... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  قصة قصيرة

   
قصص قصيرة

برهان المفتي

تاريخ النشر       15/05/2016 06:00 AM


الكلاب
تلك المدينة كانت تعرف بمدينة سوق الكلاب، وللدقة، فأنها سوق كلاب تحولت إلى مدينة، فالكلاب في كل مكان تزاحم الناس والطرقات وكل شيء. يأتي الناس من خارج المدينة، معظمهم لمشاهدة السوق، وقليل منهم فقط لشراء كلاب من مزاد الكلاب في  السوق.
تلك كلاب متفردة، فمن شروط الدخول في المزاد، أن تكون أفواه الكلاب فارغة من الأسنان والأنياب، ولأجل ذلك، يقوم صاحب الكلب بقلع أسنان الجراء لحظة الولادة، فتكبر الجراء وتصبح كلاباً صوتية فقط، وتلك ميزة هذه الكلاب، فهي كلاب للصوت والنباح، وأحياناً للضحك كذلك خاصة حين تنبح هذه الكلاب فتطلق أصواتاً مضحكة من أفواه لا أسنان فيها. ولذلك، كانت المدينة لا صوت فيها غير أصوات الكلاب التي تلغي أي صوت آخر، أما وجوه الناس ، فهي دهشة الزائرين ولهفة المشترين، ووجوه البائعين التي تضيع بين الكلاب في محاولات الإقناع والبيع.
كان صاحب الكلب – وهو يقوم بقلع أسنان جرائه – يضع تلك الأسنان في حاوية طينية صغيرة، ثم يذهب لدفن تلك الحاوية في مدفن يسمونه " مدفن الفعل" ، فمصدر فعل الكلاب أسنانها، كذلك كان أسم المدفن. وهكذا الحال مع كل وجبة جديدة من ولادة الجراء، في موسم تزاوج الكلاب، وتلك مواسم تتسارع أو تتباعد بحسب العرض والطلب. وكان أصحاب الكلاب يؤمنون بأن تلك الحاويات الطينية ستذوب في رطوبة تربة المدفن، تلك الرطوبة التي مصدرها بول جراء الكلاب، فالجراء تبول بشدة أثناء قلع أسنانها، فيتجمع البول في قنوات متشابكة، تلك التي تجمع البول ثم تطرحه في تربة المدفن لتبقى طرية .
تشبعت تربة المدفن بتلك الأسنان والبول، بينما الناس مستمرون في صناعة بضاعتهم...كلاب صوتية ! ولم يشعروا بمدى تشبع تربة المدفن بكل محتويات تلك الحاويات من سنين لا أحد يعرف تأريخها، فالمدينة  - السوق – كأنها نزلت هكذا من السماء أو خرجت من جوف الأرض، مدينة الصوت فقط، وأي صوت، صوت كلاب مضحكة!  وحين تشبعت تربة المدفن بكل ذلك، تصاعدت خيوط بخار البول تحت شمس السماء التي لا تشبه شمساً إلا في حرارتها، حتى كان ذلك سبباً لولادة ريح لها صوت،  سمعوا عنها في حكايا الاولين، أنها ريح تنزع التراب من الأرض، فتجمعت فوق المدفن سريعاً، وتعالى صوت تلك الريح، فزاد هيجان الكلاب وخوفها، وأرتفع نباح الكلاب الخائفة دون فعل غير زيادة في كميات البول ، وأصبحت أصواتها مضحكة أكثر فأكثر والنباح يخرج من أفواه وكلاب لا فعل فيها ولها، فهي كلاب صوتية، والريح مستمرة في نزع التراب، نزعت كل ذرة تراب من ذاك المدفن، حتى ظهر في وسط المدفن المنزوع التربة ناب عملاق، كأنهم يعرفونه، لونه ليس غريباً عنهم، ناب يشبه كل كلاب المدينة، تلك التي باعها أصحابها، وحملها المشترون خارج المدينة، وتلك التي لا زالت تنبح في المدينة دون أسنان.  غير أن لذلك الناب رائحة جذبت الكلاب الصوتية...فهي رائحتها أو رائحة بولها، فأسرعت تلعق ذلك الناب بألسنتها ، فتلك كلاب لم تكن مقيدة  ما دام لا فعل لها، حتى أحاطت بذلك الناب في عملية لعق جعل الناب يختفي وسط حشود تلك الكلاب الهائجة.
أفواه الكلاب المفتوحة تلمع الآن وتكشف عن أنياب حادة، ألوانها لون ذلك الناب الذي كان... لأول مرة صارت في المدينة كلاب لها فعل ونباح، وأنتقل الخوف من الكلاب إلى أصحابها والمزايدين والمشترين والزائرين، والريح تبتعد بصوتها بعد أن توقف بول الكلاب وأصبحت المدينة جافة، ليس فيها حبة تراب، بل كلاب مزهوة بأسنانها لأول مرة، وناس وجوههم هي الخوف ، يتصاعد نباح الكلاب، ويتداخل مع رجاء الناس تحت نار شمس لا تشبه شمساً، فعل...نباح...رجاء...فنار....على مدينة لا تراب فيها ، حتى أصبح صوت النباح هو ما يسود المدينة، تحت نار حارقة... وأختفى الرجاء كما أختفى الناب العملاق.
تلك المدينة التي كانت يزورها الناس لرؤية سوقها، لا يقترب منها أحد، فهي أرض فعل ، فيما أصبحت بين الناس حكاية لعنة الفعل !
..........................
الساعة الأولى من يوم 15 نيسان 2016


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  برهان المفتي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni