... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  أخبار و متابعات

   
العراق الامريكي لحسن علوي

عمار البغدادي

تاريخ النشر       12/02/2007 06:00 AM


الإهـــــداء

إلى بدر..

شقيقي الأصغر. المجهول المتواري في معتكف المنـزل.

إليه في غربة القبر بعد أن أمضى في غربة الحياة ثلاثة وعشرين عاماً رهين الحفرة.

إليه وحده يدفع في سره ثمن بقائنا أعلاماً في المنفى نقارع المنظمة السرية. إنه وحده المنفي الحقيقي مقابل الظهور العلني لأشقائه الثلاثة كاظم وهادي وحسن.

إلى بدر.. الذي خرج إلى النور في مفتتح العراق الأمريكي وعاد إلى الظلمة.

إلى بدر الذي أمضيت معه أسبوعاً لم أشبع عيني من تأمل جسده ذائباً في قرارة الرعب.

أقول هل ترفع هذه الكلمات عني شبح الشعور بالذنب عندما غادرت العراق وتركت شقيقي الأصغر بلا زوجة ولا طفل مع شقيقتيه عاجزين عن مواجهة الرعب 

اليومي فرحلت مليكة قبل أن ألتقيها.. وأنتظر بدر عودتي ليرحل..

حسن ..

أربيل 15/6/2005
 
الـعــلـوي وكتــــابه

بعد أن أملى عليّ كلمات كتابه الأخيرة أشار ـ  وكأنه يخبرني بما سيقع في المستقبل من أحداث ووقائع وتطورات دراماتيكية عاصفة ـ أن اجتياح لبنان ومن ثم  خروج القوات الإسرائيلية من العاصمة بيروت عام 1982، هو آخر الاجتياحات الإسرائيلية للحدود العربية، وأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي إن تم وأرجو له أن  يتم سيذيب في عقيدة سياسييها المدنيين وجنرالات عسكرها الطورانيين نزعة التوسع على حساب الوجود القومي العربي، وسيحول تركيا إلى دولة قريبة في شعورها  من هموم ومشاعر العالم العربي، بعد غربة امتدت لأكثر من ثمانين عاماً، أي بعد قيام الدولة العلمانية الأتاتوركية عام 1923. إن انضمامها سيهذب روحها الطورانية،  ويجعلها أكثر اقتراباً من نبض الشعوب العربية.

العلوي في كتابه (العراق الأميركي)، يذكّر كل المساحات والساحات والقراء، بالمفاهيم التي أشاعها قبل أكثر من ربع قرن، وتحولت إلى قواعد متداولة في الفكر  السياسي العربي والعراقي على وجه التحديد، وكذلك بالتنبؤات التي أطلقها قبل أن تدهم القوات الأميركية (أسوار بغداد) وتطيح بعرش دولة المنظمة السرية، عبر كتبه  سواء في دولة المنظمة السرية، أو في كتابه الشيعة والدولة القومية في العراق، الذي وصلت إيراداته في الأسواق العربية والأجنبية إلى ربع مليون دولار، أو كتابه  دولة الإستعارة القومية، أو التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي.

فقد تنبأ بانهيار الجيش العراقي مثلما حدث في 9 نيسان 2003 وسقوط الدولة القومية لحساب وطنية السلطة، وتحول الجيش العراقي الذي بني أساساً على العقيدة  الأحادية والدفاع عن دولة المستوطنين إلى جيش متطوعين، واختفاء إلزامية التجنيد، مثلما أكد أن السيادة للإنسان وقيم بقاءه لا للتراب. وفي العراق الأميركي كما يقول العلوي، تختفي قومية السلطة لصالح وطنيتها، حيث تبدو صورتها أقرب إلى الطريق العام الأخضر المحاذي لنهر دجلة، إذ لا يمر المّار بمحاذاته حتى تسقط عيونه 

على تنوع فريد من النخيل الممتد من أول النهر، عابراً مساحات من الخضرة التي تسر الروح ولا تبعث على الملل الذي يصدم الذاكرة، وهي تمر على عواصم ليست  بعيدة عن مآذن بغداد العباسية وروح القباب المتوهجة على ضفافها.

بهذا التحول أمكن للطالباني الكردي القادم من الأغوار العميقة وصخور الجبل، أن يكون رئيس جمهورية السلطة الوطنية ولعبد العزيز الحكيم الشيعي العربي أن يكون  زعيم أول أغلبية برلمانية يشهدها العراق منذ فجر تاريخه الحديث، بعد أن كان المجلس النيابي أو الوطني لاحقاً، غرفة مستأجرة لبواب سكرتير المشروع القومي القابع بسوداويته القاسية ونظرته الحادة خلف قطع الكونكريت المسلح الذي يحوط مباني القصر الجمهوري، وبيوت الرجال السريين السابقين في المنطقة الخضراء.

لقد بشر حسن العلوي برئاسة الطالباني قبل أن يكون للعراق الحالي شأن يذكر في أولويات الإدارة الأميركية، أيام كان الملف العراقي جثة هامدة في أدراج السياسة  الأميركية بزعامة الديمقراطي بيل كلينتون، لا يكاد يتحرك خطوة باتجاه الفاعلية والنهوض والحركة المفترضة، حتى يشهد موتاً آخر في ادراج الإدارة الأميركية، لا  يقل مهابة عن موته السابق. لقد أراد الأستاذ أن يؤكد لقراءه حقيقة واحدة أساسية، هي أن العراق ـ هذا البلد الذي نشأت بعض أجزاء جغرافيته في (أحضانستان) كما  يسميها في الكتاب، سيشهد ولادة تجربة ليبرالية ديمقراطية، تخرجه من ظلامية المشروع القومي إلى رحاب تجربة في المدنية والحقوق السياسية وبناء الدولة تمتد 

لأكثر من ثلاثمئة سنة، هي حصيلة التجارب السياسية الإنسانية الديمقراطية. ولا عجب أن يتخذ الأميركيون اليوم، ومعهم عدد من المسؤولين العراقيين من المنطقة  الخضراء مكاناً لهم ومركزاً لأهم التجمعات السكانية المهمة في بغداد. ذلك لأن بغداد وهي المدينة الخضراء بتراثها الحضاري وقيمها المعرفية لن تنطفئ شعلة الحيوية  في عيون سكنتها، مهما اشتدت عاديات التحدي ومهما إغبر فضائها بتراب الموتى وشوهت السكاكين بعض ملامحها.

حاول الأستاذ، ونجح في محاولة وضع الإصبع على دُمّلة أزمة العراق التاريخية المتمثلة بحرمان الأغلبية من التمتع بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية  والاقتصادية، أو ما يسمى بالحقوق المدنية، ويؤكد في هذا الصدد، أن الأغلبية في العراق الأميركي، لن تكون محكومة بعد انهيار السلطة الأحادية في وقت كان العلوي، قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، يدعو قادة الأغلبية العربية المضطهدة، إلى رفض التصرف في المحافل والعواصم والمؤتمرات واللقاءات السياسية وأمام المسؤولين والقادة العرب ومستشاريهم، بوصفهم من أبناء المذهب المحكوم، لأنهم وإن كانت سلطة المستوطنين تتعامل معهم وفق هذه القاعدة لكنهم في المعارضة لا بد أن يتعاملوا 

مع العالم باعتبارهم قادة المذهب الحاكم.

العلوي في كتابه (العراق الأميركي) يلخص فهمه الاستراتيجي لعنوان كتابه، بعد أن سألته عن مغزى العنوان ودوافع التسمية، أن العراق مر بأطوار عديدة في تاريخه  ساهمت في إنتاج مراحل مهمة من حياته السياسية والإنسانية، وشكلت تلك الأطوار حدوده ووجوده وموقعه في الجغرافية الدولية، وأفاضت عليه من سماتها السياسية الكثير، فهناك العراق البابلي والعراق السومري والعراق الأموي والعراق العباسي والعراق العثماني والعراق الملكي واليوم وبعد دخول القوات الأميركية بغداد، هناك العراق الأميركي. إن عراقاً كهذا الذي يتشكل الآن لن يكون مرتعاً لغربان القرى، الوافدين من الأغوار البعيدة. لن يكون مستوطنة محتلة، تتقاذفها السياسات الطائشة،  والحروب والمقابر الجماعية، وامتيازات رجال المنظمة السرية.

العلوي الذي يكشف في كتابه عن جانب مهم من لقاءات ومشاورات وحوارات طويلة وجهود سنوات مضنية من العمل والإسهام بإنجاز مهمة الخلاص من نظام الرعب السابق، يكشف أيضاً عن نقاط خلاف وتوافق واصطدام رؤى وقناعات مع رجال العراق الأميركي، ومع شخصيات نافذة في السياسة الدولية، فقد كان يرى أن بعض تلك السياسات سائرة باتجاه تحطيم النموذج، ونسف جهود سنوات طويلة من الكفاح الوطني، لكنه عاصر من موقع والفاعل والمؤسس مراحل مهمة من مسيرة الحالة  الوطنية العراقية، أوضح في الكتاب ـ ولأول مرة ـ أنه كان في كثير من مراحلها في موقع القلب كفكرة تشكيل المؤتمر الوطني العراقي الذي اعتمد مؤسسوه على 

نظام الدوائر، كما كان يعتقد العلوي في إطار رؤيته السياسية لإيجاد مشروع وطني حاضن، لكافة تجليات وأحزاب ما سمي سابقاً بـ المعارضة العراقية.

كل الذين يعرفون حسن العلوي يقولون أن الرجل وفي نهاية كل كتاب يصدره يبقي دائماً ثمالة في كأسه المترعة بالجديد، فالذين تصوّروا أنه فرغ من معالجة المسالة  الطائفية في كتاب الشيعة والدولة القومية، فوجئوا به يجدد مبناها ويوسع دائرة النقاش بتفاصيلها، ويعطيها نكهة مختلفة في الأسلوب والمعالجة في كتابه «بقية الصوت»، والعلوي يعد بحق مكتشف هذه العقدة التاريخية وإشكاليتها في السلطة القومية وحكوماتها المتعاقبة.

حسن العلوي، الذي يشرفني أن أكون محاوره طيلة رحلة ممتعة في كتابه الشيق، «العراق الأميركي» عبر سفر خضناه سوية في معتكفه، رجل لا ينتهي، وبالتالي  فالكتاب بأسئلته المختلفة وبالإجابات التي قدمها الأستاذ يمثل محطة مهمة من محطات الفكر الاستراتيجي للرجل والتقاطة عميقة لحال العراق الحالي وامتداداً لرؤية  سياسية متجددة دائماً يتبعها بالمزيد من التواصل في سياق مشروعه الخاص الذي أثار ويثير باستمرار جدلاً واسعاً ومفيداً في الأوساط العراقية والعربية.

الشــيـعـة وأبـو حـنـيـفــة

س : في حوارك السابق مع الصحفي العراقي عدنان العبيدي وقد شاركت في كتابة جوانب من فصوله حيث أشرت بود ومحبة بالغة لأبي حنيفة ما دوافع هذا الحب؟

ج : كعراقي أنتمي إلى التشيع لم أر حتى الآن سبباً لمناوئة التشيع لإمام لم يناوئ التشيع في أي سطر أملاه علي تلامذته وأتباعه. ولم أر فقيهاً أو مثقفاً يملك خصائص أبي حنيفة وقد جعل للمثقف سلطة أكبر من دائرة السلطان ولم يقترب من حاكم ولم ينحن لظالم ولم يعترف بدولة مغتصبة. وهو في الفقه إمام الحرية والتسامح، وكانت  حياته نموذجاً متقدماً لحياة فقهاء ومتسامحين عشنا جانباً من أعمارهم كالإمام أمجد الزهاوي والإمام محمد الحسين كاشف الغطاء والإمام السيستاني آخرهم.

س : ما الذي يميز السيستاني عن الفقهاء الآخرين؟

ج : السيستاني ظاهرة في الفقه الشيعي تقترب من ظاهرة الشريف المرتضى والشريف الرضي بقدر ما يبتعد عن الخط العام للفقه الشيعي الثوري. وهو أيضاً يبتعد عن  مدرسة الإمام الخميني التي تدعو لسلطة الفقيه المباشرة بقدر ما تقترب من فقه الإمام السني الشيخ محمد عبده والشيخ السني عبد الرحمن الكواكبي في علاقة الدولة بالدين.

س : ما قصدك، ما الذي استوقفك بالكواكبي ومحمد عبده؟

ج : هؤلاء فقهاء وأئمة وعلماء دين لكن لا يطالبون بإقامة دولة إسلامية يحكمها حاكم إسلامي، بل يتركون الأمر لصناديق الاقتراع ودولة حديثة لا تخالف أسسها الدستورية أسس الإسلام وقواعده الشرعية.

الشيخ الكواكبي يدافع عن المسلم السني والمسيحي والصابئي بنفس مجرد واحد.  

هو أيضاً وريث الملا كاظم الخراساني في الدعوة المشروطة (الحياة الدستورية) وإقصاء الدكتاتورية عن الإسلام.

العـــراك الإعـــلامي

س : الناس تتسائل وأنا منهم. لماذا لم تساهم بالنشاط الإعلامي والانتخابي في العراق وبقيت بعيداً عن المعترك الذي كنت دائماً من حملة ألويته؟

ج : ربما لأنني لا أملك شجاعة هؤلاء الذين تصدوا للعمل في هذه الفترة العصيبة. أو ربما لشعور بأنني أديت دوراً في التصدي للنظام السابق لم يُنافسني عليه لا أشخاص  ولا مؤسسات أو لحاجة هذه المرحلة لوظيفة المراقب العام الذي يبدو بعيداً وهو في لجّ الحدث فإنا لم ألق سلاحي ولم أعتكف وما زلت أمارس دوراً من خلال خطوط  ووسائل وأحاديث ساخنة قد لا يتوفر لها إلا من يقف مثل موقفي المحايد. فأنا أكتب واقترح واعترض وأنصح وأرفض وأقبل أموراً تصل إلى أصدقائي كالرئيس  مسعود البارزاني والرئيس جلال الطالباني والرئيس اياد علاوي والدكتور أحمد الجلبي وزعيم الأغلبية البرلمانية عبد العزيز الحكيم ونائب الرئيس عادل عبد المهدي  وهناك جانب آخر متصل بأصدقائي الذين ما زالوا معارضين من العراقيين والعرب وقد يظهر خبر أو رأي أو موقف أنا كاتبه في جريدة أو مجلة عربية أو حديث  تلفزيوني لأحد الأصدقاء وعلى لسان زملائي الذين ما زالوا في المعارضة.

س : هل ندخل دائرة كشف الأسماء. فقد سميت أصدقائك من زعماء النظام الجديد بينما أحجمت عن ذكر أصدقائك العرب والعراقيين؟

ج : من يتابع مقابلاتي التلفزيونية (وأنت واحد منهم) ربما يعرف معظم هذه الأسماء. فليست لي اتصالات سرية محرّمة.

إن مساحتي الاجتماعية بسبب طول التجربة اتسعت لصداقات ثنائية لكن أصدقائي قد لا يكونون أصدقاء مع بعضهم فربما يكون أحدهم خصماً للآخر. 

فأنا مثلاً أشرف على جريدة المؤتمر واسعة الانتشار في لندن أيام المعارضة إلى جانب إياد علاوي وأحمد الجلبي والشريف علي بن الحسين وممثلي الأحزاب الكردية  والإسلامية لكن صلتي بأصدقائي الإسلاميين العرب والعراقيين بقيت مستمرة ولم تنقطع ومن أحب أصدقائي عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي  ومنزلته لا تقل عندي عن منزلة خصمه اللدود الصديق الكويتي فؤاد الهاشم صاحب أجمل عمود ساخر في الصحافة العربية. وعلاقتي لم تنقطع مع أي صديق بعد  سقوط صدام ممن عارضوا الاحتلال الأمريكي بشراسة كالصديق الشجاع حسن صبرا والصديق الحكيم طلال سلمان وكوني جزءً من النظام الجديد الذي خاصم 

أصدقائي القدماء وما زالوا أمثال محمد المسفر وهارون محمد.

وكما أني صديق لجميع وزراء الإعلام السوريين فإن علاقتي بأحمد الجار الله وجريدته لم تنقطع ولي فيها حتى الآن صولات وجولات.

لست بعد خمسين عاماً من التجربة السياسية والثقافية والإعلامية تابعاً لمتبوع وهناك متسع لمن يريد أن يكون من أتباعي.

س : بحكم مزاملتي لك يزورك صحفيون ومثقفون وباحثون أجانب أرغب في التوقف عند جانب من هذه اللقاءات؟

حجم العلوي في المعارضة لم يكن حجمه في السلطة وإذا ما تسمى الآن سفيراً فأنا أشهد (عمار البغدادي) حيث مازلت معك في سوريا أنك تؤدي أموراً في المعارضة  للعراقيين ما لم يؤده غيرك. هل وجودك سفيراً جزءً من العزلة والاعتكاف أو التمرد.؟ خصوصاً وأن الرئيس الراحل حافظ الأسد وفّر لك ما لم يوفره لأهم وزرائه.

ج : سألني الشريف الحسين بن علي والد الشريف علي بن الحسين رئيس الحركة الدستورية ألا يمكن أن يكون المثقف حراً؟

فأجبته: يمكن أن يكون حراً لكن ليس حراً خالصاً إذا كان هذا المثقف خارج بلاده ومطارداً من سلطته لأنه سيخضع لأكثر من سلطة تفرضها عليه طبيعة الحياة وأولها  وأشقاها سلطة دفتر الإقامة وسلطة دفتر السفر وسلطة دفتر المدرسة (مدرسة الأبناء) وسلطة السكن وسلطة حمايتك من العدوان وعليك كمثقف أن تراعي هذه الجوانب، وعندما تراعي بعضاً منها فإنك تفقد بعضاً من حريتك.

الآن وقد انتهت تلك السلطات جميعاً.. هل تريد مني أن أعود إليها أم أتمتع بحقي السيادي وامتلاك جميع هذه السلطات التي تمتحن الحرية. أنا أحد بناة هذا النظام  ولست ضيف شرف عليه.

س : لكن وظيفتك الجديدة تتعارض مع ما تنشد من حرية وتطلعات في مراقبة الوضع العام؟

ج : كان الشاعر العراقي عبد الغفار الأخرس (عاش في القرن التاسع عشر) يشكو من حبسة في لسانه فأشار إليه أحد أصدقائه بالسفر  إلى الهند حيث يوجد أطباء  بريطانيون يمكن لهم إجراء عملية لإزالة هذه الحبسة. فسألهم:

وهل هناك من أخطار على حياتي قالوا له: نعم

قال: أنا لا أبيع كلي ببعضي

س : وأنا الآن أردد كلمة الأخرس وأسألك من هو الأقدم والأصعب والأكثر عرقاً وجهداً.. لقب الكاتب الذي رعيته ورعاني خمسين عاماً أم لقب الوظيفة الذي التحق بي قبل أشهر.. كيف أستبدل كلي ببعضي؟

ج : ولهذا اشترط على الإعلاميين الذين يتحدثون معي أن لا يشيروا إلى موقعي الوظيفي. ويكفيني قناعة أن هذا اللقب المؤقت قد يزول عن صاحبه أسوة بما هو أكبر منه  من ألقاب فيقال الملك السابق والرئيس السابق والسفير السابق.

فهل سمعت أحداً يقول الكاتب السابق أو الشاعر السابق وقد مضى ألف عام على الجاحظ والمتنبي وأبو العلاء وألف وخمسمائة عام على امرؤ القيس ولم يصبح لحد الآن سابقاً فما زال الشاعر امرؤ القيس زميل الطلاب على مقاعد المدرسة.

واسمح لي بالعودة إلى سؤالك مرة أخرى فالدبلوماسيون في العالم الديمقراطي يختلفون في وظائفهم وصلاحياتهم عن الدبلوماسيين في الدول الشمولية والدكتاتورية التي  كما تحرم على مواطنيها التفكير والحديث فإنها تحرم على موظفيها حق التفكير والكتابة، وتحصر ذلك بما يسمى المركز، والمركز يستقي صلاحياته من مركز المخابرات، فلا سفير يحاضر، ولا سفير يناقش بندوة تلفزيونية، إلا بما يلقنه به المركز، لكننا في العراق الأمريكي  شيء آخر، فنحن ننتمي إلى المدرسة الليبرالية الحرة، حيث تفتخر الخارجية بسفرائها المبدعين، فترسل فرنسا أفضل شعرائها ليكونوا سفراء لا ليلجموا عن الشعر والكلام. وحتى في دول عربية محافظة كالسعودية،

فإن الشاعر الأديب الكبير غازي القصيبي قد ملأ صالات لندن الثقافية والأدبية بحضوره الذي طغى على لقب السفير، وبدأ الناس يتعرفون على السفارة بالشاعر الكبير وليس بكاتب التقارير، وحتى هذه اللحظة فهناك دبلوماسي سعودي يدعى جمال خاشقجي يسأل ويجيب في أجهزة الإعلام العالمي بشكل شبه يومي وبما يراه مقنعاً.

إن تغيير النظام، لا يعني تغيير عقل النظام الذي يستمر لسنوات، لاسيما عندما يحتفظ النظام الجديد بعقلية النظام السابق، وهو ما يحدث حالياً في العراق. ينبغي التحلي بالشجاعة والجرأة والإعلان إن نظاماً جديداً يبنى في العراق ولن يكون من بناته هؤلاء القادمون من أقبية التعذيب المدججين بالعقل الأحادي الذي يرى في العراقيين  خارج أحاديتهم كأنهم خصوم، فصارت السفارة العراقية في أي عاصمة مخفر شرطة، أو مكاناً يتجنب العراقيون المرور في الشارع الذي تقع فيه، ومازال الخوف يطغى على مراجعي السفارات لأنهم يشاهدون ذات الوجوه.

نحن بناة النظام الجديد الذين أمضينا ربع قرن كاملاً في عملية تغيير ذاتي لتجديد أفكارنا ومشاعرنا حتى تستوعب العراقيين جميعاً وسيحتاج النظام الجديد إلى أشخاص لا يقل وجودهم في المعارضة عن عشر سنوات، مؤهلين للإدارة الجديدة في وزاراتها أو سفاراتها..

كـتـب ســــرية

س : أسألك عن أمور أعرفها تتعلق بما أنجزته من كتب لازالت مخطوطة؟

ج : دعني أكشف لك وللقراء شيئاً، فقد كنت مهموماً بفكرة كتاب عن العراق الأمريكي، في الوقت الذي انتهيت من كتابي (إرهاب النص) وقد أرجأت طبعه لما ينجم عنه من مخاطر، شأنه شأن الفتوح السفيانية، وكأنني سأترك لورثتي شيئاً سينشغلون به من بعدي، ثم أنجزت معك مخطوطة كتابي مستطرف الجواهري وسنعود لاستكمال فصله الأخير بعد توقف طارئ.

س : أعرف هذا الطارئ وأنت تملي علي فصول الكتاب فهل تسمح لي بالكشف عنه؟

ج : أما أنا فأعتقد أن الكاتب يمر بحالات مماثلة، فيتوقف عن رحلته فجأة وهو في مشروع رواية أو قصيدة أو دراسة لكنه سيعود بالتأكيد لاستكمالها وهذا ما سأفعله فلا مبرر للإعلان عن هذا الطارئ.

س : لماذا فكرت بهذا العنوان دون غيره.. العراق الأمريكي؟

ج : لأن العراق في عصوره التاريخية مر بأطوار، فهناك العراق السومري والعراق البابلي والعراق العباسي والعراق العثماني والعراق البريطاني، وهناك ما سمي بعراق عبد الكريم قاسم، وعراق صدام حسين، وعراق نوري السعيد، ونحن الآن في العراق الأمريكي فما هو وجه الغرابة.

العــراق البريطــاني ســــنـي
والعـراق الأمــريـكي شـــيـعي

س : وكم تعتقد سيعمر العراق الأمريكي؟

ج : أعتقد أنه من قصار الأعمار، وقد يكون أقصر عمراً من العراق البريطاني، لكنه أكثر تأثيراً من سابقه.

س : ما الفرق بين العراق البريطاني والعراق الأمريكي؟

ج : العراق البريطاني سني والعراق الأمريكي شيعي، وفي كلتا الحالتين نهض شيوخ الإسلام بالمهمة الأولى والأساسية. ولهذا فأنا شخصياً قد أعدت النظر في تقييمات كانت تصدر ضد مؤسس العراق السني السيد عبد الرحمن النقيب الذي يبدو لي الآن شخصية تنتمي إلى عالم الأبطال النوعيين، نعم أنه بطل نوعي، حفظ السيادة لنوعه والمصالح لنوعه، وتصرف بطريقة براغماتية في التعامل مع الاحتلال البريطاني، لم يرتقِ إليها شيوخ الإسلام الشيعي، وكان أوضح في موقفه مع البريطانيين من شيوخ الشيعة مع الأمريكيين فقد أعلن وجهاً لوجه أمام المس بيل، أنه يسير في ركاب المنتصر، أي أنه لا يتحمل تبعات الدولة العثمانية المنقرضة والخاسرة وأنه
لا يلطم على الماضي ولا يبكي على الاسيتانة، وجسد النموذج الحديث لمشروع الفقه السني المعني بالدولة والرافض للفتن والعصيان.
وفي لقاء آخر مع المس بيل أعلن الشيخ الكبير أنه ينتمي إلى أمة مغلوبة، وأن للغالب حقوقاً وأنه غير قادر على مواجهة هذا المتغلب.
وفي جملته الأخيرة استخرج النقيب كفقيه كبير، مسوغاً شرعياً للخروج من المأزق، في قبول العمل كرئيس وزراء بولاية الحاكم البريطاني النصراني الذي تحرمه الآية الكريمة(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)إذ قبل تأليف الوزارة الأولى أثناء الحكم العسكري البريطاني المباشر، وحيث يكون رئيسه الأعلى المباشر هو المستر برسي كوكس ثم ألف وزارته الثانية بعد تتويج فيصل الأول.
كان النقيب في أول أمره من مؤيدي شعار العراق للعراقيين، وكان فقهاء الشيعة كما في خطاب ثورة العشرين، يرفعون شعار حكومة عربية برئاسة حاكم عربي.
أما شيوخ الإسلام الشيعي الآن، وفي تعاملهم مع العراق الأمريكي فإنهم يفتقرون إلى وضوح السيد النقيب وجرأته وبراغماتيته، فهم لم يشكّلوا كتلة موحدة كمشيخة الإسلام السني في العراق البريطاني، وأمرهم رجراج لا جنفاً ولا صدداً.

س : أعتقد أن المشهد معكوس بين المرحلتين والتاريخين؟

ج : لأن مشيخة الإسلام السني الآن، أقرب في نهجها وسلوكها مع الاحتلال الأمريكي إلى نهج مشيخة الإسلام الشيعي مع الاحتلال البريطاني.
بالتأكيد وهذا ما أريد أن أقوله. فأغلبية الشيعة مرتاحة للعراق الأمريكي. هكذا تبدو حتى الآن فيما مشيخة الإسلام السني هائجة ـ مائجة على غرار فقهاء النجف وكربلاء والكاظمية في ثورة العشرين.

س : وما هو وجه الاعتراض ما دامت المشيخة السنية تقوم بدور وطني ضد الأمريكان؟

ج : مازلت في حالة التوصيف، رغم ميلي الواضح للطريقة السنية الأولى في التعامل مع الاحتلال البريطاني (طريقة النقيب).
إن الناس تتداول عبارة لي، وردت في خطابي بمؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1991 حين قلت، أن السنة والشيعة عند تأسيس العراق الحديث رضخوا لقسمة كان كل منهم فرحاً بنصيبه منها، فالسنة أخذوا الوطن والشيعة أخذوا الوطنية، ومن يأخذ الوطن يأخذ معه القانون والثروة والتعليم والجيش المدجج والسفارات والسيادة المطلقة، ومن يأخذ الوطنية يأخذ أدواته المعهودة، منشوراً سرياً، وشعاراً على الجدران الخربة وبندقية صدئة في الأهوار، إذا تيسرت الحال ومظاهرة خائبة ضد تحالف السلطة مع البريطانيين، تنتهي باستبدال رئيس وزراء بريطاني برئيس وزراء إنكليزي، ما بين نوري السعيد وأرشد العمري أو ما بين الجمالي ومرجان.

س : هل تريد القول أن السيستاني الشيعي هو النقيب السني اليوم؟

ج : قلت لك أنني أستخدم أدوات التحليل والتوصيف، وأترك التشخيص للناس.

البغدادي : لم أقتنع بالإجابة وأعدها هروباً واضحاً

العلوي : يمكن المقارنة بين الاثنين، وقد تحدثت في هذا الأمر بمقابلة أجرتها معي فضائية المستقلة، أن السيستاني الآن كأنه يستخدم أدوات الفقه السني المعني بتكوين الدولة وإقامة السلطان، وإن كان سلطان وقت وهذا ما فعله عبد الرحمن النقيب، أما مشيخة الإسلام المتصدية للعمل السني، فتبدو لي وكأنها تأخذ بفقه التشييع الميال للثورة والتمرد والعصيان وعدم إطاعة سلطان الوقت، لهذا فإن الشيعة انتبهوا إلى خطأهم فأخذوا الوطن وابتهج السنة بالوطنية.

س : لكن العراق ساحة إبادة للجنس البشري فهل هذا عمل سياسي. وحين كان الشيعة مهمشين كما ورد في كتابك الشيعة والدولة القومية بحصة لا تساوي عشر استحقاقهم السكاني لكنهم لم يقتلوا سنياً في مناطقهم؟

ج : لا تنقصني الشجاعة على القول، أن المعارضة الشيعية للحكم السني خلال ثمانين عاماً، عدا فترة العمل المسلح في الأهوار، في الثمانينات كانت أرقى وأكثر تحضراً بما لا يقاس مع أعمال تنسب حالياً للمعارضة السنية، فعلى الرغم من أن العراق البريطاني، قد بايع أهل السنة على أكثر من ثمانين بالمئة من حصة الدولة والسلطة حتى لم يعد محافظو المدن الشيعة يرسلون من قرى السلطة السنية إليها وحسب، وإنما صار مأمور المخفر ومدير المدرسة أحياناً في المدن الشيعية سنياً، ولم يحدث مرة أن اغتصبت فتاة سنية في مدينة شيعية ولا تعرض لكرامتها معتدٍ ولم يستخدم الشيعة خلال 80 عاماً في رفض تهميشهم سوى القلم والورقة لكتابة مذكرة، يبعث بها الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء إلى رئيس الوزراء الهاشمي، أو مذكرة يبعث بها الشيخ الشبيبي إلى الرئيس عبد السلام عارف أو احتجاج على إهمال الشيعة تصدر من النائب عبد المهدي المنتفجي، أو في أقسى المواجهات قصيدة شكوى لشاعر شعبي ولم يخرج نضال الشيعة خلال 80 عاماً عن هذا الإطار الأخلاقي والحضاري رغم أنهم يواجهون بعد كل مذكرة بتهمة الطائفية، لمجرد التذكير بضرورة مساواة العراقيين في الحقوق والواجبات، لكن هل أن ما يجري في العراق من إبادات هو فعل سني عراقي؟
أسأل نفسي وأجيب، لا مجاملة ولا محاولة من محاولات التوفيقيين اليائسة، ولا ترديداً لمقولة ميتة من مقولات الوحدة الوطنية والأخوة الإسلامية، وإنما عن تشخيص دقيق وعلمي سبق أن أشرت عليه في كتاب بقية الصوت الصادر عام 2000، عندما قلت أن لا خطر من انقسام سني شيعي في المجتمع العراقي، ما دام أبو حنيفة والشافعي أمامي أهل السنة في العراق، وما دام الشيعة الأمامية، هم أهل التشييع العراقي، وكانت مدينة أبي حنيفة نموذجاً للتحضر الإنساني والمدني التي يقصد السكن فيها الشيعة قبل السنة.
ما قلته في بقية الصوت، يمكن الرجوع إليه لكي لا يكون كلامي هنا مجاملة أو تبريراً أو تستيراً، فسنة العراق حكموا 80 عاماً، وكانوا رغم تهميشهم لمواطنيهم الشيعة عنواناً حضارياً، وهم الذين قادوا العلمنة الأولى والعلمانية، وأبدوا روح التسامح مع الغرب، وخرجوا من التزمت التي كان يتهم بها بعض فقهاء التشيع العراقي، وحتى
في المعارك الشعرية التي خاضها دعاة السفور والحجاب، فقد كان معظم السفوريين من أهل السنة، ومعظم الحجابيين من أهل التشيع. 
 
حتى لا تمـوت العــروبة.. انســوا القـومية العـربية

س : إلى أي مدى سيصمد المشروع القومي والذي خرجت منه في العراق الأمريكي، والغلبة كما نرى للإسلاميين ولو كان زعيمهم الزرقاوي، والقوميون يمشون وراء الإسلاميين أو يحتمون بهم؟

ج : عتقد أن المشروع القومي العربي في العراق، يتحمل المآلات البائسة التي وصل إليها العراق ووصل إليها القوميون في المنطقة.
إن المشروع القومي فقد القدرة على التأثير في المجتمع العربي، لارتباطه بالسلطة ولم يستطع القوميون العراقيون الذين خرجوا على السلطة وعارضوها، أن يبنوا مشروعاً قومياً ينسجم مع مقتضيات العصر، ولم يكن دورهم مؤثراً في ساحة المعارضة، حتى أن منتقدي المشروع يواصلون تسجيل ملاحظاتهم عليه، باعتباره مشروع سلطة دون الالتفات إلى أن شريحة من رجال المشروع القومي هم ضحايا هذه السلطة القومية.
إن المشروع القومي الخارج على السلطة، لم يستطع أن يشكل كتلة متقاربة، فظل متشظياً قابلاً للانشطار الذاتي، وقد أغفل منتقدو المشروع القومي ورجال المعارضة السابقة، الذين استحوذوا على العمل المعارض، أن صفوة النقاء السياسي في العراق هي صفوة قومية. ففي العهد الملكي كانت الإشارة إلى كامل الجادرجي ومجموعته دليلاً على الوطنية الصادقة والعراقة والنزاهة، لكنك ومنذ أربعين عاماً ستقف وجهاً لوجه أمام رجال الحركة القومية، نموذجاً للحكمة والتعقل والاعتدال ونزاهة الروح ونظافة اليد، وفي المقدمة منهم ناجي طالب والمرحوم رجب عبد المجيد والدكتور أحمد الحبّوبي والعقيد عبد الستار عبد اللطيف وصبحي عبد الحميد والدكتور وميض
عمر نظمي الذي نراه هذه اللحظة يتحدث في ندوة مشتركة مع فيصل فهمي سعيد وآخرين من فضائية المنار بلغة تتسع لعالمية العراق وأطيافه المتعددة.

س : أستاذ حسن.. هنالك مأزق للمشروع القومي في العراق.. فهل يكفي أن يكون فلان وفلان نزيهاً أو صادقاً.. ماذا يشكل هذا العدد الذي تشير إليه من حجم الحركة القومية المرجوة. وأنت بالذات لم يطوعك الإسلاميون لمشروعهم وأنت تدافع عنهم بسبب جذورك القومية.. أنت تتحدث عن مشروع مهزوم. فلماذا تضع نفسك في هذا المأزق.. أقول هذا كعراقي يعيش الأوضاع الجديدة؟..

ج : بلا تواضع أقول إنني عندما خرجت من المشروع القومي، وتفرغت لمراجعته، وأشرت إلى سلبياته، لم أخرج من دائرتي العربية، ولم أجامل الإسلاميين فيما يخص قناعتي، ولعلّي أخطر كاتب يخرج من المشروع القومي، ويضع مشروعاً عربياً بديلاً، لأنني كنت أشعر منذ أربعين عاماً، وفي أعقاب مقتل عبد الكريم قاسم بضرورة إجراء إصلاحات أساسية في بنية المشروع القومي، لكني توصلت بعد خروجي من العراق، إلى الصيغة التي تحفظ هذا المشروع وتخرجه من مأزقهِ، بل ومن هزيمته.
لقد لاحظت منذ عام 1980 وأنا في المنفى، أن الصوت العربي يضعف في المعارضة العراقية، أمام قوة الصوت الإسلامي والصوت الكردي. ثم الشيوعي، وهذه التيارات لا تتصل بوشيجة ود مع المشروع القومي العربي. وليس لك أن تجبر الإسلامي للإقرار بالتقسيم القومي بدلاً من التقسيم الأممي للإسلام، وهو الموقف الماركسي نفسه. وليس لك أن تفرض على الكردي قوميتك العربية، ولا أن تتوقع منه مجاملة لهذا الاسم.
الحل ربما احتاج مني إلى مهارة عقلية وسياسية وإعلامية، باستبدال مصطلح القومي الذي تناهضه هذه التيارات، لتعارضه مع إيديولوجياتها بمصطلح العربي لتكون العروبة بدلاً من القومية فهل يمكن للإسلامي أن يجردني من العروبة إذا جاز له أن يجرد نفسه (شرعاً) من القومية. وهل سأترك فرصة للماركسي بانتقاد (العربي) بمثل فرصتي بانتقاد القومي؟
إن العروبة كالكرودة، هوية وثقافة وانتماء، وهذا يعني إجراء عملية فصل التوأم الوهمي (القومية العربية والعروبة) وهما جسمان لا ينتميان إلى بعضهما، وإنهما ليسا واحداً كما هو شائع إلاّ بمفهوم سيامي!!.
وفي هذا السياق كرسّت جهدي في أكثر من كتاب، وفي عشرات الأحاديث والمحاضرات والمقابلات التلفزيونية، على ضرورة أن يسارع الكتاب ورجال المشروع القومي، لإسناد هذا المشروع وتطويره وتقديم مشروع عربي تحتل فيه العروبة وليست القومية العربية مكانها في الاجتماعات إلى جانب الإسلاميين والشيوعيين والأكراد، ومن منهم قادر على المساس بالعروبة إذا كان قادراً أن يأتي بالكثير من الأفكار والملاحظات ضد الفكرة القومية.
إن العروبة (جعل آلهي)، وهذا يعني بلغة إسلامية كل ما ورد في القرآن الكريم، من آيات تتضمن الفعل (جعلنا) أو (نجعل) واشتقاقاته عندما تصدر على لسان الله سبحانه وتعالى.
وهو القائل (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) فأنا ما اخترت العروبة، وإنما اختارها الله لي كما اختار الكرودة للبارزاني والطالباني والفروسة للخميني.
وفي الفقه لا يجوز التلاعب بالجعل الإلهي وتغييره، وأن الجعل الإلهي لا يستبدل برغبة البشر، ولا أحد ينزع عني العروبة، لأنه سيمس الإرادة الإلهية، كما لا يجوز تحويل الكردي إلى عربي لنفس السبب.
ومن هنا، أسمح لنفسي بإصدار فتوى لم يصدرها العلماء، هي أن التعريب حرام إذا أ جبر عليه الإنسان، إلا إذا غيّر الناس انتسابهم واستبدلوا هذا الانتساب بإرادتهم، أو نشأوا في مجتمعات غير مجتمعاتهم وانسجموا معها.
والعروبة هوّية وثقافة وقد تكون القومية عنصرية، لأنها مشروع سياسي، ولعل مصطلح القومية مستورد ولا وجود له في قواميس العرب وثقافاتهم، وإنما انتقل إلينا حديثاً حتى أن رجال عصر النهضة العربية كانوا يسمونه الجنسية العربية. لأن مفردة القوم تعني جماعة الرجل.
أن القومية مشروع علماني خالص لا يقبل الاقتراب من الدين، أي دين، فيما العروبة قد تكون مسيحية وقد تكون يهودية أو إسلامية.
وكان النبي محمد عليه الصلاة والسلام عربياً ولم يكن قومياً.
على هذه الأسس، يمكن لي أن احتفظ بوجودي العربي، في خضم غير عربي، وأقطع أية حجة مثلما أقطع الطريق على هؤلاء الذين يحاربون العروبة ويشتمونها ويهجونها بحجة أنها القومية، ومن شتم العروبة يشتم محمداً ويشتم القرآن ويشتم آل محمد والصحابة، كما يشتم امرؤ القيس والأعشى وهم يعتقدون أنهم يشتمون ميشيل عفلق، أي يشتم أمة ولا ينبغي للقوميين أن يمنحوا هؤلاء فرصة التعريض بأمتهم عندما استبدلوها بالقومية العربية.
إنني في هذا المشروع، أضع حداً للتجاوزات في العراق الأمريكي، ضد العروبة، وأمنع التشهير بها لأن نظاماً دموياً وعنصرياً رفع شعاراً قومياً. إن العروبة أكبر من المشروع القومي الذي يمكن اختزاله بعدد من الكتب والكتابات، وتحديد أهدافه وتسمية رجاله وعمر المشروع القومي العربي لا يساوي واحداً بالمائة من عمر العروبة الذي يمتد في الماضي السحيق، ويمر على القرون والأجيال على صورة نبي أو بلغة قرآن أو بمعلقة جاهلية أو بمدرسة من مدارس النحو واللغة في الكوفة والبصرة.
لقد أخرج المشروع القومي العربي الكوفة عاصمة العروبة والبصرة عاصمة العروبة واستبدلهما بـ(بروسيا) مثلما استبدل ابن خلدون والمعري بكافور وغاريبا لدي. إن المشروع القومي تغريبي غارق في التغريب، والعروبة أمة شرقية وتراث شرقي.

رجـــال المشــروع الأمــريكي

س : من هم رجال العراق الأمريكي؟

ج : هم أكثر من جيل. وأكثر من حزب.

هم يسار ويمين. حزبيون ومستقلون اشتراكيون ورأسماليون، قوميون، ولا قوميون وإسلاميون وعلمانيون.

هم وأكرر نفسي ـ من اشترك أو أيدّ إعدام العراق العراقي وزعيمه وثورته ورجاله الخلص.

هم من تسببت سياساتهم الأحادية والطائفية والعنصرية، في جعل العراق حالة غريبة في المنطقة.

هم الثورات والانقلابات والحروب، والقيادات العامة، والمنظمات السريّة، ما بين 9 شباط 1963 و9 نيسان 2003.

استثني منهم رجال المرحلة الناصرية، أما إذا أردت أن تعتبر أحمد الجلبي وإياد علاوي والشريف والبارزاني والطالباني ومجلس الحكم ووزراء برايمر وما بعد برايمر والإسلاميين الذين ذهبوا إلى أمريكا، فهم أيضاً رجال العراق الأمريكي، لكنهم لم يكونوا مؤسسين. إنهم ربما حصدوا نتائج تلك السياسات وجهود هؤلاء (الرجال) 

فصاروا وكأنهم الوجه الأمريكي في العراق.

لا بأس ـ أنت وأنا، محسوبون على رجال العراق الأمريكي.

إنهم ليسوا أشخاصاً بعينهم بقدر ما هم حالة وظاهرة.

س : هل تتمنى أن تتكرر هذه الظاهرة في مناطق أخرى؟

ج : «ذهبنا إلى سعد ليجمع شملنا           فشتتنا سعد فلا نحن من سعد» *

س : وما قصة شاهدك هذا؟

* بيت جاهلي، وسعد هو اسم لصنم، وكان جمع من العرب قد اختلفوا، فلجأوا إلى الصنم ليوحد شملهم، لكنهم تنازعوا عند أقدام الصنم فذهبت ريحهم. اتركه يتحدث عن نفسه

ج : العالم العربي مشغول بالمشروع الأمريكي، منذ الاجتياح الأمريكي للعراق، وقيام ما تسميه أنت بالعراق الأمريكي.. متى تعتقد ولدت فكرة هذا المشروع الذي جاء باتفاق المحللين بعيد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.

سأختلف مع القائلين أن الاجتياح الأمريكي يرتبط بتداعيات 11 سبتمبر.

يحضرني في هذا المجال، رأي نشرته في المجلاّت والصحافة العربية ودونته في أحد كتبي، وهو جواب على سؤال مماثل عن الاجتياح العراقي للكويت، وما قلته في  هذا الاجتياح، يصلح أن يكون قاعدة تاريخية للاجتياح الأمريكي.

أن الكويتيين كرسّوا جهودهم وأفكارهم ونشاطاتهم، حتى في كتابة تاريخ الاجتياح على الاجتياح نفسه، وهو لحظة عسكرية محضة، وتنفيذ قرار عسكري، يتصل كما أعتقد بأيديولوجيا الضم التي تمتد في العراق إلى منتصف الثلاثينات الميلادية.

إن الغزو الأمريكي كذلك هو ليس اليوم الذي يكتب تاريخاً بدخول القوات الأمريكية بغداد أو في سقوط النظام في 9 نيسان 2003.

إنه ليس نتاج لحظة رحمانية أو شيطانية، جمعت أشخاصاً من المعارضة العراقية، مع مسؤولين في الكونكرس والخارجية والأمن، ليخرجوا منها متفقين على برنامج إسقاط النظام الذي تعارضه هذه الشخصيات العراقية باجتياح عسكري أميركي.

لو كان كل معارض يحظى بتأييد أمريكي، ثم يتحول هذا التأييد إلى عمل عسكري ضخم لإسقاط النظام السياسي، لكانت أول تجربة ستتم أو ستنجز في كوبا المجاورة للولايات المتحدة، حيث تقيم المعارضة الكوبية المنظمة والواسعة هناك منذ أكثر من أربعين عاماً.

ولكانت حركة مجاهدي خلق الأكثر تنظيماً وإقداماً، قد شكلت مجلس الحكم لإيران الأمريكية، منذ عشرين عاماً.

ولكانت المعارضة الليبية قد سبقتنا بثلاثين عاماً لإقامة ليبيا الأمريكية.

إن ظهور العراق الأمريكي في 9/4/2003 هو ليس أول ظهور بقدر ما كان يوم ولادة سبقته مخاضات معقدة، ولعلنا عشناها لا متفرجين أو محايدين بل مشاركين. 

فمنذ انتهاء العراق البريطاني يوم 14 تموز 1958 وقيام العراق العراقي لأول مرة، وتجميد العمل بتمذهب الدولة، ونقل بغداد من أحاديتها المقرفة إلى عالميتها العباسية الرحبة، وتعرض الحكومة العراقية المحايدة عنصرياً ودينياً وطائفياً إلى محاولات يومية قادمة من غرب العراق وغرب العالم انتهت يوم (9) شباط 1963 بإعدام العراق العراقي زعامة وحركة وطنية وحزباً ديمقراطياً، وليس لك أن تتسائل كيف أسقط نظام سياسي كان أتباعه أكثر من خصومه، وقوته العسكرية باعتباره محمياً بالجيش العراقي لا تساويها قوة ميليشيا ناشئة معزولة باسم الحرس القومي، فيسقط الجيش والنظام بيدها.

إن زعماء الحزب الذين ساهموا في حركة إعدام العراق العراقي، هم الذين أجابوا على هذا السؤال بشجاعة لم يتحل بها نظرائهم في الأحزاب العراقية.

أما واحد مثلي، عاش مع الحزب منذ منتصف الخمسينات بصفة (مراقب) فإنه ربما التقط الكثير، واحتفظ بالأكثر من الشهادات والأفكار التي قد تؤيد ما ذهب إليه زعماء الحزب ممن خرجوا عليه في وقت مبكر.

ولا أتردد في القول هنا، أن الغزو الأمريكي للعراق، هو لحظة عسكرية تشبه غزو الكويت، تسبقها أربعون عاماً كشفت عن علاقة ما بين 9 شباط و9 نيسان 2003،  وهي علاقة توالد وتراحم وانتساب، ولهذا وبدون مقدمات فضفاضة أقول، أن الحجر الأساس للعراق الأمريكي، وضع في يوم 9 شباط 1963 في أستوديو الإذاعة  العراقية، ومرت الأربعون عاماً بمراحل وحكومات وبأحزاب ورجال، قد لا يكونون شركاء في بناء العراق الأمريكي، إنما هم شركاء في القضاء على العراق العراقي. وإذا كانت بعض المراحل التي حكم فيها القوميون العرب بنقائهم الناصري، ووطنيتهم العربية، فترات داخل هذه الأربعين عاماً، فمن المعروف أنهم لم يكونوا جزءً ولا 

طرفاً ينافس المركز الأول المتمثل في حزب 8 شباط و17 تموز وبزعامته التي برمجت الأوضاع وهيأت الظروف لإنضاج وقيام العراق الأمريكي. ربما تحدثنا عن تفاصيل العراق الأمريكي من زوايا مختلفة، وبعفوية كما ترى، أما إذا كنت تبحث عن نبوءة للمستقبل فلنقرأ في فنجان العراق الأمريكي. إن العراق سيكون فيدرالياً وديمقراطياً، وقد غادر مرحلة تاريخية ليس لأية قوة سياسية أن تعيده إليها. لكني أفكر دائماً بالخبرة السنية الهائلة في صناعة السلطة وإدارتها، ممّا يدفعني إلى مجاهرة الفئات العراقية الأخرى، بضرورة أن لا تتعامل مع السنة باعتبارهم رقماً سكانياً. وأن لا تخضع مشاركتهم في السلطة إلى نسب رياضية، وأن لا يغتر طرف لا سيما الشيعة بحجم التصويت الانتخابي، لأن السنة قد يرون أنفسهم أمام وضع صعب في قبول حكم الأغلبية المطلقة، وقد يتعرض  العراق إلى الانقسام برغبة سنية هذه المرة، وليس برغبة الدكتور أحمد الجلبي والسيد باقر ياسين في إقامة إقليم الجنوب قبل أوانه.

وتلوح أمامي، خطوط لأفكار، قد تكون الأطراف السنية والإقليمية فكرت أو ستفكر بها، لتوسيع الجغرافيا السنية في الفيدراليات المقترحة بضم ما يتعارفون عليه بإقليم  بغداد إلى هذه الفيدرالية، وجعله يمتد إلى محافظة ديالى، حتى الحدود الإيرانية، فيما يرتبط ذراعه الغربي بالحدود السورية عبر الفلوجة والرمادي والقائم.

ولهذا ألاحظ، أن عمليات التفجير والذبح، تتركز في مناطق بغداد المختلطة، إذ تقبل المناطق المختلطة فكرة التحول إلى مناطق متجانسة وأحادية ومغلقة، وهو ما  يسمونه الآن بالتطهير العرقي، أو المذهبي فيما هو أقرب إلى التقذير منه إلى الطهر والطهارة.

ومن شأن عملية كهذه، أن تنتمي إلى إقامة جدار سني عازل، من خانقين حتى الحدود السورية والأردنية.

أما توسيع جغرافيا الفيدرالية السنية، فهو واضح في عمليات ذبح طائفي، تبدأ من اليوسفية والمحمودية واللطيفية والإسكندرية إلى مشارف الحلة الشيعية، والمدائن  ومشارف الكوت، وقد لا تعترض أمريكا على نتائج قد يحققها السيافون بدلاً من السياسيين والزرقاوي القادم من الجوار الإسرائيلي بدلاً من ديمقراطية كامل الجادرجي  وحسين جميل وصديق شنشل وفائق السامرائي وسلامة الطوية للرئيس محمد عبد الرحمن عارف من قادة السنة في العراق.

والجوار العراقي، قد يرتاح لرؤية جدار كهذا، وسينسى الناس ضحاياهم، مثلما نسوا مليون ضحية في القادسية، وهناك دول ستكون سعيدة برؤية العراق متشظياً مثل  قطعة جبن تتسابق عليها القرود.

ومن شأن جهد تقوم به السواطير، أن يمنع ظهور الهلال الوهمي، وقد تكون رؤية الهلال بشهادة مُزوّرة هي بمثابة الإعداد النفسي لإقامة هذا الجدار.

لقد قيل في رسم الحدود العراقية مع الكويت والسعودية، أنها جاءت بضربة قلم خاطفة من برسي كوكس وأقول الآن بأن ضربة سيف خاطفة من الزرقاوي، ستقطع  العراق من طريبيل حتى خانقين. وبهذا يتخلص السنة من حكم الأكثرية، ويتشكل الخط العازل بين الشيعة والأكراد، بخط عازل لا شيعي ولا كردي.

في مثل هذه اللحظات، ينفجر سري وأشعر بعذاب داخلي وأراجع حجم شراستي ضد أفكار كان السعوديون ورجالهم من العراقيين يطرحونها لإنهاء صدام حسين بانقلاب عسكري تراعي فيه السلطة الجديدة التوازنات الطائفية.

لو اعتمد الانقلاب لإسقاط صدام حسين لربح الشيعة والسنة ولحُشر قادة الانقلاب خمسة آلاف حزبي متورط بجرائم إنسانية في معسكرات معزولة وتركهم يموتون  عرياً.. دون أن يتهمهم أحد بالطائفية وكان يمكن لهذا الدور أن يقوم به كثيرون ممن لم أتفق معهم كوفيق السامرائي وإبراهيم الدواود وعبد الغني الراوي ونزار  الخزرجي وعبد الأمير عبيس.

س : ألا ترى أن الأحداث تتوالد والأيام تنجب بعضها بما تحمل من واقع وبطريقة تنفي فكرة المؤامرة؟

ج : إن الواقع قد يكون هو المؤامرة. وقد ترسم المؤامرة على أثر أحداث ميدانية، لم يكن للمؤامرة دور في صناعتها، وهذا الذي يحدث في العراق هو توالد ذاتي وتطور موضعي، أما دور الدول الكبرى فإنها كدور الوليد بن طلال مرة ثانية، ألا ترى جغرافية الفيدرالية السنية الآن هي الأكثر خراباً ودماراً فيما تزهو مدن التشيّع إما  بقوانين جون لوك، أو بلمسات الإمبراطور هيروهيتو.

س : ولو صدقت الرؤيا ورسمت الخارطة على صورتها فأين ستكون حكومة المركز؟

ج : يبدو وكأن التقسيم هنا لمصلحة السنة، فيما كان المعروف أو المتداول في الصحافة أن التقسيم لصالح الشيعة.

لا توجد أكثرية في العالم تطالب بالتقسيم، لأنها تمتلك البلاد بأكثريتها الدستورية، فلماذا ترضى بمقطع أو قطعة أو بجزء من السكان، وعندها فرصة أن تحكم كل البلاد؟.

أعتقد أن المتصدين للعمل السياسي الشيعي وقد أمسكوا باليد وبما لا يقبل الطعن والشك، أغلبيتهم الكبرى في الانتخابات البرلمانية النزيهة، خضعوا لما ذكرته آنفاً من  شعور لحكم كل العراق حتى أن بعضهم فكر بالالتفاف على مقررات مؤتمرات المعارضة، وما أكدّه قانون إدارة الدولة من اعتماد النظام الفيدرالي مما دفع الأكراد إلى 

التهديد بعدم التحالف معهم، ولم تكن عبارة (عراق اتحادي) قد سقطت بخطأ مطبعي عند أداء حكومة الجعفري اليمين الدستورية، وإنما تحت هذا الشعور الذي أشرت إليه.

س : يبدو أنك غير متفائل من إمكانية قيام وحدة وطنية، وأن تقوم الوزارة بواجباتها كفريق واحد؟

ج : إذا لم تحل الإشكالات الراهنة، فليس من المتوقع رؤية وحدة وطنية في العراق، إلا إذا اقتنع كل فريق بنصيبه الفيدرالي قناعة ذاتية، وأخذ يعمل لتطوير ولايته، ويتنافس مع الآخرين في هذا المجال. وأظنه الطريق الوحيدة لسيادة إحساس لدى السنة، بأن لا يكونوا الطرف المغبون وهم يرون المدن الشيعية والكردية، تتقدم بوتائر نمو عمراني واجتماعي وتعليمي فوق معدلات النمو في المدن السنية.

كم هو جميل أن يصبح التنافس بين السنة والشيعة، على غرار التنافس بين اليابان والأمريكان، وألمانيا وفرنسا، وكالتنافس الحاصل بين الإمارات العربية المتحدة.

إن الصراع من طبيعة الحياة البشرية، ولا ينبغي التطير من الكيانات الطائفية والعرقية، فأنا شيعي شئت أم أبيت أنكرت أم اهتديت تبرأت أم توليت، وزوجة ابني التي قدمت لنا الشاي قبل دقائق سنية أسفرت أم تحجبت.

س : كيف كانت علاقة العراق البريطاني بالسنة، وكيف ستكون علاقة العراق الأمريكي بالشيعة؟

ج : أخلصت بريطانيا لتعهداتها مع السنة حتى النهائية، ولم يحدث ما يشوب هذه العلاقة، كما الحكومات السنية لتعهداتها مع بريطانيا التي انتبهت بعد حركة مايس (حركة  رشيد عالي 1941) إلى خطأ اعتمادها على السنة وحدهم، فأخذت تلوح للشيعة بإمكانية التعاون المشترك وتعويضهم عن بعض ما فاتهم. وهذا هو الذي دفع السياسي الشيعي الكبير صالح جبر، إلى التقاط الإشارات البريطانية وعرضها على زعماء الشيعة الذين أحالوا الأمر إلى مراجع الدين كان (الخمسة الكبار منهم (أبو الحسن  الأصفهاني ـ محمد حسين كاشف الغطاء ـ عبد الكريم الجزائري)) قد أيدوا حركة الكيلاني، وشجعوا القبائل الشيعية، على المشاركة في العمليات العسكرية ضد  بريطانيا، ولهذا رفضت مقترحات صالح جبر بأن يحل الشيعة بدلاً عن السنة، أو أن يكونوا شركاء متكافئين مع السنة في إدارة العراق. وعندما كنا في المعارضة، كان  البريطانيون يشجعون واشنطن على فتح حوار مع السنة، أما العلاقات الأمريكية الشيعية، فلن تكون على هذا المستوى من النقاء وسلامة الطوية، وقد لا يعطي الشيعة  بيعتهم أو إجماعهم ويخلصوا الود مع أمريكا، ولا هذه ستطمئن لمبايعة الشيعة، وهي تستلم التقارير الدبلوماسية مع المحيط العربي والإسلامي، بأغلبيته السنية المطلقة  تحذرها من خطر التحالف مع الشيعة.

الواقع أن الأمريكان لا يحتاجون إلى من يثير نخوتهم، فالتقارير الإسرائيلية لها الصولة البكر في العمق الاستخباري والدبلوماسي لأمريكا، وهي تدور حول خطر إيران الشيعية التي تمتلك 60 مليون إنسان، ربعهم قادرون على القتال، حتى مشارف الجنة. وهؤلاء لا يقلون خطراً عن البرنامج النووي المرعب.

تشاء المقادير، أن يكون معظم المتصدين للعمل الشيعي، على صلة طيبة مع إيران، وأن لا يكون لرجال أمريكا من الشيعة الذين هم خارج النفوذ الإيراني، دور مؤثر مماثل، وهو ما تستثمره في قلوب الأمريكان.

إن بعض ما يحدث في العراق، هو ليس صراعاً شيعياً سنياً أو صراعاً ضد أمريكا، أنه قد يكون صراعاً على أمريكا، وها نحن نتوقف الآن في تمام الساعة السابعة  16/5/2005 لنستمع إلى خبر عن ترحيب رئيس ديوان الوقف السني العراقي عدنان الدليمي، بتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي أكدت فيها ضرورة مشاركة السنة مشاركة فعلية في السلطة، وبدأت كتابات على الانترنيت ترحب بهذه الخطوة الطيبة لهذه المرأة، وقد تدفع الغيرة وروح التنافس السيد حسين الشامي رئيس الوقف الشيعي فيكتب قصيدة عصماء للوزيرة الأمريكية يذكرها فيها بالحبيب الأول.

س : هل تتوقع على ضوء المذابح أو حفلات الموت التي تقام ضد الشيعة ظهور زرقاوي شيعي؟.

ج : لا يوجد في الفقه الشيعي، نص يجيز قتل الآخر سنياً أم ذمياً، ولم يحصل في تاريخ التشيع، أن صدرت فتوى تبيح هدر دم المسلم في المذاهب الأربعة، لكن توجد نصوص فرعية تجيز قتل قطاع الطرق أو المجرمين الذين يقومون بأعمال الذبح والاغتصاب وما سوى ذلك، ويُعدها فقهاء التشيع من حالات الدفاع عن النفس لكن  هنالك الكثير من الفقهاء والعلماء وعلى مر القرون من أهل السنة من أصدروا فتاوى تجيز قتل الشيعي بمسوغات فقهية يضعونها ويتعاملون مع أهل التشيع تعاملهم مع أهل الارتداد.

وإلى أسابيع مضت صدرت فتوى من علماء في السعودية تجيز قتل الشيعة وهنالك فتوى للفقيه العالم الشيخ يوسف القرضاوي أجازت أو شجعت أو بررت على الأقل  قتل الشيعة.

هذا جانب، الجانب الآخر فإن الشيعة خاضعون الآن لنفوذ مرجعيتهم التي لا تريد أن تنسحب إلى حرب أو فتنة ربما تجد منظمات ذات طابع إسلامي فائدة في الدخول  فيها.

والعامل الثالث الذي يجعلني أستبعد ظهور زرقاوي شيعي، هو الشعور العام، أو الإحساس الذي يسيطر عادة على الأغلبيات السكانية والوطنية والتي لا تميل إلى  الاغتيال أو العنف، ما دام صندوق الاقتراع يوفر لها ما لا يوفره صندوق الديناميت للأقليات في مجتمع ما.

وهذا لا يمنع احتمال أن يظهر أكثر من زرقاوي شيعي، بعد أن تحول ذبح الشيعة إلى إهانة شخصية لكبريائهم وإنسانيتهم، وقد يخرجون على مرجعيتهم وعلى صندوق الاقتراع فيتكرر مشهد الذبح على طريقة الزرقاوي لدى منظمة شيعية سرية.

ولا أستبعد ظهور منظمات شيعية، إن لم تستخدم أسلوب الإغارة وقطع الطرق، فإنها على الأقل ستتسلح بموقف دفاعي يطول المساحة الدفاعية إلى هامش الاحتراس  الأمني، مما يعني أن ضحايا سيسقطون.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عمار البغدادي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni