... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  أخبار و متابعات

   
حوار مع الشاعرة العراقية منى كريم

عبدالله الزائدي

تاريخ النشر       12/02/2007 06:00 AM


التوقف عند تجربة الشاعرة العراقية الشابة منى كريم وقفة متأملة تقود ك الى الايمان بأن نهرا من العواطف الانسانية العميقة يجرى فى عروقها وينبع من قلبها اليافع الذى لم يتجاوز ثمانية عشر ربيعا. هى مواليد 15-12-1987، كتبت اول قصائدها وهى بعد فى سن العاشرة اى عام 1998، صدر ديوانها الاول وعمرها اربعة عشر عاما وحمل عنوان "نهارات مغسولة بماء العطش".  ترجمة أعمالها الى الانجليزية والاسبانية واللاتينية والهولندية. هى الان طالبة فى الثانوية، ومن انشطتها مساهمتها فى التأسيس لموقع مجلة افق الالكترونية الادبية كما تكتب مقالات فى علم البارسيكلوجيا. فى هذا الحوار الذى يشبه احدى لوحات (جويا) تقرأ فى كلماتها حزنا وعزلة لكنك ايضا تعرف كم هى متماسكة ومتفائلة بل ومشرقة برغم انها لا تتحدث الا عن الموت.

* "الموت عامل يمسح أرضية المستشفى والشوارع مجانا" دعينى أبدأ من سمة واضحة فيما تكتبين، ألا يوجد في قلبك مساحة للأمل - وأنت الشاعرة - في ركام هذا الإحباط؟
- دعني أعترف لك، أنا لست متفائلة أبداً، إنني أملك هذه النوستالجيا الشرقية في دمي بكل تشظياتها، المزاج الشرقي المفعم في رضوخه لفكرة أشلاء أوروفيوس. لست متشائمة جداً رغم إنني أشعر بأنني مدعية حين أقول ذلك، لكنني في الحقيقة أحاول أن أكون متشائلة ً.. لا أنكر إنني استغربت رؤيتك للشاعر بأنه مالك للأمل، إن هذا الشاعر – كما أرى – يملك كماً كبيراً من اليأس الذي يعيش عليه كما يقول بروتون الفرنسي في إحدى قصائده. فكرة الشاعر تغيرت في أنه صاحب قلب مشرق و مفعم بالأمل، فكرة الشاعر ما عادت تقتصر على الشخص الذي يلتجئ لخمرة الخلاص، برأيي لقد أصبح الشعر وجودياً في اتخاذه الإنسان هماً له يرسم معاناته بكل وضوح دون رتوش و دون شفقة، الشاعر هو الإنسان فقط وبكمه المحدد بلا زوائد أو إضافات.

* ثمة دعوة للعزلة أشعر بها في كتاباتك هل يعنى هذا يأسك من فعل أو رأى جماعي في هذا الواقع العربي البائس؟
- هنالك الكثير من العوامل التي تجعل المتلقي يشعر بهذه الأبعاد السحيقة من الحزن فيّ، لابد أن هنالك محاريث ما أقامت هذه الأبعاد، مشكلتي أنني عَرّفت قبل الوقت المناسب، من الطبيعي جداً أن يلامس الإنسان سوداوية الحياة من حوله بعد مرور عقود من عمره على الأقل، الكتب محرقة في جمالها وحزنها، الكُتّاب الذين قرأت كتبهم لربما هم أشخاص لم يلامسوا جسد الحياة بشكل صحيح بمعنى أنهم قد تكون حدود تجربتهم طاولة الكتابة و الكتب المتراكمة من حولهم، حين جاء الغرب لتعريف معنى الأدب وجدوا أنه تجربة حقيقية حصلت لشخص ما، لكن حين جئنا لننقل هذا التعريف وقعنا في إشكالية فيما إذا كانت هذه التجربة حدثت لشخص الكاتب أما لغيره، إن ثنائية الحقيقة والزيف في النصوص هي ما أثرت عليّ وعلى الكثيرين غيري، إن الكتب تحمل في طياتها كآبة مُدمرة أضعاف ما قد تراه عيني، لم أنتبه للحياة حين كانت عيني صافية وحين بدأت التفت لها وجدت أنها موازية للكتب في بؤسها، الأشخاص أنفسهم تغيروا، ما عاد بإمكاني أن أرى البياض في الجميع، قد أتكلم بشكلٍ شخصي هنا، أنا عنيدة جداً وفي لحظة ما أخسر كل عنادي وأرغب بالرحيل حين أشعر بأن الآخر لم يكن كما هو "محض إنسان". كل هذه العزلة الضرورية ليست ناتجة عن واقع عربي فقط، إنها ناتجة عن تجربة مع الذات ومع الآخر.


* أن تبدئي كتابة ناضجة في سن مبكرة شيء مثير حقا لكن الأكثر إثارة هو قراءتك للواقع بكل تجريدية دون خيال حالم كخيال شابة يافعة كيف تنظرين أنت لهذه المسألة؟
- لقد مرت تجربتي (وأقول ذلك وأنا كلي إيمان بأنني صاحبة قامة قصيرة جداً ومتواضعة) بعدة مراحل وتغيرات، أنا أرى هذه التغيرات كثيرة ومغايرة قد لا تكون مغايرة بشكل إيجابي فقط، في مرحلة ٍ خاصة المرحلة التي كتبت فيها وأنا في سن العاشرة حيث كنت بكامل براءتي أهتم بأشيائي الصغيرة ولا أعتقد أن هنالك ما هو أسود في هذه الحياة، هذه القصائد كانت في درجة لا نهائية من البساطة والخيالية البسيطة، ثم تحولت بعد ذلك حين أصبحت غارقة في تجارب الآخرين أكتب قصائد فيها بكم كبير من التعقيد والتهويم وهي معتمدة تماماً على الخيال بحيث أشعر بأنها بعيدة عما هو سي، إلى أن وضعت لي موضع قدم في إيجاد لغة وسطية. الكثير ممن يقابلونني يتساءلون عن سبب ابتعادي عما يشغل من هم في مثل سني، ولماذا لا أستغل هذا السن ومعطياته في توظيفه شعرياً، أحدهم قال لي لا أعلم يا منى لماذا حزنك يخلق رائحة للموت في قصائدك !!.. أعتقد أن كل هذا الانكسار له مرجعياته التي ذكرتها مسبقاً، أعتقد أنك لو كنت في نفس عمري وقرأت السياب واستمعت لفيروز ثم تتصعلك في شارعٍ مليء بالباعة الحزانى و المكسورين بسبب غربتهم لا أظن أنك ستقيم الكثير من الأعراس في روحك.

* ما سر اهتمامك بعلم الباراسيكولوجيا؟
- في فترة ما كنت مسحورة بقراءة التصوف والخطاب العرفاني، غارقة بـ الحلاج والنفري وأبي القاسم الصوفي والسهر وردي و ابن عربي ورابعة العدوية وصولاً إلى أبي يزيد البسطامي. هذه القراءات في التصوف تمنحك الكثير من الهواء الجديد والغير مستعمل بتاتاً إنها تمنحك أفقاً خاصاً لك و تفتح لك الكثير من المعابر نحو اكتشاف العالم و ما بعد العالم من مفصليات و إن كانت رؤيتك حالمة لكنك تشعر بأنها رؤية في ذروتها الحسية. حين كنت اقرأ الفتوحات المكية لابن عربي كانت هذه المجلدات الكبيرة لابن عربي بمثابة نظرة انطلوجية لهذا الشخص المجنون بعشق إلهه، من حينها فتح لي ابن عربي أبواباً كثيرة منها باب البحث في البارسيكولوجي، إن هذا العلم والذي يعتقد الكثير منا أنه علم حديث، وهو في الحقيقة علم عريق ممتد عبر الممارسات الصوفية الإسلامية كما نجدها في التصوف المسيحي و اليهودي والبوذي و غيرها من الديانات. الباراسيكولوجي علم مدهش يخلصنا من عقلانيتنا البحتة، تصبح أمام معطياتها في كامل الذهول لهذا التناص بين الإنسان و الطبيعة.

* في عدستك تلتقط الكاميرا حظور أصداء شتى ففي إحدى الصور منضدة من علب الكرتون فرشت بمائدة غاب أصحابها، وفى صورة أخرى ثلاث ظلال تتقاسم طريق وقوفا، هل عند هذه اللحظات يسكت القلم وتتكلم الصورة؟
- إن تجربتي في التصوير هي تجربة قاصرة جداً وفي بدايتها وكذلك تجربتي في عزف العود التي مازلت أحذو أول الخطوات في طريق التناغم معه. أحياناً كثيرة أجد أن الموسيقى تجرؤ على قول الكثير مما لا نستطيع قوله رغم كل ما نملكه من كلماتنا، الموسيقى وهي بلا كلمات مؤطرة تستطيع أن تشعرني بأن صاحبها هنا يبكي أو ينتحب أو يضحك بشدة أو أنه في حالة نشوة. وكذلك في الفنون الأخرى، التصوير فن رائع إنه يلتقط الإنسان من وجهته الباطنية دون أن نشعر بذلك، قد أرى ألتقط صورة لرجل حقير سقط عليه الضوء لكنه سيخرج في الصورة شخص في غاية الجمال والتوحد مع الطبيعة. الصورة تتخلص من كل التواريخ السابقة وتتخذ لنفسها لحظتها المناسبة.. هنا يكون سحرها الذي لا أستطيع نقله عبر الكلمات.

* مهمومة أنت بكتابة نص صريح جديد في أسلوب تناوله ومحاولة احتواءه الواقع هل حقا تسعين إلى إضافة لون شعري جديد؟
- لقد كتبت هكذا نصوص تزامناً مع ما أمر به من تغيرات سيكولوجية، كتبته وأنا أؤمن بأنه نص، وجدت أن هنالك من يرى في هذه النصوص كماً من التقريرية والمباشرة، بينما يشجع البعض الآخر جرأتي في كسر مفاهيم الرمزية المتوارثة و التهويم الشعري خاصة ذاك الذي انتشر في الشعر العربي السبعيني و تناقله البعض إلى الآن، أنا لا أعطي نصي أكبر من قدره و قد يكون مجرد نص هامشي لا معنى له، لكنه ينطلق من إيمان شعري و مفهوم شعري نريد له أن يكون أكثر تعاطياً، هذا المفهوم بدأ يُطرح من قبل التجارب الثمانينية ( خاصة في أواخر الثمانينات ) و التجربة التسعينية و ما زال مستمراً، إن هذا المفهوم ناتج عن أننا نريد التخلص من بؤس الأيدلوجيا على حد تعبير كارل بوبر فننتج نص لا علاقة له بأيدلوجية أو جهةٍ ما تحركه سوى تجربة الإنسان دون هذا الاصطناع المبني فوق المنبرية و اللغة و تراكيبها الغير حقيقية.

* لك موقع جميل على النت كيف وجدت هذه التجربة؟
- النت نافذة رائعة، إنني ممتنة بحق لبيل غيتس و اختراعه العظيم، لولا الانترنت لما كنت أملك كل هذا الكم من الأصدقاء و التواصل مع الآخرين، ما عدنا نمارس هذا الانتظار الطويل، بثوانٍ يستطيع الإنسان أن يلتقي شخصاً ما في آخر الدنيا و أن يعرف الكثير عما يسكن هذا العالم بالكلمة و الصوت و الصورة. شبكة النت قدمت الكثير من التجارب التي كانت دونها ستستغرق سنواتٍ من أجل وصول صوتها.. رغم هذا الاستسهال لاستعمال النت و ما يرتكبه البعض في النشر المتكرر و السريع و الكثير لكن النت أداة جديدة لتحريك التجربة الثقافية و الإبداعية و الإضافة لها، بالإضافة إلى دورها الكبير في الهرب من منجل الرقيب و سطوته التي لطالما تذمرنا منها.

لا أريد للقاعةِ أن تمتلئَ بالجددِ
بل أريدها أن تقلَ من الموجودين
لكي أحذو حذو البومة التي صمتت
كي تسمع رنين ذاتها.

* كيف تسمع منى رنين ذاتها؟
- أسمع صوتي في دمعتي السمينة، في يد أمي الحنينة، في ضحكات إخوتي، في قصائد تنتظر مني أن أزورها.. أسمع منى من حولي، في أصوات الأطفال المبحوحة من اللعب و الممتلئة بالحب.. أسمع منى في الفقد / في الغياب / في الحب حين تعانقه بشكلٍ جيد.

أيها القمر
سآخذك لتراك جدتي ؟

*انتى مولعة بالحكاية حتى وانتى تكتبين الشعر؟

هنالك علاقة كبيرة بين الشعر و السرد أو الحكاية، ارجع لكل النصوص الجميلة و التي تملك شعرية عالية سواء في النص القرآني أو الإرث المتصوف أو نشيد الإنشاد في الكتاب المقدس و وصولاً للكثير من النصوص الإنسانية. الحكاية فيها كم كبير من التطلع في ذوات الأشياء، إنها تمنحنا بصيرتنا الخاصة، هذه القصص الغريبة التي حكتها لي جدتي، القصص التي لا تستطيع قصص الخيال العلمي أن تكون في مستواها تمنحني مخزونا ً هائلاً من الفرح و الاندفاع كطفل.

* لقيتى احتفاء كبيرا من عدد من النقاد كيف كان وقع ذالك عليك؟
هذا شيء يسعدني طبعا ً. قد نعاني في الساحة الثقافية العربية من قصور النقد في تتبع التجارب و ميله إلى اللا موضوعية و المدح و التصفيق، الأسماء النقدية تعاني من أمراض كثيرة منها الانحياز. لا أنكر أن لعمري عامل كبير مؤثر على كل من يتلقى نصي فأغلبهم يشعر بسعادة بمجرد أن يعرف عمري حتى و إن لم يقرأ نصي بشكلٍ جيد. أنا راضية جداً بما حصلت عليه من تشجيع و من أشخاص هاجموا تجربتي فأنا أحترم الاتجاهين و أرى فيهما دافعاً للاستمرار.

* نهارات مغسولة بماء العطش اشعر انك في تعبيراتك تحاولين إكساب الوهم صفة الفعل الحقيقي؟
- لقد أخبرتك مسبقاً أن قناعاتي الشعرية في تحول مستمر، كنت أعمد في هذا العنوان إلى نوع من الجنون، إلى أن يصبح الشعر صاحب فعل لا نستطيع نحن بأدواتنا القاصرة أن نخلقه، إنني أملك قصائدً تحمل كماً من اللغة التركيبية الخالية في باطنها من محتوى حقيقي، هنالك الكثير ممن وقعوا في كتابة آلية مؤدلجة. قد يكون هذا العنوان للبعض منتمٍ لما ذكرته هنا و قد يراه البعض بشكلٍ ما تعبيراً عن حالةٍ من الفقد والخسارة.


رجوع


100% 75% 50% 25% 0%


مقالات اخرى لــ  عبدالله الزائدي


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni