... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
تبني القصيدة المغناة في خطاب الفضائيات العربية الغنائية

د.فائز الحمداني

تاريخ النشر       05/09/2007 06:00 AM


عاتب احدهم الشاعر بشار بن برد على قوله

رباب ربة البيت تصب الخل في الزيت

لها تسع دجاجات وديك حسن الصوت

قائلا له كيف يمكن ان ينظم مثل هذه الابيات وهو شاعر الخلفاء فاجابه بشار ان هذين البيتين عند جاريته رباب اجود من قول امرئ القيس (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)

يمثل ذلك اشارة على ان نجاح أي خطاب في الوصول الى مبتغاه يكون من خلال تبني الاسلوب المناسب والمتقبل من قبل من يوجه اليه الخطاب

وهو الامر الذي جعل بشار بن برد ينظر الى الخطاب الشعري نظرة نسبية فما يناسب ذائقة الخليفة والخاصة لا يناسب بالضرورة ذوق عامة الجمهور. لقد غابت هذه الحقيقة عن وعي الكثيرين في الوقت الحاضر مما ك

يؤدي تبني نزار قباني للغة الشعرية البسيطة دورا بارزا في وصوله الى وعي الشباب من الجنسين وهم يمثلون الجمهور الاكبر من متابعي الفضائيات بالاضافة الى تبنيه الاشارة لما هو مسكوت عنه في اهم هواجس المتلقي العربي وهو الصراحة في خطاب الحب والسياسة يضاف الى كل ذلك شاعرية فذة وقدرة على الوصول الى اعماق الشاب والفتاة بلغة تدخل القلوب بلا استئذان كما يقال هذا من جانب من جانب اخر اتيح لنص نزار قباني تبني لحني وغنائي عبر واحد من اهم الاصوات الغنائية العربية في الوقت الحاضر وهو كاظم الساهر الذي وجدت رومانسيته المكبوته وطموحه اللحني والغنائي الجاد، في شعر نزار قباني الوسيلة الافضل للتعبير عنها.

ولكن السؤال الاهم هنا لماذا ابتعدت اللغة العربية بجمالياتها عن ذائقة الشباب الى درجة اصبح فيها تبني الفضائيات للقصيدة المغناة امرا يدعو للتساؤل؟ لقد ساهمت عوامل متعددة على هذه القطيعة بين الشباب وبين لغة القرآن الكريم ومن ابرزها غياب المناهج الدراسية القادرة على جذب اهتمام الشباب منذ نعومة اظفارهم الى جماليات هذه اللغة وحتى مراحل متقدمة في الدراسة الجامعية مما اصابهم بخيبة امل تجاه لغتهم فابتعدواعنها مرغمين ورغم استمرار تدني المستوى الدراسي في اللغة العربية وتفشي الجهل المقنع بها لم تحاول الهيئات والمؤسسات المسؤولة ان تتخلى عن خطابها العقيم وظلت تحقن الشباب والطلبة بكل ما يعمق الفجوة بينهم وبين لغتهم.

من المعروف ان أي ظاهرة لا يمكن ان تبرز ما لم تتظافر على ظهورها عوامل متعددة وهذه العوامل وان اختلفت في مستوى تاثيرها فلا بد لها ان تجتمع لتتحقق الظاهرة والظاهرة التي نحن بصددها الان هي ظاهرة نجاح القصيدة المغناة والمتمثلة بنموذج الشاعر نزار قباني في كسر سيطرة اللهجات المحلية على خطاب الفضائيات العربية

مع ذلك فقد نجح نزار قباني ومن قبله احمد رامي في مصالحة الذائقة العربية الشبابية مع العربية الفصيحة وهي ظاهرة جديرة بان يسلط عليها الضوء لاهميتها في اعادة تجديد الصلة بين الشباب العربي ولغتهم من خلال الفضائيات التي يمكن ان تلعب دورا رئيسيا في هذا الجانب

لقد هيا ذلك لاغان مثل مدرسة الحب وزيديني عشقا وانا وليلى ان تتسيد شاشات الفضائيات الغنائية وتصبح من الاغاني الاكثر طلبا على شاشات الغنائيات وخشبات المسارح وتفاعل معها الشباب العربي بشكل مشجع مما دفع كاظم الساهر الى المضي قدما في تكريس القصيدة المغناة في شعره مستعينا باكبر قدر متاح من النصوص لنزار قباني وبقية الشعراء الذين يشترك خطابهم بسهولة اللغة والطاقة العاطفية الفياضة التي وجدت في رومانسية الروح اللحنية لدى كاظم الحاضنة الامثل لولادة نموذج غنائي متميز.

لقد ادرك بشار بن برد ان الشعر الذي يطرب الخلفاء وحاشيتهم لا يتناسب مع ذائقة جاريته ولذا فهو لا يعتذر عنه ويجد في نسبية الذائقة مبررا لتعدد مستوى الخطاب الشعري. ان هذه الحقيقة يستوعبها فانتهى بواقع اللغة العربية الان الى قطيعة مخيفة مع الذائقة الشبابية في عموم الوطن العربي مما دعى لان تصبح الاغنية العربية في معظم نماذجها تبتعد عن اللهجة العربية الفصيحة بسبب هذه القطيعة

ان نجاح القصيدة المغناة في استقطاب شباب ومتابعي الفضائيات دليل على ان سبب القطيعة لا يعود اليهم ولكن الى فشل المؤسسات التربوية في البلدان العربية في تقريب اللغة العربية الى وعي ومشاعر الفتية والفتيات وما زالت هذه المؤسسات غائبة عن دائرة اهتمام هذه الشريحة المهمة وتمارس ارهابا تعليميا يساهم في تكريس الجهل باللغة العربية

ان الاستماع الى الشباب وهم يرددون قصائد نزار قباني بالحان كاظم الساهر وغيره من المطربين وبلغة عربية سليمة وبحب يجعلنا ندرك تمام الادراك الى ان مشكلة اللغة العربية مع الشباب العربي ليست مشكلة جيل وانما مشكلة مؤسسات فشلت في تبني خطاب قادر على الوصول اليهم وعجزت عن ادراك ما ادركه بشار بن برد منذ نيف والف سنة!


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  د.فائز الحمداني


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni