... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  منتخبات

   
شاعر من أصل فلسطيني يثير ضجة في الحياة الثقافية الدنماركية والسويدية

دنى غالي

تاريخ النشر       07/06/2014 06:00 AM


جعلتموني قادرا على جرح أمي
عندما قطعتم حبل سرتي
ما كان يجب أن تفعلوا ذلك
كان علي أن أكون كلب أمي
مربوطا بسلسلة
هذا هو مقطع من قصيدة للشاعر الدنماركي من أصل فلسطيني يحيى حسن، الذي ستصدر له قريبا الترجمة السويدية لديوانه. وبالمقابل ستصدر الترجمة الدنماركية لديوان الشاعرة السويدية من أصل إيراني أتينا فروخزاد «تسلسل أبيض». وما بين الدنمارك والسويد يجري العمل بسباق مع الوقت من أجل ترجمة هذين العملين الشعريين، نظرا للجدل الذي أثير في الأوساط الثقافية ووسائل الاعلام في كل من هذين البلدين إثر اصدار الأول لمجموعته الشعرية والذي سنعرض جانبا منه.
والحال لم يكن في الحسبان أن يسجل هذا الشاعر الشاب المولود عام 1995 رقماً قياسياً في مبيعات ديوانه الدنماركي الأول الذي حمل عنوان «يحيى حسن». حدث هذا لأول مرة في تاريخ الدنمارك. صدر الديوان في العام 2013 عن دار غولديندال، وسبق صدوره أحاديث وأخبار لا تخلو من طابع الإثارة تداولتها أغلب الأوساط الثقافية، عبر الصحافة، وفي البرامج التفلزيونية والاذاعة، متحدثة عن شاب لم يكد يتم الثامنة عشرة من عمره ينبيء عن موهبة فريدة وجرأة لم تعرف الدنمارك لها من قبل مثيلا. لقد تجاوز حجم مبيعات ديوانه المئة ألف نسخة حتى الآن، وتم التعاقد مع عشرات الدور العالمية لطبعه باللغات الأجنبية الأخرى، وخلال وقت قصير يكاد يكون قياسيا، تسلّم عشرات الدعوات سواء داخل الدنمارك أو خارجها من قبل أهم المؤسسات الثقافية ومعارض الكتب العالمية والمهرجانات العالمية، مثل مهرجان أصوات العالم للأدب العالمي في نيويورك لهذا العام، إلى جانب أدونيس وسلمان رشدي، برغم اعتذاره عن المشاركة.
المئات من أفراد الشرطة جُندت لحماية يحيى حسن أثناء قراءة شعرية له في مدينة أورهوس التي نشأ فيها، والتي استنفرت بأكملها. لقد كبر يحيى حسن وسط أجواء الغيتوهات، حيث تعيش أعداد كبيرة من عوائل الأجانب التي تعتمد أغلبها على المساعدات الاجتماعية في معيشتها. وكانت عائلته من بين تلك العوائل المتعبة التي لجأت إلى الدنمارك بعد أن ضاقت بها سبل العيش في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الضجة الاعلامية التي رافقت اقتراب موعد إحياء الأمسية الشعرية المذكورة عكست الانقسام في الآراء وطبيعة الفهم تجاه قضايا الأجانب من لاجئين ومغتربين، مؤكدة قصور سياسة الدولة في احتواء فئة من الأقليات التي تعاني صعوبة الاندماج في هذا المجتمع والامتثال لقوانينه وتقبل القيّم التي يؤمن بها. خالط حسن في حياته الكثير من فئات المهجرين، وتعلّم أن يخالف القوانين ويسرق ويعتدي، كما صرح هو بنفسه في العديد من المقابلات، بيد أنه بالمقابل اغترف من هذه الحياة الكثير الذي صبه في نصوصه.
تتجمع في حنجرة هذا الشاب الذي قرر مواجهة الحياة بلا تردد أو خوف، اعترافات جاءت من عمق الطبقة المسحوقة. في صوته ونصوصه سخط على الوسط الذي نشأ فيه، وعلى الأنظمة التي عاملته كولد عاق لا يمكن السيطرة عليه، مع تذكارات عن عائلته التي أذعنت لشروط الدولة فأبعد عنها وتنقل في الإقامة بين المدارس المختصة بمعالجة مشاكل الأحداث والمجرمين. تناول في شعره سرقاته، مخالفاته، انفصال أمه، معاملة أبيه لأمه وتشتت أخوته بين بيتين. عبر أدبه أعلن عن كرهه (للحجاب والقرآن والرسل الأميين) وكشفه للتناقض بين ما يفعل الناس المحيطون به وبين ما يدعون. نصوص فتى جامح مليئة بغضب موجع وقاس يسددها إلى العائلة وإلى المجتمع على السواء، نصوص تغلي وهي تستعرض تفاصيل دقيقة عن ازدواجية التربية العائلية، وسلوكيات الأبناء الذين يلجأون إلى جماعات العنف والعصابات بسبب ضياعهم وفقدانهم لهويتهم ولجذورهم. وسنعرف من هذه النصوص أن الوالد المؤمن الذي يصلي في المسجد كل جمعة لا يتوانى عن استخدام سلطته في انزال أقسى أنواع العقوبات على أبنائه وفق هواه ومزاجه العصبي حسب، ويفرض عليهم شروطه كشخص مطلق بينما يتيح لنفسه الكثير الذي يعكس ازدواجيته. الملفت هو الطريقة التي يقرأ فيها حسن نصوصه باللغة الدنماركية، إذ يعتمد أن يجوّدها كما في تلاوة القرآن.
أتينا فروخزاد الشاعرة السويدية من أصل إيراني، وهي ناقدة أدبية ومترجمة وكاتبة دراما لها حضور في الوسط الثقافي السويدي، كتبت مقالا مدويا تنتقد فيه ديوان يحيى حسن، الأمر الذي فتح النقاش على مصراعيه بشأن مهمة الأدب ومسؤولية الكاتب حين يكتب. إنها لا تصادر حقه في كتابة ما يشاء، لكن على الكاتب، وفق ما تراه، أن يعي ما يكتب. هذا الرأي اعترض عليه جلّ الأدباء والمعنيين بالشأن الثقافي في الدنمارك، وقد أتهمت أتينا كونها تقرّ بالرقيب الذاتي في داخلها عندما تكتب – تهمة نفتها. ويذكر أن الدنمارك انتهجت في الفترة الأخيرة سياسة يمينية وإعلاما غير حيادي بشأن الأجانب مقارنة بالسويد التي برغم التغيير الذي طرأ على سياسة حكومتها الحالية مازال الإعلام ملتزما، حذرا في اللغة المستخدمة حين يدور الموضوع حول الأجانب. والحال أن الشاعرة أتينا من داخل هذا الوطيس السياسي عبّرت عن خشيتها من مضمون ما يكتبه يحيى حسن عن طبقات المجتمع المسحوقة من المسلمين، كونه سيؤخذ مرجعا، ويكون بمثابة حقيقة تمثل عامة المسلمين والأجانب، وهو ما يصب البنزين على نار الاحزاب اليمينية التي تستفيد من ذلك لكسب المزيد من الأصوات المؤيدة لسياستها العنصرية ضد الأجانب.
تلقى يحيى حسن التهديدات من خلال الرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعرض الى اعتداء اثناء وجوده في محطة القطار الرئيسية وهو يرافق صديقته الى القطار، واتضح أن المعتدي من أصول أجنبية اتهمه بالإلحاد، ولا يستبعد أنه لا يجيد قراءة الدنماركية، ولم يكن قد اطلع على ديوان يحيى، شأنه شأن الكثير من المتطرفين والمتعصبين. أزاء ذلك طالبت الشرطة بإلغاء أمسية قراءته الشعرية في المدينة التي ترعرع فيها خشية أن تفلت سيطرتهم على الوضع أمنيا فيما لو اعتدى عليه أحدهم . وقد اعترضت بعض الأحزاب على الأموال التي رصدت للحماية وأفراد الشرطة الذين جندوا لهذا الغرض. وقد قضى عدد كبير جدا من الدنماركيين أمسيتهم أمام شاشة التلفزيون الذي نقل وقائع الأمسية مباشرة مع القراءة والنقاش على القناة الأولى في الدنمارك.
ليس هناك من مفاجأة في كيفية استقبال المجتمع الدنماركي لظاهرة يحيى حسن، سواء من قبل الدنماركيين أنفسهم أو الأجانب. لقد أثنت عشرات المقالات والمتابعات بنتاج الشاعر واحتفت به، بينما عشرات التهديدات توعدته بالانتقام. ويرى جزء من فئة المسلمين الأجانب في الديوان تعدياّ صارخاً على الدين وقدسيته وتعميما للنظرة النمطية.
نتذكر هنا أزمة رسومات الرسول التي طرحت مصطلح حرية التعبير بقوة، فقد اختلف المثقفون الدنماركيون والسياسيون بشأنها. كان السؤال الأصعب هو : إما أن نكون أحرارا في الأدب والفن أو لا نكون، ليس هناك من موقف وسطي أو استثناءات. إن ما أنقذ الموقف سياسيا هو أن الرسوم المسيئة للرسول لم تكن فنا بقدر ما كانت محاولة استفزازية سخيفة من قبل جماعة عرفت مسبقا بعدائها للاسلام. والموقف لا يكتمل من دون ذكر دور أئمة الجوامع وبعض المتطرفين المقيمين هنا الذين أشعلوا النار وكذبوا وافتعلوا حوادث واستخدموا صورا لا علاقة لها بالموضوع الأساسي، بشهادة نقلتها المحطات والصحف مؤخرا من قبل أحد الذين تصدروا هذه الحملة وداروا بألبوماتهم المزيفة من دولة عربية الى اخرى.
إن ما استجد اليوم وما يضاف إلى النقاش هو «ذهنية الرجل الأبيض»، فكره، وعيه، ونظرته. يرفض الدنماركي أن يوصف بالعنصري ولا يجد في يحيى حسن غير الموهبة والابداع اللذين لا جدال بشأنهما، ثم الجرأة على المواجهة والتعبير عن الرأي. لكن السؤال القاسي والمنطقي كان قد طرح وهو : هل كان بوسع ديوان شعري يكتبه أجنبي أن يحوز على ذات الاهتمام لو لم يطرح عبر نصوصه موضوعة نقد الاسلام والتربية والعنف؟ إنها الوصفة المطلوبة. كان هذا رأي فروخزاد الذي جوبه بهجوم وانتقاد من قبل بعض النقاد والأدباء الدنماركيين شمل العقلية السويدية ونظرتها الانسانية المزدوجة.
في خضم معترك كهذا نكون قد ابتعدنا تماما عما هو أساسي، ألا وهو القيمة الادبية لمنجز ابداعي. إن يحيى حسن يرفض تأويل ما كتبه من قبل النقاد. يقول إنه يكتب شعرا حسب، وهو ليس مسؤولا عن الطريقة التي قرأوا بها نصوصه طالما انتهى منها.
يحيى حسن كان عضوا في فرقة موسيقية يؤدي فيها «الراب»، تذكرنا بالمغني الذي عرف باسم الشهرة «أمأندأم» والذي أطلق أغنيته الشهيرة التي حملت العنوان «عذرا يا ماما». وهو اليوم أحد طلاب مدرسة الكاتب في كوبنهاغن، التي يأمل الكثيرون أن يتم عبرها صقل موهبته وتطويرها. في اطلالاته يبدو واثقا على الدوام من نفسه معتدا برأيه، لكنه أجبر على مرافقة حارسين له من المخابرات الدنماركية في جميع تحركاته بعد حادث الاعتداء عليه. يقول إنه لا يخشى المواجهة، لكنها ليست مشكلته بل مشكلة المجتمع والشرطة. على الغلاف الأخير لكتابه ذُكر إن يحيى حسن فلسطيني من دون جنسية، يملك الجواز الدنماركي.
فيما يأتي ترجمة لبعض قصائده:
طفولة
خمسة أطفال مصطفون وأبٌ بهراوةٍ
شتى أنواع النواح وبركةٌ من شخيخ
نمدّ بتناوبٍ أكفّنا للأمام
محتسبين مقدما
ذلك الصوت عندما الضربات تصيب
الأخت التي سرعان ما تطفر
من القدم الأولى إلى الثانية
والبول شلالٌ ينزل على طول ساقها
اليد الأولى إلى الأمام أولا ثم الثانية
إن تأخر الوقت تصيب الضربات عشوائيا
ضربةٌ صرخةٌ رقمٌ 30 أو 40 أحيانا 50
وضربةٌ أخيرة عند الخروج على المؤخرة
يُمسِكُ الأخ من كتفيه يعدّله
يواصل الضرب ويعدّ
أنظرُ أسفل وأنتظر ليحين دوري
الأم تكسّر الصحونَ في المدخل
بينما تلفزيون الجزيرة يبثّ
بلدوزر مفرط النشاط وأجزاءُ جسدٍ مستاءةٍ
قطاع غزة تحت الشمس
علمٌ يُحرَقُ
إن لم يعترف صهيوني بوجودنا
هذا إن كان لنا في الأساس وجود
عندما نشهق الخوف والألم
عندما نلتقط أنفاسنا أو المعنى
في المدرسة يجب ألا نتحدث العربية
في بيتنا يجب ألا نتحدث الدنماركية
ضربة صرخة رقم

يوتوبيا
طرق الله تنتهي هنا
لن يأتيني يومٌ أبداً بسيارة صفراء ودلال
هذا ما هو لي
صلاة جمعةٍ وجعة
نقص أوكسجين في الغيتو
مشدودا مثل حزام هملايا

الإقامة السادسة
بلا جنسية بلا قرار على أريكة رجل غريب
بحقيبة ناعمة في الحضن
ورؤى لا يستطيع الناس رؤيتها من على مبعدة
لم تحصل أبداً من قبل على هدية عيد الميلاد
ولكن في يوم ما ( يأخذونك من عائلتك)
إلى مكان ثم آخر
ترقص حول الشجرة مثل دنماركي
يقدم إليك لحم الخنزير في الوجبات
ولكنك متشكك بعض الشيء
تستلم الجنسية في عيد الميلاد اللاحق
موقعة من قبل «بيرته رون هورنبيك»
ما الذي ستفعله إذأ بعضو مختون
وتحريمٍ للخنزير
أنت لا تدري
وبالرغم من انك لم تهدأ بعد
هو ليس استثناءً هذا العام
هذا العام يعد بهدايا أكثر
وحضور تربوي
على هيئة استخدام القوة في بلدة يوهاناس في. ينسن
البلدية لها ما تريد مقابل المال
أنت تبدأ بأكل الخنزير المقدد
وتقصد الجامع فقط
عندما تعطيك أمك مبلغا لقاء ذلك
أبوك يبكي
وعمك يتصل فقط
بعد السرقة التي تتم بمشاركة ابنه
تلتقي أولاد عمك عند مروّج المخدرات
أو عبر السياج في جورسلاند
عندما تجلسون كل في قسمه
محاطين من قبل المربين الذين هم في الحقيقة حراسٌ

مقطع من نص طويل تحت عنوان كسوف

أغادر بحثا عن بطن أمي
جعلتموني رهينة
جعلتموني قادرا على جرح أمي
عندما قطعتم حبل سرتي
ما كان يجب أن تفعلوا ذلك
كان علي أن أكون كلب أمي
مربوطا بسلسلة
الرماد أليس هو ذاك الذي لم يعد له وجود
الظلمة أليست هي ما لا يصير أبداً
ولكن انظروا ما خلّفه الشيطان وراءه
شعلة أبدية من جحيمه
عن (القدس العربي)

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  دنى غالي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni