّلهم، لأنها حبيسة المنطقة الخضراء وجدرانها التي تفصل الحكام عن المحكومين، أو أنها جزء من جهاز بروباغاندا طائفي، يتقصد إبراز حوادث القتل في طائفة بعينها، ليبني، بشكل لاشعوري، لدى الجمهور فكرة أن القتل، إذن، تمارسه الطائفة الأخرى، ليظهر سياسيو هذه الطائفة بوصفهم هم وحدهم من يحمي جمهور الطائفة من الطائفة الأخرى القاتلة.

هذا الخطاب والأسلوب الطائفيان يمارسهما، بالضبط، الخطابُ السني الطائفي، الذي يُظهِر السنّةَ بوصفهم الضحايا الوحيدين، مما ترتكبه الميليشيات والجيش الذي تسيطر عليه الحكومة.

وفي العموم، هذا عنصر جوهري في الخطاب الطائفي: شيطنة الآخر، وتقديم الذات بوصفها الضحية الفريدة.

ولذلك، لا يسعى الخطاب الطائفي، للحظة، إلى فهم أن الجميع ضحايا، وأن القتل يستهدف الجميع، لأنه ـ في هذه الحالة ـ يقضي على مبرر وجوده.

وهكذا، يبدو أن النائبة تتجاهل، أو تجهل، الاغتيالات المستمرة في الموصل، واقتحام المؤسسات الإدارية والإعلامية في تكريت واغتيال منتسبيها، وما يجري في الأنبار، واستهداف الجوامع في ديالى، وتفجيرات المفخخات والعبوات الناسفة التي استهدفت المقاهي والأسواق والمنشآت المدنية في المناطق السنية في بغداد، وما جرى في بهرز، و. .، و. .، و. .

وحتى لو كانت النائبة (وأنا أبني، هنا، على حسن النية) وقعت ضحية مخاتلات اللغة وموارباتها، فإن المعنى الأساسي الذي أرادته، وهي تؤسس على أن القتل يستهدف الشيعةَ فقط، أن التوازن في الحكم غير منطقي وغير مقبول، لأن السنّة لا يُقتَلون كما الشيعة، وأن من حق الشيعة أن يحتكروا الحكم، ثمنا لأنهم يُقتَلون.

وفي الحقيقة، إن ثمن أرواح الضحايا الشيعة تقبضه نخبة تتحصّن في المنطقة الخضراء وجدرانها، التي تفصل حكّامَ الشيعة عن محكوميهم، مشاريع القتل، والاستهداف.

ماذا يعني هذا؟

هل يعني شيئا غير فكرة (الشرعية الثورية)، التي تركت العراق خرابا ودما لعقود؟

لقد كتبت، سابقا ومرارا، وسأكتب، الآن، أيضا: إن ثقافة حكّام العراق، الآن، لا تخرج عن فكرة الشرعية الثورية، وأن الحكم يتأسس بالدم، وامتيازاته.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  حيدر سعيد


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni