... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
راس خارج على القانون

عبدالرزاق الربيعي

تاريخ النشر       01/02/2007 06:00 AM


راس خارج على القانون
مونودراما من فصل واحد
                       
عبد الرزاق الربيعي
 
{ امرأة في الخامسة والعشرين تتزين وكأنها تنتظر رجلا ... يبدو القلق عليها تتجه بنظراتها إلى الهاتف متجاهلة الباب وكأن الهاتف هو الباب الذي سيدخل منه الرجل الذي تنتظر ... تنظر إلى الساعة ...تتكلم مع نفسها }
 

 لقد تأخر كثيرا هذه الليلة, لم يتصل , لم يخبرني بشيء , لالا علي ألا اجعل القلق يسيطر علي , وإذا ما وصل معتذرا – كعادته –في مثل هذه المناسبات  لن أسامحه أبدا...  علي أن أوقف  القلق الذي أكل سنوات عمري .. ولكنه تأخر أكثر من المعتاد ... سيأتيني بالطبع بمختلف الأعذار... الأصدقاء ...الجريدة..رغم أنني اتصلت به في مقر عمله في الجريدة , ولا جواب سوى رنين الهاتف ... سالت  أصدقاءه   أين ؟ لا يدرون ولا أنا وربما حتى هو ... ربما ذهب يبحث عن خبر شارد في هذا الليل المليء بالأسرار ؟ ولكن من لي بالخبر المختبئ في زاوية منسية مغلفة بأوراق المساء المظلم المطبق على المدينة كوحش أسطوري .. مرة قال لنا أستاذ الرسم ، في الكون مجرات وكواكب . وفي ركن من هذا الكون كوكب صغير اسمه الأرض ... ثلثا هذا الكوكب محيطات وبحار وثلثه  الآخر يابسة ...في هذا الثلث قارات سبع إحدى هذه القارات اسمها آسيا ، في قارة آسيا دول عديدة منها دولة اسمها العراق وفي العراق محافظات و واحدة منها اسمها بغداد العاصمة ، في بغداد كرخ ورصافة في الكرخ مناطق ، في منطقة من هذه المناطق بيت فيه غرف ,إحدى هذه الغرف تقبع على السطح ... في هذه الغرفة رجل يفكر في تغيير العالم ... ياه ... أتحسب أنك جرم صغير ؟ كان دائما يداري إحباطه في هذا الشطر ثم يكمله " وفيك انطوى العالم الأكبر" ... وأنا بعد كل تلك السلسلة أستبدل الرجل بامرأة تفكر في رجل يفكر في تغيير العالم ... ( تضحك بشدة ) آسفة .. يقال ليس من اللائق أن يضحك  المرء بلا سبب ولكن أنا أضحك لكل تلك الأسباب .... ولماذا لا أضحك ؟... عندما ينحدر كل شيء إلى قعر الهاوية لا يملك الإنسان إلا أن يضحك ... قرأت مرة حكاية عن الضحك ، الحكاية ليست مضحكة ، أقول هذا سلفا ، .. هل تحبون أن أقصها عليكم ؟ حسنا فأمامي وقت طويل .. ملاحظة : الوقت مشكلتي دائما لأنه طويل ...الحكاية حزينة ... حزينة لدرجة الضحك .. في إحدى الممالك القديمة قرر الملك زيادة الضرائب فاحتج الناس ... سأل الملك أعوانه عن ردود أفعالهم أجابوه ..إنهم يتظاهرون في الشوارع ، فأمر بزيادة الضرائب ثانية  وعاد يسألهم فأجابوه بأنهم جن جنونهم فأمر بزيادة الضرائب ثالثة وكرر سؤاله فأجابوه  لقد فقدوا صوابهم فقرر زيادة الضرائب رابعة وعاد يسأل عن الأحوال أجابوه : لقد بدأوا يضحكون فانتفض من عرشه وقال : حان الوقت لتقليل الضرائب فاستغرب من حوله وسألوه : لماذا ؟ فأجاب  : الآن فقط بدأت أهابهم ... قلت لكم الحكاية ليست مضحكة .. لا تنتظروا من امرأة وحيدة معزولة تنتظر رجلا مخلصا حكاية مضحكة ... ربما ضحكي يشبه ضحك الطير وهو يؤدي رقصته الأخيرة .. ها إني اصل إلى مرحلة الضحك التي وصلها شعب ذلك الملك البائس , هانحن نضحك .. نضحك .. هناك حكاية أخرى عن الضحك حكاية من  تاريخنا .. طبعا ليست مضحكة  بل حزينة  لكنني سأقصها عليكم .. تقول الحكاية إن الحجاج  ..هذا الاسم له رنين على ظهورنا أليس كذلك ؟ اشششششش  الحيطان لها آذان

والشرطة تسمع ..تسمع..تسمع  .. عن بعد ملايين الكيلومترات والآن  دعونا من هذه الاستطرادات وأصغوا لشهرزاد وهي تقص عليكم حكاية الحجاج مع  الفقيه سعيد بن جبير.... يحكى أن الحجاج سال سعيد بن جبير :

الحجاج : مالك لم تضحك قط؟

سعيد بن جبير : لم أر شيئا يضحكني

الحجاج : معقووووول ؟

سعيد بن جبير : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين ,والطين تأكله النار ؟

الحجاج : فما بالنا نضحك ؟

سعيد بن جبير : لم تستو  ِ القلوب

الحجاج :  يبدو انك لم تسمع ضرب عود وناي  أبدا...أيها الحاجب ناد عليهما ليمثلا في مجلسي وليقدما أفضل ما لديهما ,فلدينا ضيف عظيم ...

( أصوات عزف على العود والناي .... سعيد يبكي )

الحجاج : أوقفوا العزف   ,ما الذي أبكاك يا ابن جبير ؟

سعيد بن جبير : أما هذه النفخة فقد ذكرتني يوما عظيما , يوم ينفخ في الصور , وأما العود فشجرة قطعت من غير حق , وأما الأوتار , فإنها أمعاء الشاة

الحجاج : كفى ... أيها السياف ضع راس بن جبير على النطع  واقطع رأسه( سعيد بن جبير يضحك بشدة )

وظل ابن جبير يضحك من الحجاج حتى بعد موته وقيل أن ذبح ابن جبير كان نهاية الحجاج , فكلما ذهب للنوم اخذ بأذياله وقال له : فيم قتلتني ؟ فينهض فزعا ويقول : مالي ولسعيد بن جبير ؟ ولم يلبث أكثر من أربعين ليلة حتى مات الحجاج ...

قلت هذا له فقال :لكن ظلت الأرض ينجب حجاجا في كل عصر ..وتنجب ابن جبير ..قابيل وهابيل ..جلاد وضحية ..الجلاد يلوي عنق الضحية والضحية تضحك.. تضحك هههههههههه, لم َ لا ؟ ونيتشه يقول :" لقد أتيت بشريعة الضحك , فيا أيها الإنسان الأعلى تعلم كيف تضحك "  يجب أن نتعلم  فن الضحك , أن نعلم أولادنا كيف يضحكون بدون معلم , يجب أن نتعلم الضحك , مثلما نعلم الرضيع  السير على قدمين هشتين , كل أرواحنا تعاني من أورام الهشاشة , لكننا يجب أن نضحك  نضحك نضحك هههههههه لكنني  وان كان عمري ربع قرن إلا أنني للان لم أتعلم أبجدية الضحك    , ولا أجيده مثل ابن جبير  لكنني سأحسم الليلة كل تواريخ  الضحك ( يرن الهاتف ) ..ألو ...ألو ...ألو ..أف لامجيب ..منذ أن تسللت الحرارة إلى الخطوط بعد الحرب والهواتف ترن من تلقاء ذاتها ...ربما لتأكيد حضورها بعد أن صمتت لثلاثة أشهر ... اتصلت بالشكاوي ... قالوا أن الأمور طبيعية الخطوط تشترك مع بعضها والصيانة قائمة ...( تجلس جوار رقعة شطرنج ) لا يمكن أن ننسى أفضال الهاتف فهو الوسيلة الوحيدة التي تربطني بالعالم بعد أن أغلقت الأبواب والشبابيك لأتوحد مع جسدي ومع ذلك تسرب إليّ من ثقب في حائط الزمن الصلد كخيط من نور... واستقر في قلبي ...ذات ليلة عندما رن الهاتف ...كانت هناك روح في الطرف الآخر من العالم كعصفورة مبللة بالمطر والأوجاع حملتها في حضني... تلك العصفورة التائهة وأشعلت لها مدفأتي وطمأنتها وأطلقتها ثانية ولكنها عادت لتشكرني فقد عرفت عنوان قلبي الوحيد لقد احتالت علي ّدون تحسب للنوايا ... على العموم لم تزعجني ضربات أجنحتها في الجريدة وسررت جدا بمعرفتها وتملكني هوس المتابعة ووضعت أرشيفا خاصا لما تكتب ... وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث في الليالي الطويلة ..كان يدللني ويسميني الملكة ...ذات ليلة قال لي  :مولاتي هلا سمحت لي بالمثول بين يدي جلالتكم لأمر يهم المملكة ؟...حسنا ...حسنا أيها الحاجب اسمح لهذا العبد بالدخول ...قل ما لديك .. تكلم ... مولاتي صاحبة الجلالة ..سمعت أن هناك ما يعكر صفو مزاج ربة الحسن والجمال لذا أرجو أن تتقبليني خادما في قصركم الكبير ... وما هي مواهبك ؟ أجيد وظيفة واحدة ... طباخ ؟ كلا ...فأنا لا أعرف سلق بيضة .... سائق ؟ كلا فأنا منذ طفولتي كنت أحب سياقة الدراجات الهوائية وعندما كبرت اشتريت براتبي الأول دراجة ولكنني ما أن سرت بها بضعة أمتار حتى أحسست أن الأرض تتحرك تحت عجلات الدراجة ... لقد دهست طفلا ... ومن يومها أضربت عن هوايتي الوحيدة ... لا توجع دماغي بهذه الثرثرة .. إذن كناس ؟هذا شرف لا أجيده فالكناسة فن ... إذن ماذا تعمل في مملكتي ؟ عاشق ...عاشق مخلص ووفي ككلب ... ولكنها مهنة شاقة ؟ ...أعرف ..أعرف لذا ارتضيتها ...ولكن لاوقت لدي للعشق ... إنه لا يأخذ من وقت مولاتي سوى لحظات أنظر خلالها بعيني مولاتي العسليتين  وهما يقطران ألقا ً وحبا ً... وماذا بعد ؟ أزحزح عن رأس مولاتي التاج برفق ... ماذا ؟ ...لأظفر شعر مولاتي ثم أغني ... أغني حتى أطأ قدميها الصغيرتين كسمكتين في بحيرة ... ألتهمها وأضعهما على قلبي ... حسنا  حسنا عن ثرثرتك سأصدر  أمرا ملكيا بتعيينك خادما بدرجة عاشق وبأجر قدره ... قدره .. أكتفي بقبلتين واحدة في الصباح والأخرى عند المساء ... بأجر قدره قبلة واحدة نصف في الصباح ويسدد النصف الثاني عند المساء التوقيع الملكة ووقعت في حبائل صوته الهامس الدافئ الناقم على كل شيء ...أضفت ثورتي إلى ثورته وأمضينا الليالي في حوارات طويلة ...

( تجلس قرب رقعة شطرنج ) كنا نلعب الشطرنج ... كل لاعب في طرف ... الملكان لا يريان بعضهما ... البيادق لا تعرف أعداءها والنبال لا تعرف أين تقع والرخ يموت دون أن يعرف لماذا يموت ؟ والقلاع تتهدم ... والأحصنة تصهل وتسقط صريعة بلا سبب ... والرؤوس تتساقط , نعم الرؤوس بما فيها من ذكريات وأفكار وجراح , فقط نحن كنا نعرف القضية كلها وسلك الهاتف وربما عامل البدالة ...

كنت أسجل بعد كل ليلة أبرز ما يدور بيننا خذوا مثلا ً ( تفتح أحد الأدراج وتخرج دفترا ً تقرأ فيه)  في  9/5/1992. الساعة الواحدة ليلا ً قال لي : عندما ينقرض إنسان طيب فهذا  يعني حدوث كارثة في تاريخ الجنس البشري فالناس الطيبون نادرون كالأنبياء ...ا ن انقراض إنسان طيب يعني تصدعا في جدار الكون ... انطفاء نجمة .. احتراق فراشة ... جفاف نبع في صحراء قاحلة ... شارة لبدء القيامة ...

هكذا هو دائما يخاف على الطبيعة من النضوب... ربما لفرط طيبته ... مرة قال لي ...اسمحوا لي لحظة ... المكالمات كثيرة كما تعرفون .....قال لي ... أظن أن الرب عندما خلقني أحتاج إلى خدين فأخذ يبحث عنهما ولكن دون جدوى فالطين قد نفذ وعندما أبصره السيد المسيح حائرا قام بصمت وقص خديه وألصقها على خدي ... ولهذا ترينني كلما صفعني أحدهم على خدي الأيمن أدرت له خدي الأيسر ...

تنظر إلى الساعة تلقي الدفتر جانبا لقد تجاوز موعد عودته بكثير  وأنا خائفة ..خائفة .. خائفة عليه من العيون التي تتسع كلما قرأت له شيئا أستاذ ماذا تقصد بهذه الكلمة ؟ بتلك الفاصلة ؟ بهذا الرمز ؟ و...و فكيف لا أخاف عليه ؟ كيف لا أخاف عليه من الآذان التي تسمع عن بعد ملايين الكيلومترات ؟ كيف ؟ كيف ؟  لكن لا.. هو دائما يتأخر وأنا دائما لدي مساء فائض ... ماذا أفعل ؟ البيادق على أهبة الاستعداد للهجوم ... تنتظر مني إشارة الخلاص ... ولكن الملك ؟ أين الملك ؟ لا تاج ولا ملكة ولا عاشق ولا ... كل شيء حولي يذبل ... الوقت ، الجدار ، الورد المتسلق ، الدفاتر ...أنا ... كل شيء ينحدر نحو الهاوية ...لكن اشششششششش للحيطان آذان

والشرطة تسمع عن بعد ملايين الكيلومترات...

والخوف يغلف الأمكنة.. الزنازين تفتح أفواهها لالتهام الأرواح بعد أن تنزع عنها الأجساد ...وأحيانا الرؤوس ..ها إنني عدت لحكاية الرؤوس  , خصوصا أن تاريخ الضحك يقترن بتاريخ الرؤوس  في تاريخنا الذي يقطر دما والذي بدا بقطع راس الحسين بن علي , الذي حمل على رمح من كربلاء إلى بلاد الشام , وعندما رآه يزيد بن معاوية أنشد قائلا :

      لما بدت تلك الحمول وأشرقت     تلك الشموس على ربى جيزونِ

      نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح    فلقد قضيت من الغريم ديوني

لكنه لم يتمكن من الضحك من رأس الغريم فسرعان ما تساقطت رؤوس , وتمزقت خيام , وإذا برسول المختار يأتي إلى دور بني هاشم في الجزيرة صارخا

رسول المختار : أنا رسول المختار بن أبي عبيد

صوت امرأة: و ما هذا الكيس الذي تحمله؟

رسول المختار : انه راس ؟

النسوة بصوت واحد : راس من ؟

رسول المختار : انه راس عبيد الله بن زياد  ( ترتفع صوت زغاريد ) لقد تتبع المختار قتلة الحسين فقتل منهم خلقا  عظيما , وهذا راس قاتل الحسين  بن علي ( يخرج الرأس ) 

وروى بعضهم أن علي بن الحسين لم ير َضاحكا منذ قتل أبوه إلا في ذلك اليوم , كذلك ضحك الدم , ضحكت الخيام , ضحكت السيوف , ضحك المختار عندما حصد رؤوس القتلة , لكن ضحكه لم يدم طويلا , لان لم يعد يمتلك رأسا بعد حين حيث قطعه مصعب بن الزبير  في احتفال دموي , انتظروا لحظة , سأقرأ لكم صفحة قرأناها يوما ما ,أنا وهو , حين ذاك امتلأنا رعبا , وبقينا للحظات صامتين ,عيوننا مليئة بالدموع وفي قلبينا مرارة , و فجأة انفجرنا بالضحك , هل تريدون أن تضحكوا ؟ حسنا انتظروني لحظة , لابد أن أعثر على ذلك الخبر  ( تبحث ) وجدته , يقول القاضي الديار بكري المالكي الموفى سنة 966 هجرية انه " في سنة71 للهجرة هدم عبد الملك بن مروان قصر الإمارة في الكوفة وسببه أنه جلس ووضع راس مصعب  بين يديه ,

فقال له عبد الملك بن عمير : يا أمير المؤمنين

عبد الملك بن مروان : هات ما عندك ,فأنا اليوم في اسعد أوقاتي , بعد أن وضعت راس مصعب بن الزبير  على طبق , لكي يهنا الأمويون بنومهم

عبد الملك بن عمير : لا أريد أن أعكر مزاج مولاي الخليفة

عبد الملك بن مروان : كن على يقين من أن لاشيء يجعل مزاجي اليوم كدرا مادام دم هذا الرأس لم يجف بعد , هات ما عندك و لا تتردد

عبدالملك بن عمير : يا أمير المؤمنين ,  انا على العكس منك

عبدالملك بن مروان : ماذا تعني بقولك هذا ؟ هل انت غير مسرور بانتصارنا على هذا المارق ؟

عبدالملك بن عمير : لايامولاي , ولكن..

عبدالملك بن مروان : ولكن ماذا ؟ قل ولاتتردد

عبدالملك بن عمير : لم اجد في هذا المشهد مايثيرني

عبدالملك بن مروان : الم تجد في مشهد راس مصعب  الد اعدائنا على طبق مايثيرك ؟ انك تثير اعصابي بكلامك هذا

عبدالملك بن عمير : لو اصغيت الي َ قليلا لزال توترك

عبدالملك بن مروان : هيا تكلم , ستجدني مصغيا لك

عبدالملك بن عمير :  لقد تكرر هذا المشهد امامي ثلاث مرات وهذه هي المر ة الرابعة

عبدالملك بن مروان : كيف ؟ اوضح بسرعة

عبدالملك بن عمير : جلست أنا وعبيد الله بن زياد في هذا المجلس, وراس الحسين بن علي بين يديه ,

عبدالملك بن مروان : ماذا تريد أن تقول ؟

عبدالملك بن عمير : دعني أكمل يا مولاي

عبدالملك بن مروان : لك أن تكمل

عبدالملك بن عمير : ثم جلست أنا والمختار بن أبي عبيدة

أصوات من المجلس : ذلك المارق الـ ...

عبدالملك بن عمير : فإذا راس عبيد الله بن زياد بين يديه

عبدالملك بن مروان : في المجلس نفسه ؟

عبدالملك بن عمير :  نعم , في المجلس نفسه , ثم جلست أنا ومصعب هذا الذي ترون رأسه في طبق ,فإذا راس المختار بن يديه

عبدالملك بن مروان : أعوذ بالله

عبدالملك بن عمير : وها أنا أجلس مع أمير المؤمنين ,وراس مصعب بين يديه

عبدالملك بن مروان : لقد اطفات فرحتي ,  أعوذ بالله

عبدالملك بن عمير: وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شر هذا المجلس

عبدالملك بن مروان : ( يرتعد ) بل اهدموا قصر الإمارة  بمافيه

احد الجالسين : قبل أن تهدم القصر , ائذن لي يا أمير المؤمنين  أن أسال عبدالملك بن عمير سؤالا

عبدالملك : تفضل

احد الجالسين : في مهرجان الرؤوس كي استطعت أن تحافظ على موقعك نفسه من المجلس ؟

عبدالملك بن عمير : بنفس الأسلوب الذ ي جعل راسك  ملتصقا بكتفك  , وراس ابن الزبير في طبق

( يضحكون )

 لكن القصر لم تهدمه ملاحظة عبدالملك بن عمير فقط , ولاامر عبدالملك بن مروان ,   هناك راس آخر  لم يشاهده ابن عمير , لأنه القي خارج القصر , نعم خارج القصر , انه  راس مسلم بن عقيل , رسول الحسين بن علي (ع ) إلى أهل الكوفة الذي أقيد   إلى أعالي قصر الأمارة , حيث قطع رأسه , والقي  جسده من فوق القصر , مخلفا أولاده يتامى يدورون في الشوارع صائحين:

احنه أولاد مسلم والدهر خان

فكنه من السجن بالله يا سجان  ( تكرر الأغنية مثلما يغنيها –و تردد كما يرددها- أولاد مسلم في يوم عاشوراء في العزاء الحسيني ) وكان هناك من يبحث عنهما لقطع رأسيهما أيضا

وآخر مرة زرنا فيها قبة مسلم بن عقيل الذهبية التي ارتفعت إلى الأعلى , شاهدت حفرة جوار القبة الذهبية , قلت له : ما هذا المشهد الذي لا يليق بقدسية هذا المكان ؟ ضحك كثيرا وعندما سألته : لماذا تضحك من كلامي : أجاب : انظري إلى الحفرة المنخسفة في الأسفل , نظرت , قلت له : لم أجد فيها ما يثير , قال : أتعرفين ماذا كان مشيدا فوق هذه الحفرة ؟ قلت : لا , أجاب : قصر الأمارة ,الذي القي من فوقه راس مسلم بن عقيل , فحفر أهل الكوفة له قبرا  في المكان الذي سقط فيه  , وبمرور  عشرات السنين بدأت القبة ترتفع إلى الأعلى لتطاول عنان السماء  , والقصر يهوي إلى الأسفل  ..تعلو , ويهوي , تعلو , ويهوي  ... قلت له : أنت تذكرني بقبر رقية بنت الحسين الطفلة التي كان عمرها في الفاجعة خمس سنوات ,

قال لي : نعم , نعم , التي اشتاقت إلى والدها فظلت تبكي  طوال ليل السبي , فقال يزيد  وكان لا يتوقف عن الضحك :ما لهذه السبية تبكي , ؟ أجابه العسس : إنها تريد أن ترى والدها , قال : خذوا لها رأسه ,  أخذوه , وظل يضحك من بكاء الصغيرة ,وعندما رأت راس والدها   في طبق ,  والدم يرسم خطوطا سوداء على عينيه  المغمضتين للأبد , صرخت صرخة واحدة , وماتت .

 قلت له : حينها دفنوها في خربة قرب قصر يزيد .

بعد سنوات بدا الناس يزورون الضريح ويبنونه , ارتفع القبر , وتهاوى عرش يزيد , ارتفع البناء وتهاوى العرش , ارتفع , وتهاوى , ارتفع , وتهاوى ههههههه ( تضحك )

   حماقات حماقات... حماقات متفاوتة في الحجم , لكن  إيواء ذلك العصفور المبلل الثمل ... حماقة لن أغفرها لنفسي...سمعت كلمات أغنية فرنسية تقول :

كل شيء أفعله في غيابك حماقات

لقد أنزلت كل اللوحات من الحائط

وأكلت كل ما في ثلاجتك

وقلبت أشياء البيت رأساً على عقب

كان يجب أن لا تتركني وحدي

فكل ما أفعله في غيابك حماقات
حماقات... حماقات ... ربما أنت حماقة كبيرة في حياتي...مرة واحدة حلمت لكنهم قتلوا أحلامنا ... كانوا أكثر شراسة في فك أصابعنا ... كانوا أكثر ذكاء في قراءة المطر المتساقط من عيوننا على شرشف القلب لذا مزقوا أستار القلب كنت أرى آثار مراكبهم رغم دموعي ...كنت أراهم يسخرون منا ... من أصابعنا المتشابكة كغابة استوائية لم تشذب, يومها أعلن الرب مسؤوليتة عن كل شيء ... ومع ذلك فلن تكفيني اعتذارات الرب فالجثث تملأ  شوارع المدن .. خيول التتر تجر شعري إلى خارج أسوار التاريخ ...قال لي : أنا أركن أبعد من المسافة التي تمتد بين رصيف قلبي وجلنار شفتيك أبعد من قوس حاجبك وهو ينحني علي باتجاه بحر جنوني فأراك أكثر قربا من المرايا ... آه ... عندما كسروا مراياي ... تناثرت شظاياها على أرصفتهم وتحولت إلى مرايا صغيرة ما زالوا يرون فيها وجوههم بلا أقنعة ... حاولوا ولوج هذا السكون ولكنهم عند بوابته أعلنوا استسلامهم وانشغلوا بإحصاء الأخطاء الموزعة بالتساوي على جسدينا ...قلت له : أزمنة الحب غادرت الأرض وجاءت أزمنة الطاعون والجفاف ... قال لي : لنا أصابع ..قلت له : الواقع يجهض الأحلام ...لنقف مع أحلامنا ضد خناجر الواقع قال لي : لكنهم قتلوا أحلامنا ...انتزعوا أرواحها من غلاصمها ...وعندما ثقبوا أسماءنا بالطلقات انطفأ حلمه ومضى للحرب مستصحبا رفاته وتخطيطا بقلم الرصاص لوجهي وأخذت أعد الأيام ببوش الطلقات المتساقطة على رؤوسنا ...وانقطع كل شيء ...داست بلدوزراتهم أحلامي التي وقفت في مقدمة أناشيد الحرب تتحدى الرصاص ..اطمأنوا ...لم يمت في الحرب.. لا أستطيع أن أصف لكم مقدار جنوني عندما رن جرس الهاتف ذات صباح ...تحيا الحياة ...كانت هذه أولى كلماته تحيا الحياة والصباحات ، الشمس عندما تنام على أرصفة الوطن ...تحيا الأرصفة والأطفال عندما يذهبون للمدارس ...تحيا الأمهات ...بكيت قلت بصوت متكسر : تحيا ...وهلهلت ...ورأيت البيادق تقفز من رقعتها وتقبلني ..والأحصنة تصهل والقلاع ترمم تصدعات جدرانها ...ولكن عندما التقينا كانت روحه أكثر تصدعا ... حدثني عن أشياء كثيرة ..قال لي : لقد كسروا أحلامنا ... داسوا عليها ببلدوزراتهم ...شاهدت الكلاب تغرس أنيابها في أعناق رفاقي الموتى من الجوع ...وشاهدت الأحياء من رفاقي يغرسون  أنيابهم في أعناق الصراصير ليستمروا في الحياة... شاهدت أنصاف أجساد ...أرباع أرواح ... ورسائل عشق ملطخة بالدم  ومن يومها وحياتي خراب ...آه مادامت حياتك قد خربت في هذا الركن من العالم –قال كافافي-  فأينما ذهبت يلاحقك الخراب .... وهاهو الخراب يلاحق أنفاسنا .. يسحقنا .. يطوينا بعجلته ..هاهو الخراب يعجننا وفق مزاجه الشخصي  المداف بالخوف ...نعم بالخوف ..اشششششششش  

( تنشد ):

 يا قوم لا تتكلموا   إن الكلام محرم

( تحمل سيفا )

" من تكلم قطعنا رأسه ومن سكت مات غما "  قالها الحجاج قبل حكاية الضحك ( تضحك بهستيريا )

وهكذا بقينا نتحسس رؤوسنا , بين لحظة وأخرى , كان يقول لي : في أزمنة الموت الجماعي علينا أن نتحسس رؤوسنا قبل النوم , وبعده , ندهنها بالضحك ....( تضحك ), حتى لا نقع فريسة للكوابيس , وربما تمادى كابوس وترك  احدنا  بلا راس عند ذلك ماذا يقول لرجال الشرطة المنتشرين في الشوارع ,لو سألوه  : هويتك ؟ نموذج إجازتك ؟ لماذا أنت هنا ؟ على فكرة أين راسك ؟ لابد إن وجهك مشتبه به , لذا قطعت راسك لتهرب من الجريمة !! ماهذا الرنين ؟ انه ضحك .. لماذا تضحك ؟ خذوه ..إلى تحت  ..

تحت  شجرة التوت

حفرنا اسمينا

تحت الوردة

اختبأنا من الشمس

تحت القلب

وشمت اسمك

يا حبيبي

 الذي ينام هادئا

تحت الأرض

 

 

ولمفردة –تحت- عدة معان ...لكن أفزعها  ..عندما تكون على لسان شرطي..إذن سيقع المحذور... سيعلق من الأسفل ..ستدور المراوح ..ستزغرد السياط ... طراخ طراخ طراخ طراخ 

بعد ذلك ستبدأ التحقيقات 

 المحقق : أنت متهم بالضحك بلا سبب ,و بإخفاء وجهك عن العدالة 

هو :(يضحك ..يضربه الجلاد )

المحقق : هيا  تكلم دافع عن راسك

الجلاد : إن المتهم يخفي  سرا  خطيرا  بضحكه هذا , خصوصا انه بلا راس ولا وجه والوجه  مهم جدا في دولتنا , فلو  لم يعترف في التحقيقات اليومية التي يجريها رجالنا من اجل سلامة المواطن الأكبر   , فأين يصفعه الشرطي ؟ وكيف ينتزع منه اعترافاته , وكيف سيعترف وهو بلا لسان ؟ واللسان ضروري أيضا في دولتنا من اجل أن يعترف على الذين ينتشرون في كل مكان في دولتنا ويقلقون راحة المواطن الأكبر  , وكيف يسمع استفسارات رجال  شرطة المواطن الأكبر ؟ بل كيف يمكنه أن يرى  أعداء المواطن الأكبر ؟وكيف يسمع خطاباته العظيمة ؟ وإذا اخطأ بحق المواطن الأكبر ,فكيف  نعلقه على حبال المواطن الأكبر وهو بلا راس يذكر ؟؟؟ وإذا ما شاهده الآخرون واخفوا رؤوسهم مثل النعامة واكتفوا بالضحك الذي يخرج من البطون  ,فستعم الكارثة في دولة المواطن الأكبر , لذا اطلب ننزل به أقسى العقوبات

 ( المتهم يضحك )

 الشرطي :خلال تحرياتي توصلت إلى انه  ألقى رأسه في بئر احد الكوابيس ليتخلص من أفكاره السوداء القديمة  , وقد تدرب قبل ذلك على الضحك الباطني  مستعينا بخبرات أجنبية من أعداء المواطن الأكبر,

الجلاد :انه أمر خطير ,كيف يمكننا معالجته ؟

الشرطي :تركيب راس له جديد يليق بدولة المواطن الأكبر , وهو جاهز  للعملية الجراحية واثقا من براعة أطبائنا .

المحقق:لا يوجد مانع من تفصيل راس جديد للمتهم , بأفكار مناسبة لدولتنا العظيمة , دولة المواطن الأكبر .

الجلاد : لكن يجب أن نركب أولا له رأسا  مؤقتا لنقطعه, بتهمة الإصغاء إلى الأفكار المعادية

المحقق  : الأفكار المعادية ؟؟؟؟

الشرطي: نعم فلو لم يكن يصغي إلى الأفكار المعادية لدولة المواطن الأكبر لما نسي أن يدهن رأسه بالأحلام الجميلة, فصار لقمة سائغة للكوابيس و  بالنتيجة سقط رأسه في بئر احدها !!

الجلاد :ومن يدري قد يكون فقد أذنه في ساحة عدم إطاعة أوامر الحرب , وربما وربما

المحقق: ومن أين نأتي بالرأس المؤقت  ؟

الجلاد: من بئر احد الكوابيس , فتشوها حتما ستجدون واحدا منها

المحقق : وكيف نخلصه من هذه العادة الذميمة اعني  الضحك الباطني ؟

الجلاد : نبقر بطنه 

المحقق: وماذا لو مات ؟

الجلاد: نكون قد تخلصنا من احد المعادين 

الشرطي: إنها فكرة هائلة ,

المحقق :إذن أين الأدوات , علينا أن نتم عملنا بسرعة

(  يجلس المتهم على كرسي حلاقة /يرتدي المحقق  ثوب طبيب , وكذلك الجلاد والشرطي / صراخ /  ظلام / يعود الضوء تدريجيا  /يخلع الطبيب ثوبه /يعود إلى دوره كمحقق)

المحقق :  نعيما

هو: اشعر بآلام شديدة في راسي , أريد براسيتول

المحقق : انه صداع وطني ليس إلا ,

الشرطي :أو ما يسمى بآلام الشفاء

هو: اشعر بخفة في راسي

المحقق : نعم , فلقد عوضناك عن   ذلك الرأس الذي  كان مملوءا بالأفكار السوداء

الجلاد : الهدامة

الشرطي : المريضة

المحقق : قد تشعر في الأيام الأولى بالوحشة لان ملامحك لم تعد السابقة , لكن نعدك بعملية تجميلية لأنك أصبحت مواطنا صالحا , ولك حقوق في دولة المواطن الأكبر

هو: وكيف سيتعرف علي أهلي وأصدقائي؟

المحقق : لا توجد أية مشكلة , سنغير صورتك في رؤوسهم

الجلاد :  لا تكثر من الأسئلة ,لقد  وضعنا لك رأسا جديدا تعويضا عن راسك السابق  ,

الشرطي : لا تكبر الموضوع ,  لا نسمح لأي مواطن أن يكون بيننا بدون راس

هو : ماذا فعلتم بالضبط؟

المحقق : زرعنا لك رأسا ممتازا يليق بمواطن صالح

هو : وإذا عثرت على راسي  الذي ضاع مني في احد الكوابيس  , هل أستطيع الاحتفاظ به للذكرى؟

الشرطي : احترازا يجب أن تسلمه لنا  , فنكتب  عليه ( ملغى ) مثلما نفعل في جوازات السفر, وعليك أن تنشر إعلانا في الصحف الرسمية

الجلاد : فقدان راس مواطن

هو : إني المواطن فلان بن فلان الفلاني أعلن عن فقدان  َ راسي الشخصي  , ذات كابوس  , العلامات الفارقة : كدمة في الجانب الأيسر اثر  هراوة بوليسية , صفعة مؤلمة على الخد الأيمن , قطع  في  الأذن اليسرى

الشرطي : هذا لا يكفي , يجب عليك   أن تكتب إقرارا بتسليمه إلى الجهات المسؤولة عند العثور عليه 

هو : ماذا اكتب في الإقرار؟

الشرطي : اكتب أنا الموقع أدناه أقر بأنني  سأسلم راسي الشخصي حال عثوري عليه , وإذا عثر عليه بحوزتي تترتب علي َكل  قوانين العقوبات  المنصوص عليها في معاقبة  كل من يتستر على راس خارج على القانون 

المتهم : لن أوقع على تسليم راسي الشخصي

المحقق : يبدو انك عنيد إلى ابعد حد

الشرطي : هذا عصيان

الجلاد : انه يهين القانون الذي وضعه المواطن الأكبر

الشرطي : هذا يعني انه يتجرا على شخص المواطن الأكبر

المحقق : استنفذنا كل الوسائل معه

الشرطي : علينا أن نطبق القانون عليه

الجلاد : يداي تحكانني

المحقق : هيئ  سيفك

الجلاد : أنا جاهز

(المتهم يضحك  بصوت عال جدا ,يشهر  الجلاد سيفه يهوي به على عنقه ,يخفت الضحك تدريجيا )

 ( طرقات على الباب , تفيق الزوجة من النوم بذعر )

الزوجة : من ؟ لابد انك جئت أخيرا , لقد تأخرت كثيرا كثيرا, لن  

                أسامحك

( صوت أجش من الخارج )

الصوت : افتحي , لامكان لأعداء المواطن الأكبر في وطننا  , لامكان للمخربين , المتآمرين , الجواسيس , لامكان للرؤوس

                 العفنة

( الزوجة تلتف على نفسها من الخوف .. صوت تكسر زجاج  النافذة .. يتدحرج راس على أرضية المسرح قرب الزوجة التي تستسلم للضحك ...ظلام ...يسدل الستار)

 

عبدالرزاق الربيعي

انتهت في 29/5/2003 مسقط


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عبدالرزاق الربيعي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni