... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
أحمد سعداوي بمناسبة وصول روايته فرانكشتاين في بغداد الى لائحة بوكر القصيرة

اسكندر حبش

تاريخ النشر       15/04/2014 06:00 AM


"فرانكشتاين في بغداد" (منشورات الجمل) هي الرواية الثالثة للكاتب العراقي أحمد سعداوي، عن شخص يجمع الأشياء القديمة المهملة لكنه تحول مع الحرب إلى جامع لبقايا الجثث المتطايرة من جراء الانفجارات، كي يخلق منها شخصا شبيها بفرانكشتاين، يرغب في الانتقام من كلّ الذين سببوا هذه الفوضى. هنا حوار مع الكاتب:

* روايتك الثالثة «فرانكشتاين في بغداد»، وصلت إلى اللائحة القصيرة لجائزة «بوكر العربية» (التي ستعلن يوم 29 الحالي)، ماذا يعني لك، بداية، الوصول إلى هذه المرحلة؟
 ـ الوصول إلى هذه المرحلة، هو بالتأكيد نوع من الاعتراف بأهمية الرواية وفرصة لانتشار الكتاب بشكل أوسع، ووصولها إلى قطاع متنوع من القراء، وبالتأكيد هدف أي روائي أن تصل روايته إلى قرائها، وهذا تحقق بشكل واضح بمساعدة من الضوء الإعلامي الذي صنعته بوكر.
قد تساعد الجائزة في وصول الرواية إلى القارئ، لكن الحكم بجودة العمل وأهميته يبقى في أيدي القراء أنفسهم فهم المستهلكون الأساسيون للنتاج الأدبي وهم من يحكم عليه.

شوق للاستقرار

* وصلت روايتان عراقيتان إلى هذه المرحلة، ما أرغب في قوله ان ثمة رواية عراقية جديدة بدأت تأخذ مكانها في الفترة الأخيرة، كيف تحدد مسارات هذه الرواية العراقية الجديدة؟
 ـ من الواضح أن الرواية العراقية الآن تعيش حالة من الانتعاش غير المسبوق. قلت في لقاءات سابقة ان طابع الثقافة العراقية الغالب هو طابع شعري، لكن هذه الحقيقة تغيرت جزئيا منذ منتصف التسعينيات في القرن الماضي مع أسماء جديدة قدمت نفسها في حقل الرواية تحديدا، إن كان داخل العراق أم خارجه وانتبهنا إلى صورة من الانتعاش الروائي في السنوات الأخيرة لأسماء مثل علي بدر، محمد الحمراني، مرتضى كزار، ضياء الجبيري، وأسماء من الخارج مثل حميد العقابي وسلام ابراهيم وانعام كججي وأسماء أخرى. هؤلاء عززوا بنتاجهم صورة عن هذا الانتعاش وقدموا نماذج فنية متقدمة تنافس مثيلاتها في العالم العربي. ومن وجهة نظري إن ما تحتاج إليه الثقافة العراقية اليوم وبشدة ـ بالإضافة إلى مجالات الاشتغال الفني والأدبي الأخرى ـ هو المزيد من الروايات والمزيد من الحفر في حقل الرواية لأن الرواية برأيي هي النموذج الأدبي الأكثر تمثيلا للتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وهو القادر بنسبة أكبر على التأثير في قطاع القراء والمساهمة في ضخ أفكار جديدة وإحداث تأثير في الوعي العام. والثقافة التي ليس فيها رواية ناضجة ومتقدمة تبقى ثقافة فقيرة وغير فاعلة.
* لو عدنا إلى واحدة من أقدم نظريات الرواية لوجدنا أن الرواية هي ابنة المجتمع، أي حين يكون هناك مجتمع متماسك نجد أن الفن الروائي يزدهر وينتشر. المفارقة اليوم أن الرواية في العراق، كما الكثير في البلدان العربية الأخرى، تنتشر في ظل انهيارات المجتمعات بأسرها. ما رأيك؟
 ـ برأيي أن الروائي لا ينطلق من المجتمع بشكل مباشر وإنما من تصوره عن هذا المجتمع، وهذا التصور يحوي رغباته ومفاهيمه وقناعاته حول المجتمع. المجتمعات العربية ومنها المجتمع العراقي هي بالتأكيد مجتمعات حديثة خلفها لحظة الصدام الحضاري ما بين عناصر التحديث الغربية والمصادر الثقافية والاجتماعية المحلية. والعراق عاش في عقود سابقة لحظات من الشعور بالتماسك الاجتماعي والسياسي، لربما تبدو اليوم كأنها لحظات ذهبية. في ذهن كل مواطن عراقي هناك صورة ضبابية وغير مستقرة، لكنها قوية عن فكرة العراق والمجتمع العراقي والدولة والبلد الواحد والهوية المشتركة. نعم، إنها صورة غير متحققة على الأرض حاليا، لكنها موجودة، ولا أتصور أن عراقيا واحدا في وقتنا الحالي هو سعيد ومطمئن ومرتاح البال لما يجري لبلده، وهناك بالإضافة إلى العوامل الواقعية السيئة التي تشتغل بقوة على الأرض لتخرب فكرة الوطن وفكرة الانتماء. هناك أيضا أحلام ورغبات وشوق للاستقرار وللحصول على الأشياء الأساسية التي يعيشها أي مواطن أو أي إنسان في بلده حول العالم.
صورة المجتمع المتماسك لا يمكن أن تكون قيدا بحجم دوافع ورغبات الروائي المعاصر تجاه الكتابة. نحن نعيش رغم كل شيء داخل دوامة التحولات التي يعيشها العالم الآن، وأصدق مثال هو غزو التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وهي تخلق مزيدا من المستويات في فهم الإنسان لنفسه، بالتجاور مع الفهم الذي يقدمه زعماء الطوائف والقبائل والمجموعات المتقاتلة والمتصارعة بكل خلفياتها الايديولوجية والعقائدية.

الانتقام

* في روايتك صورة عن انتقام ما من القتلة، لكن «المنتقم» يبدو كوحش أو لنقل كأنه مزيج من الضحايا. هل العراق صورة عن فرانكشتاين؟
 ـ المصدر الأساسي لصورة فرانكشتاين داخل الرواية هو ما يجري على أرض الواقع، والتحولات التي مرت بها هذه الشخصية تشابه بشكل من الأشكال التحولات التي حصلت للعراقيين على الأقل خلال عامي 2005 و2006. هناك واقع ينتج المزيد من الضحايا كل يوم مع رغبة جامحة لدى الجميع بالانتقام والثأر من مسببي العنف والإجرام، وهذا أمر يشمل الجميع بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية والطائفية والعرقية. المفارقة أن فكرة الثأر والانتقام ومحاولة إحقاق العدالة لدى كل مجموعة من المجموعات تبقى فكرة مثالية جدا، وهذا ما حاولت الرواية أن تشخصه وتشير إليه، فمع كل الدم الذي سال خلال العقد الأخير يغدو من العبث البحث عن ضحية كاملة ومجرم كامل. في الحقيقة كلنا اشتركنا في إراقة دماء بعضنا للبعض الآخر. وبداية الحل الصعب هي الاعتراف بأنه لا توجد لدينا ضحية كاملة أو مجرم كامل، وأن علينا أن نعترف أمام أنفسنا بأننا مسؤولون عما جرى لا أن نلقي بالتبعات على الآخر إن كان هذا الآخر، الطائفة الأخرى، أو الدولة المجاورة أو غازيا محتلا من وراء الحدود.
* من عمله كجامع للأشياء القديمة وتأويلي الشخصي كأنه كان يجمع ذكريات العراق القديمة إلى جامع لجثث الضحايا كي يخلق إنسانا جديدا، ألا يمكن للعراق أن يكون خارج هذه الثنائية؟
 ـ الذي يعاني منه العراق اليوم هو تعدد القصص وتعدد الذكريات وبالتالي تعدد القراءات للواقع الحالي واختلاف النظرة تجاه المستقبل. سياسيا دخلنا بعد عام 2003 ووفق التصور الأميركي في ما يسمى «المرحلة الانتقالية» وهي مرحلة تصفية آثار الاستبداد في الحقبة السابقة وإنتاج قراءة موحدة عن هذه الحقبة يتم فيها الإنصاف للضحايا ضحايا الاستبداد ثم الشروع من نقطة انطلاق جديدة حيث العدالة السياسية والاجتماعية هي العنوان العام. لكن الذي حصل اننا بعد مرور 11 عاما ما زلنا نعيش عمليا في المرحلة الانتقالية، وما زال الكثير من ضحايا النظام السابق يشعرون بأنهم لم يحصلوا على العدالة، وبجوارهم أنتجت ضحايا جديدة، ضحايا الغزو الأميركي والمشروع السياسي الذي طبق في العراق. بعد أكثر من عقد ما زلنا مستمرين في إنتاج ضحايا وكل ضحية لديها قصة خاصة عن مأساتها، وليس لدينا قصة وطنية موحدة عن الضحايا، وليس لدينا تصور وطني موحد عن كيفية إحقاق العدالة، وبالتالي لا يوجد هذا التصور الوطني عن مستقبلنا كشعب وكبلد.
في نهاية المطاف نحن كعراقيين لا نعيش أزمات استثنائية، نحن في الواقع نكرر تجارب حصلت في أمم سابقة قبلنا ومثلما خرجت هذه الأمم من أزماتها فمن الطبيعي أن نحلم اليوم بالخروج من أزماتنا، وبقاء الحلم بهذا الشكل أراه ضروريا مع أمواج اليأس والإحباط التي تبثها مفاعيل الواقع العراقي اليوم، فلا شيء أزليا وأبديا، ولا يوجد وضع لا نهاية له، لكن الأشياء السيئة لا تنتهي بمجرد الرغبة والحلم وإنما بالعمل. وربما عمل الروائي الأساسي أن يكتب بدافع من هذا الحلم وأن يكتب جيدا.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  اسكندر حبش


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni