... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
ألم أقل هذا؟ وماذا يقال بعد؟

سهيل سامي نادر

تاريخ النشر       01/03/2016 06:00 AM


 أظن أن أي تحليل سياسي نقدي للحالة العراقية لن يأتي بجديد ، فقد وصلت الحالة إلى التخوم ، وما عادت هناك مسافة واسعة تفصلنا عن الهاوية ، وما عاد هناك ما يُقال إلاّ على سبيل التأكيد . فنحن إزاء انكشاف فضائحي يعترف فيه اللصوص بأنهم كذلك ، ليس عن صحو ، بل عن سفاهة وتفسخ . أكثر من هذا لم يعد السياسيون ينتجون سياسة ، بل يعيدون إنتاج أنفسهم في مرآة عاكسة : المتحاصصون ينتقدون المحاصصة ، السماسرة يصرخون ضد السمسرة ، المتآمرون يلعنون متآمرين ، كذابون  يتهمون كذابين بالكذب ، حمقى يؤشرون إلى حمقى ، وقادة يعترفون بالفشل لكنهم يمارسون السلطة بعناد ، ويُفشلون كل خطة يقوم بها غير الفاشلين بعد.

هذا ضد العقل ، ضد البداهة ، ضد الحسّ السليم . فماذا يمكن أن يقال بعد؟

لا شيء؟ إن التحليل يتوقف ، ويجب أن يتوقف ، ليحلّ محله موقف حازم .

العراق اليوم يمتلئ بالهواجس ، وبعضها آمال ناتجة عن تفسير وتأويل حركات غامضة ، وتطورات جديدة ، كما في مظاهرة الصدريين الضخمة ، وانسحاب المرجعية من المواقف السياسية ، وإشاعات عن عودة الأميركان ، وإسقاطات نفسية على بعض الترتيبات التي يتخذها العبادي، والآمال الشعبية التي تراهن على المعجزات.

 إزاءذلك يبدو أن مظاهرات أيام الجمعة المتواصلة في ساحة التحرير ، راحت ، حتى من دون تخطيط سابق ، تُنتج شكلين من العواطف : تبيع الأمل بالمجان ، لأن التحشيد المستمر يعكس وجود جماعات قادرة على النضال والطَرق على نفس الأهداف والمطالب ، ووجود سلطة حائرة تتفرج . وبالعكس قد تنمي يأسا مدفوع الثمن ، غير محسوس ، لأن حكومة الضمائر الميتة لم تحرك ساكنا ، وظلت تعمل بمعزل عن مطالبات الشارع.

والحال أنه حتى أصحاب الآمال ، وأعني بوجه خاص من يضيفون الأمل إلى أي تحليل سياسي ، أو من تأخذهم الرجفة المقدسة لمرأى الجماهير الحاشدة ويسمعون صوتها المدوي ويشعرون أن التغيير قادم لامحالة ، يتحدثون بلغة غير واثقة ، على هذا النحو : نعم .. ما تقوله صحيح .. ولكن !

ما بعد (لكن) تصوّف مازوخي ، تكريس القانع الخائف ، وما قبل (لكن) يظل الانحطاط ماكثا مع زيادة بالسفاهة والرعونة ،  أي كل ما يسبب انعدام الأمل وانسداد الأفق والشرايين . إنها دورة برغي صغير من كثر دورانه بات أملس لا يقبض على حفرته ولا تقبض حفرته عليه.

 

يكتب المحلل السياسي ويده على قلبه من انهيار مفاجئ للوضع كله ، فهو يدرك أن الوضع خطر ، والمجتمع الذي وضع كل قواه لمحاربة داعش تقوده سلطة فاشلة . هو ضد داعش بالمطلق ، لكنه لا يستطيع قبول سلطة بطيئة مضجرة فاسدة . عليه أن يسير على سراط مستقيم ، فأينما مال هناك فخ . إنه لا يستطيع في لحظة الكتابة أن يهدّ القاعدة التي ينطلق منها ، فهو ليس عدميا ، ولا انتحاريا ، ويقترب في بعض الأحيان من أخلاق مناضل يستدعي فضائل مجتمعه وجماعة مناضلين شرفاء ، ولأنه واقعي يبحث عن مصغرات متفاعلة ، وشرائح مقطعية قابلة للقياس ، أي عن واقع ، تأخذه الحيرة ، إذ لا يجد واقعا جزئيا قابلا  للقياس والفحص ، بل ما أن يكتب حتى يأتي دفعة واحدة كل الواقع الرث غير القابل للقياس ، بعتمته وهواجسه القاتلة ، كأنه صورة واحدة متكاملة من النكد والسفالة والفساد والابتذال واللصوصية. فهل يحلل هذه العناصر؟ إن المرء ليشم رائحة الخراء السياسي يلتصق بأصابعه وهو يكتب.

نحن كثيرا ما نبلع التفاصيل لأننا (في) داخلها ، بالأحرى تبتلعنا بحيث لا نشاهدها ، وحتى لو شاهدناها ، فإننا نجدها صغيرة مقارنة بشيء من حجم كبير غير محدد ، ولا نستطيع تحديده ، فنثرثر حوله . إنه خازوق لو تدرون ، لكن من يعترف أنه يجلس عليه وهو يكتب وهو يمشي وهو نائم وهو يتظاهر؟

الكاتب العراقي المليء بالخشية ، والمعبأ بتجارب الانحناء والخوف وحماس اللحظات التي يبدو فيها الأمل مثل لدغة عقرب ، المعبأ أيضا بتهميش قديم ، يردد دائما : ألم أقل هذا من قبل؟ لكنني قلت هذا من قبل!

صديق يقرأني جيدا أشار إلى أنني واصلت التمسك بتحليل أول ، وأنني لا آتي بجديد. وآخر يحييني على ما أكتب لكنه يطالبني بحلّ متوهما بأنني بوليتكنيك أو صاحب حزب . لكني أواصل النزول إلى ما أعتقد أنه أمر نسيته في زحمة ذاكرة لم يعد فيها مكان للجديد ، لأنه لا جديد حتى أمارس في ذاكرتي أو ذهني المجرد تراصفا ، وأسمح لملائكة الإصلاح الجدد مكانا فيه .

إن كل تحليل سياسي يمكن أن يخطئ في هذا الجانب أو ذاك ، يمكن أن يخطئ في التوقعات ، في نتائج تظهر من حركات غير محسوبة ، من قوى تظهر فجأة . إن الكتابة تشبه الحرب ، فكل حرب يمكن أن تكون خاسرة كليا أو جزئيا ، فهناك دائما جوانب فيها لا تُرى ، لكننا نستعد للحرب لكي نربحها على أية حال ، بصرف النظر عن لحظاتها غير المتوقعة.

كان هناك شيخ متذاكي يبشّر عشيرته بهذه الجملة الفارغة : هذه السنة سنة! فإذا ما حدثت كارثة قال: ألم اقل لكم؟ وإذا ما أعطته الحكومة حمولة طن من البنادق راح يهوّس متباهيا : ألم أقل لكم أن السنة سنة؟

ومع الفارق ها أنا أردد مثل هذا الغبي : ألم أقل لكم هذا من قبل؟

لقد قلتها مرات ومرات ، وغسلت يدي منها مرات ، وما زالت رائحته الكريهة عالقة في يدي .

إذن تصل مرحلة لا تستطيع فيها أن تكتب أكثر مما كتبت ، وتيأس أكثر مما يئست. وستكرر هذا أنت القريب من الموت على آذان تخشى سماع الحقيقة .

إذن ألم أقل لكم أن ما تسمعونه عن برامج الاصلاح بعد أن غرست شاحنة السلطة بطينها وعارها ولصوصيتها ناتج عن إفلاسها المالي وليس عن شرفها . وأن نقد المفكر علي الأديب للحالة السياسية مع مشروعه السياسي الإصلاحي جاء متأخرا جدا ، وجاء بسبب الإفلاس المالي . هذا الإفلاس هو الذي يدفع إلى الاعتراف والتسليم ، ويحوّل الكوارث إلى لغة موضوعية . إنه خدعة بقدر ما هو إفلاس أخلاقي ، فإذا ما توقعنا خيرا من خدعة فلا نلوم إلا أنفسنا . هم في قمة السلطة وينتقدون السلطة ، هم في العار ويؤشرون إلى عار الآخرين ، والأخيرون يفعلون الشيء نفسه. والعار واحد ، واللصوصية واحدة ، واللصوص معروفون ، الهاربون منهم والماكثون في شهور عسلهم التي لا تنتهي.

هناك تفصيل واحد يختلف قليلا نحو الأسوأ ، فحزب الدعوة قاد السلطة وهو يتمحل . دافع عنها وانتقدها ، امتصها بالمحاصصة ، لينتقد الأخيرة فيما هو يكرّسها . انتقد حكومة الوفاق الوطني لكنه واصل دعمها ، محطما الوفاق الطائفي المجتمعي ، فهذا من اختصاصه ، لكنه أبدا لم يستطع بناء حكومة أكثرية مثلما أراد المالكي ، لأنه لا يعرف كيف يحسبها أو يبررها داخليا ودوليا .

إزاء ذلك فإن الأقلية ، ولاسيما الجماعات الإسلامية السنية ، تعتقد أنها أكثرية سرق منها النصر ، وغالبيتها يعيد انتاج التوزيعة الطائفية في كل سلوكها ، بالتناظر مع التكتل الشيعي ، بيد أنها وهي تنتقد وتعارض لم تجرؤ على تأسيس معارضة سياسية من خارج الحكومة ، حتى لا تخسر الأسلاب التي توزعها الحكومة على المنتمين إليها . إنها فاسدة ومنافقة أيضا . إن قوميا ليبراليا مثل علاوي لم يخرج من الحكومة إلى المعارضة ، كما أن ليبراليا ذكيا ومثقفا ، مثل الجلبي ، راح يلملم ملفات الفساد كاشفا عن احتيالات السلطة وقادتها ، وهو جزء من جماعة سياسية غارقة بالفساد ، وكان أحد أركان العملية السياسية التي جعلت من الفساد ممكنا.

ما معنى هذا؟ هذا ما يجب أن أعيده مرة أخرى . لأن السلطة ، وتعبيرها العام المتجسد في النظام السياسي ، تستقل عن أولادها كقوة تنظيمية ، وأولادها السيئون يخفون ودائعهم فيها ، يختفون هم كأشخاص بحجميتها ، باستعراضاتها اليومية الغبية ، بهيمنتها المؤكدة على ما يُؤكل ويُشرب ويُوزع ويُمنع ويُعلى ويُقتل ويُسجن ويُبدد .

وثمة متلازمة مرضية بين السلطة وأولادها ،  فالسلطة التي تضفي الأهمية عليهم وتغطيهم ، يقومون هم بدورهم بتغطيتها ونقل الفساد إليها. هذه المتلازمة ظاهرة جدا في الشروط العراقية المتخلفة ، بسبب ضعف القانون ، لتظهر سافرة ومنحطة عن طريق وقاحة أخلاقية تجسدت باعتراف السلطة بأنها أطلقت 100 ألف موقوف بريء من العام السابق ، وبوقاحة نائب يعترف بأن الجميع لصوص ، وبوقاحة رئيس وزراء سابق يعترف بأن جماعة 2003 من السياسيين ، بمن فيهم هو ، فاشلون ، وعليهم مغادرة الميدان .

لكن صاحب الاعتراف  الأخير هو أكثر الأشخاص تشبثا بالسلطة ، وفي النتيجة لا أحد يغادر الميدان إلا بالفرار بالغنيمة ، أو الموت . والحل الأخير كان من نصيب المرحوم أحمد الجلبي !

-2-

  هل يحدث شيء مفاجئ يزيل هذه الغمة ؟ لا أدري . فلأن الحالة العراقية تهاجمك كلها حتى وأنت تنتقي منها موضوعا صغيرا ، فهي توهمنا بأنها منيعة مناعة الشمولي ، أو توهمنا بأن ننتظر حلا غامضا لا يعرفه أبطال الصراع الواقعيين أنفسهم ، بل يعرفه المحلل الستراتيجي الذي يمتلك اتصالات سردابية. إن اللامعقولات في الحالة العراقية تدفعنا إلى الجنون ، وتخلق إطارا لنظريات مؤامرة مشبعة بالاسقاطات النفسية . لاحظت أن البعض من الأذكياء الذين ترفض عقولهم الأوهام راحوا يربطون أحداثا متجاورة ويظنون أن لهذا التجاور معنى . لكني لا أدري حقا ، فأنا عاجز عن رؤية الدلالات لأن النتائج الكارثية التي نشاهدها توفر حقائق ، وهي على أية حال مادة الكاتب السياسي ، سواء أبدى يأسا أو تجمّل بالصبر أو بالأمل . لا بأس أن يخطئ ، لكن لا أن يتوهم ويوهم الناس.     

ما أراه أن الفاسدين يقتص منهم القانون (ما أبسط هذا!) ، لكن سلطة تُدار من فاسدين من الصعب أن نعوّل عليها في محاربة الفساد ، فكل ما تستطيعه هو أن تضحي ببضعة أكباش محارق . إن سلطة فاسدة لن تحرّم نفسها من الملذات بل ستضايق المواطنين ، إما وأنها سلطة أحاطت نفسها بالمقدسات والشرعية الانتخابية والشرطة والمسلحين والمليشيات السرية والعلنية والبخور والأدعية ، فإنها لن تمسّ زعرانها بسوء ، وحتى إذا ما تنازلت ، فهي تعرف أي "كراكيب" سوف تلقيها بالشط ، لتظهر نفسها أم التضحيات والتنازلات الوطنية. هل راجع أحد خلف تصريحات العبادي الأولى بوجود 50 ألف فضائي؟ لكن المؤكد أن الرمادي التي سقطت والقيادة بيديه كان نصف جيشه فيها غائبا ، ولا يهم إن كانوا فضائيين من كوكب زحل أو كانوا أرقاما لطمأنة القائد العام!  

لكن أليس هذا بديهيا ومجربا حتى يبدو تكراره معيبا ؟

كل ما يُقال بات لا يثير العجب لكنه يثير المتاعب للقلب . إن كمية الفساد ستحسب على المبالغ الضائعة التي لا يمكن إرجاعها (700 مليار) فهذا أفضل لإغلاق القضايا ، لإغلاق اليأس ، لإغلاق الأمل ، للنسيان ، لصنع صمت فخم يليق بهذه الدراما . لنخرج من التحليل كل هذه الضياعات والهلاكات ، لنتصور أنها دجاج نافق ، فما فائدة أن نحتفظ به ؟ لكن ما هو قابل للإستنتاج ، ويمكن إدخاله في خانة أكثر الضائعات ضياعا ، أن هذا النظام صنع شيئا لا يعرفه هو نفسه ، لا يعرف حدوده ، وحجمه ، فهو بلا معلومات ، ولا معرفة ، ولا تقاليد ، منقسم على نفسه ، وتقوده عدة مراكز بطرياركية دينية وعشائرية.

لنتأمل هذا المثال : يأمر العبادي بسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من عشائر البصرة التي باتت تحارب بعضها البعض ، لكننا نعرف أن رئيس حزبه أحد المساهمين الكبار في تسليح العشائر هناك ، كما أن علي الأديب الذي انتقد بشدة الروح العشائرية السائدة لم يشر بكلمة واحدة إلى أن مؤتمرات العشائر تجري برعاية رسمية ، وأنها الجزء (المدني الفعّال هههه) الذي يوازن الإسلام السياسي! 

سؤال : ماذا تفعل منظمات حزب الدعوة هناك؟ الجواب إنها منضوية تحت رايات عشائرها ، سواء في معاركها أو في الاعتداء على الأطباء وتهديدهم وابتزازهم ، وهذا ما تفعله جهات أخرى ، كالفضيلة ، والمجلس الأعلى ، فضلا عن أنها جميعا تمارس العبث بمصائر الناس الآمنين . وحسب معلوماتي إن أوامر العبادي لا تنفذ إلاّ في حدود معينة ، وأنه هو نفسه لا يريد أن يعرف الأسباب الحقيقية لهذه الردّة اللاحضارية في مدينة كانت في بعض المقاييس أكثر تحضرا من بغداد ، بل إنني متأكد من أنه يعلم أن الكثير من السياسيين كانوا أبطال قضايا دم واعتداءات وفصل بواسطة العشائر وليس عن طريق القانون ، فهم قادرون على الدفع من رواتبهم الخرافية أو من سرقاتهم أو بدعم من جماعاتهم السياسية – العشائرية .

إزاء ذلك هل دققت السلطة بوجود نحو العشرات من التنظيمات السياسية والرايات في الحشد الشعبي المدججة بالسلاح والتي هي عشائرية في مادتها الحقيقية ؟ إنها لا تريد ، أو هي عاجزة عن معرفة الأفق السياسي لهذه التنظيمات المتكاثرة، مفضلة أن تسمع الصراخ في آخر هذا الليل البهيم!ّ

والآن ما الذي يجعل العشائر متنمرة على هذا النحو؟ لأنها شريكة إسلاميين متنمرين ومنافقين ما زالوا يؤمنون أن الإسلام وحّد أمة كانت منقسمة في عشائر متناحرة! 

كنتُ قد وصفت الحالة العراقية كلها ، بما فيها النظام السياسي كله بالرثاثة مرة وبالهشاشة مرة . الأميركان الذين أسهموا في دفع العراق إلى ما هو عليه استخدموا الكلمة الثانية ، ولاسيما عند تعلق الأمر بالحالة الأمنية وترابطاتها السياسية ، وثمة زملاء استخدموا الأولى بطريقة موضوعية، بعد أن تفحصوا عددا كبيرا من البنى والحقول. بيد أنني أرى أن للرثاثة (والهشاشة!) العراقية ثلاثة أوجه : أولا أنها نتاج سوء تدبير سياسي وفساد شامل ، ثانيا أنها حالة يجري تكريسها واستخدامها ، ثالثا من يكرسها يخشى من نتائجها على سقوط النظام السياسي كله.

ومثلما وجدنا أن الفاسدين ينتقدون الفساد ، فسوف نرى أن من أسهم بصناعة الرثاثة/ الهشاشة يكرسها لكي يواصل استنزاف كلا الحقلين السياسي والمالي ، لكنه سيواصل النقد والابتزاز من دون أن يسجل نفسه خارج النظام السياسي . هو مستثمر، وخائف على استثماره ، بل وخائف (من) رثاثة تذهب إلى التفكك الكامل للمجتمع . إذن يجب الحفاظ عليها ، كما يجب منعها من أن تصبح كارثة ، ولاسيما بوجود تهديدات داعش.

إننا إزاء احتيالات لا تجري كلها بوعي الفاعلين وحدهم ، بل بتسهيلات نظام سياسي بلا معلومات ، وبالتساند ما بين فاسدين ونظام مخترق فاشل . إن النتيجة الأخيرة تضم جميع الملاحظات التي قدمتها في بداية هذا المقال.

وحتى تستكمل الصورة الداخلية لهذه الدراما العجيبة نفسها ، نشير إلى حصة القوى الشعبية المدنية منها التي استدخلت هذه الوضعية الرثة في وعيها السياسي كحقيقة عائدة لميزان قوى موضوعي . فبينما يقاوم النظام السياسي أي تغيير، ولاسيما إذا ما فُرض عليه من الخارج ، ويناور في الأوقات الضائعة ، ويحيل الجميع إلى عدو مشترك لم يكن هو مخلصا في الحرب ضده ، تواصل القوى الشعبية التظاهر ، ملتزمة بعمل سلمي صبور فيه خشية من رفع شعارات متطرفة ، ومن أي اندفاع غير محسوب النتائج ، في ظروف يخوض فيه البلد حربا ضد داعش.

إنه موقف أخلاقي يثير الإعجاب إزاء سلطة بلا أخلاق . هذا الموقف الحذر خدم موضوعيا آليات الجماعة السياسية الحاكمة في الحفاظ على مكاسبها ، فهي نفسها تنتقد المحاصصة والسرقة واللصوصية ، وهي نفسها تبيح لزعرانها بتحويل النقد الرصين ، والدعوة إلى التمسك بالقانون وإطلاق يده ، إلى اتهام لفظي مليء بالتهريج والرعونة.

لا أنتقد ههنا القوى الشعبية المدنية ، بل أنبهها ، فأنا أدرك مأزقها ، وموقعها الأخلاقي ، بل موقعها الرهيف من ميزان قوى ليس في مصلحتها ، لكني أدرك في الوقت نفسه مأزق الاستمرار في تحشيد لا يأتي بنتائج ، وإمكانية أن يجري إغراق التحشيدات الاسبوعية بمليونية هدفها السيكولوجي أكبر من أهدافها السياسية . أقول هذا وأنا في ذهني مصير المختار الثقفي قبل 1400 عام ، الذي تكاثرت ضده دسائس ارستقراطية الكوفة وجند مصعب ابن الزبير!   


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  سهيل سامي نادر


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni