... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
سامي مهدي: لم أتتلمذ على يد أحد… وتوظيف الشعر يُفسده

نضال قاسم

تاريخ النشر       07/03/2015 06:00 AM


حوار:
يعد العراقي سامي مهدي من أبرز الشعراء والنقاد الكبار الذين يمتلكون حسّاً إنسانياً عالياً، حيث يحتل منذ بداية مسيرته في الستينيات مكانة مرموقة على الساحة العربية، فخلال نصف قرن وضع أكثر من ثلاثين مؤلفاً متنوعاً ما بين الشعر والنقد والترجمة عن الفرنسية والإنكليزية، فضلا عن توليه لعدد من المناصب الثقافية، من بينها إدارة المركز الثقافي العراقي في باريس، إضافة إلى رئاسة تحرير العديد من الصحف والمجلات كـ«المثقف العربي» و«الأقلام» و«ألف باء».
■ تحفل أشعارك بالتضمينات من التراث الإنساني، وتتعدد في دواوينك المؤثرات التاريخية والدينية والأسطورية والفلسفية، ما السبب؟
□ هذه التضمينات تلقائية في غالب الأحوال، أعني أنها غير مقصودة، فهي انعكاس لثقافة الشاعر، تحضر في لحظة الكتابة وتأخذ مكانها ودورها في النص الشعري، فالشاعر الحديث شاعر مثقف حتى في تلقائيته، والشعر الحديث شعر مثقف، والثقافة بعد من أبعاده. أما القارئ، فالشاعر الحديث لا يفكر به عند الكتابة، إذ ليس هناك قارئ محدد لشعره حتى يفكر به وبثقافته ويستجيب لمتطلباته، وحتى لو وجد قارئ ذو سمات معروفة، فإن الشاعر لن يكيف نصه من أجله. يكفي الشاعر الحديث أن يكتب نصه، وللقارئ أن يفهم منه ما يفهم وأن يؤول ما يؤول. وأحسب أن النقد هو المعني بالشرح والتفسير والتأويل.

■ في أي مرحلة من حياتك توطدت علاقتك القوية بالشعر؟
□ بدأت علاقتي بالشعر منذ صباي المبكر. كنت أحب قراءة الشعر وحفظه بدافع ذاتي محض. أنا من عائلة فقيرة تشيع فيها الأمية، ولم تكن في بيتنا مكتبة، وكان القرآن هو الكتاب الوحيد الموجود في البيت. تعلمت القراءة والكتابة والعمليات الحسابية الأربع في الكتاب قبل دخولي المدرسة. وكنت أحفظ يومها الكثير من سور القرآن، وأترنم في قراءة بعض هذه السور، ولا سيما سورة النجم وبعض آيات سورة الكهف، كما يترنم المرء في قراءة الشعر، وربما جاءني من هنا حب اللغة العربية والولع بالشعر.
كتبت أولى قصائدي وعمري أقل من أربعة عشر عاماً. كتبتها على السليقة، وكانت موزونة على البحر السريع، وعدد أبياتها أكثر من ثلاثين بيتاً. كانت خالية تماماً من الأخطاء العروضية واللغوية، وفرحت كثيراً عندما قرأها مدرس اللغة العربية وقال لي بعد قراءتها والثناء عليها: إذهب يا فتى فأنت شاعر!
ورحت من يومها أكتب المزيد من القصائد، وبعد عام أو نحوه نشرت إحدى قصائدي في جريدة محلية، ثم تبعتها قصائد أخرى. كنت أرسل هذه القصائد عن طريق البريد، وكانت تنشر في الصفحة الأدبية للجريدة، شأنها شأن أي مادة أدبية أخرى، وأنا يومئذ بعد في المرحلة المتوسطة من الدراسة، ثم صرت أكتب مقالات نقدية إلى جانب ما أكتب من شعر. ونشرت العديد من القصائد والمقالات في مرحلة الدراسة الثانوية، نشرتها في مجلات محلية وعربية منها مجلة «الفنون» العراقية ومجلة «المجلة» ومجلة «الورود» في لبنان.
ومن المقالات التي نشرتها يومئذ مقالة عن قصيدة «البعث والرماد» لأدونيس، وأخرى عن مجموعة الشاعر بلند الحيدري «أغاني المدينة الميتة وقصائد أخرى»، وثالثة عن ديوان نازك الملائكة «قرارة الموجة». ولكنني توقفت عن الكتابة عندما دخلت جامعة بغداد، ولم أعد إلى كتابة الشعر وغيره إلا بعد تخرجي من الجامعة بنحو ثلاثة أعوام، وكانت عودتي هذه عام 1965، وكان لكل ذلك ظروفه.

■ من هم أساتذتك القدماء والجدد في الشعر؟
□ ليس لي أستاذ محدد فأدّعي التتلمذ عليه، تعلمت من كل من قرأت لهم من كبار الشعراء القدامى والمحدثين، العرب منهم والأجانب. ولكن مجلة «الآداب» اللبنانية كانت مدرستي الأدبية في تلك المرحلة المبكرة من حياتي. رافقتها منذ صدورها عام 1953. وفي وسعي الآن أن أقول إن هذه المجلة هي التي فتحت لي باب الأدب وأغرتني بدخوله، وهي التي دربتني على الصبر والتساؤل والتفهم أثناء القراءة، وأدخلتني عالم الأدب الحديث والشعر الحديث بدون مقدمات، وأثرت يومئذ في ذوقي وفي تكويني الثقافي. أما في الشعر فقد كان عبدالوهاب البياتي هو المفضل عندي يومئذ، ولكن معرفتي بالشعر والشعراء لم تلبث أن اتسعت عاماً بعد عام وصرت أتعلم من كل الكبار عرباً وأجانب.

■ كشاعر وناقد، كيف تعرّف الشعر؟ وما هي وظيفته؟ وهل يقتضي التجديد استيعاباً وفهماً كاملاً لأسرار اللغة؟
□ الشعر هو الشعر، ولا أستطيع أن أعطيك وصفاً محددا له أو إجماله بتعريف على الطريقة التقليدية. فالشعر أكبر من كل تعريف، وكل تعريف له يقصر عن الإحاطة به. وليس للشعر وظيفة محددة في رأيي، وظيفته هي أن يوجد، أن يكون، وتوظيفه لأي غاية إفساد له لأنه هو غاية في حد ذاته، أو هكذا ينبغي أن يكون. ولكنه ينطوي بدون ريب على رسالة عرضية، رسالة ثقافية في جوهرها بغض النظر عن طبيعة محمولاتها الدلالية.
أما التجديد في الشعر، وأنا أقترح هنا كلمة التحديث، فلابد له من أن ينطلق من معرفة شاملة بالشعر وأدواته الفنية وتاريخه وتداخلاته مع الأنواع الأدبية والفنية الأخرى، وتحولاته، لكي يكون التحديث واعياً ومدروساً وليس محض ادعاء. ومعرفة أسرار اللغة وفهمها هي من هذه المعرفة الشاملة وشرط من شروطها، ولعله أول الشروط، لأن الشعر لغة في نهاية الأمر.

■ ما الذي يجب توفرة في الشعر كي يكون شعراً أصيلاً؟ ما الذي يهمك من الشعر؟ وكيف تفهم القصيدة؟ وكيف تميز بين الشاعر الأصيل والشاعر المزروع؟
□ أظن أن الحديث عن الأصالة أصبح حديثاً ملتبساً يتشبث به التقليديون للانتقاص من محاولات التحديث. فالأصالة باتت تحيل إلى الماضي ومفهوماته، وأصبحت مسوغاً لتهمة جاهزة تتردد على ألسنتهم لإدانة عمليات التحديث. وفي ظني أن الأصالة هي الموهبة والمعرفة والتمكن، فكل شاعر موهوب ومثقف ومتمكن من أدوات الكتابة الشعرية هو شاعر أصيل. وكل شعر يصدر عن موهبة وثقافة وتمكن هو شعر أصيل. فالموهبة وحدها لا تكفي لكتابة شعر حديث مرموق.
أما ما يهمني من الشعر فهو أن أكتبه وأرضى عنه، وليس لي غاية من كتابته سوى الإفصاح عن نفسي وما يختلج فيها من مشاعر وأفكار في مواجهة محنة الوجود.
أما القصيدة فلم يعد في المستطاع إعطاؤها وصفاً أو تعريفاً جامعاً لها في ضوء التحولات المتسارعة في أشكال الكتابة الشعرية. فنحن نعيش اليوم في حقبة توجد فيها عدة أشكال لهذه الكتابة، ولكل شكل من هذه الأشكال قواعده الفنية وشروطه، وهذه الأشكال في حالة جدل وصراع، بعضها يأفل وبعضها ينتشر، وليس في وسعنا، موضوعياً، تقرير مصير أي منها. وبقدر ما يتعلق الأمر بقصيدتي الخاصة فأنا أحرص على أن تكون نسيجاً دلالياً وإيقاعياً متشابكاً، ومنسجماً في تفاصيله، يفضي في النهاية إلى تشكيل كلي قابل للتأويل.

■ ما علاقة النص الشعري بمرجعه الواقعي؟
□ لا انفصال بينها، لأن مرجع الشعر هو الواقع أولاً وأخيراً بما فيه الشعر السيريالي، والشعر الفانتازي. فمهما جنح الخيال بالشاعر، وابتعد به عن الواقع، أو تمرد عليه، يظل متصلاً به، لأن الخيال امتداد للواقع، وهو شكل من أشكاله، منه ينطلق وإليه يعود. هذا ما أظنه.

■ ما هي تخوم المحلية والعالمية في النص لشعري؟
□ كل نص هو محلي ضرورة، ومتى ما ارتقى في عمق تجربته، وبراعة فنه، وإنسانية آفاقه، بلغ تخوم العالمية، سواء ترجم إلى اللغات الأخرى وذاع، أم لم يترجم ولم يذع. فترجمة الشعر إلى هذه اللغة أو تلك لم تعد هي المقياس، خاصة بعد أن أصبحت العلاقات الخاصة والمنافع المتبادلة مدخلاً من مداخل الترجمة.

■ إلى أين يتجه الشعر، في ظلّ المتغيرات التي طرأت على شكل القصيدة العربية؟
□ كتبت قبل مدة ما يجيب على هذا السؤال فقلت: بعد طول متابعة وتأمل ومراجعة، صرت أرى أننا نشهد مرحلة مخاض وتحول متسارع نحو أشكال أخرى للأنواع الأدبية والفنية، أشكال لم تستقر بعد، أشكال ما زالت تتشكل، وهي تتقلب في تشكلها، تحت عنوان التجريب، وتتقلب معها الأذواق وتضطرب.
وقد تطول هذه المرحلة دون أن تستقر هذه الأشكال وتستقر معها الأّذواق، وقد تظهر أنواع أدبية وفنية جديدة ومختلفة، تصبح معها الأنواع التي نتداولها نحن اليوم تراثاً من الماضي، وزخارف من زخارفه.

■ هل التقيت بدر شاكر السياب قبيل وفاته؟ وكيف تستعيد صورة السياب بعد مضي خمسين عاماً على رحيله؟
□ لم ألتقِ بالسياب ولا بنازك الملائكة، مع الأسف. التقيت في السبعينيات بعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري ومحمود البريكان وسعدي يوسف وحسين مردان، ولكن الظروف لم تسمح لي بأن ألتقي بالسياب فقد توفي قبل أن تؤهلني الظروف للقاء به.
وإذا كان البياتي أول من كتب القصيدة العربية الحديثة في رأيي، فالسياب أهم من أنشأ معمارها وأسس عروضها وابتكر تقنياتها، وتجربته الشعرية كبيرة وغنية جديرة بالاعتزاز. ولكن قصائده تعد اليوم من «كلاسيكيات» الشعر الحديث، شئنا أم أبينا.

رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  نضال قاسم


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni