مختارات عالمية معاصرة من شعر الهايكو الياباني باللغة العربية

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
18/03/2011 06:00 AM
GMT



محمد خضر

يعرّف الهايكو في الموسوعات الأدبية والفلسفية على أنه نوع من الشعر الياباني، يحاول فيه شاعر الهايكو، من خلال ألفاظ بسيطة التعبير عن مشاعر جياشة أو أحاسيس عميقة. وتتألف أشعار الهايكو من بيت واحد فقط، مكون من سبعة عشر مقطعا صوتيا (باليابانية)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر (خمسة، سبعة ثم خمسة) وهي تشبه إلى حد ما عرف في الثقافة الأدبية الحديثة في عالمنا العربي بالومضة أو الشذرة، مع التنويه أن الهايكو المقصود في كتاب “هايكو ـ مختارات عالمية معاصرة” هو ذلك الشعر الياباني بمفهومه ومكوناته وتصوره للأشياء، تلك الصور المحسوسة والعفوية والمفردات البسيطة والتي تتكئ على الإيحاء والتي قد لا تحتاج إلا إلى قدرة على استحضار تلك اللحظة أو تخيل الفكرة في وقعها الأول.

في هذا الكتاب “هايكو ـ مختارات عالمية معاصرة” يذكر المترجم جمال مصطفى أن الهايكو لم يعد يابانيا فقط بل تأثر به الكثير من الكتاب وأخذوا يتأملونه ويكتبونه في درجة متماهية مع مفهومه وبطلاقة شبيهة لما عرفه اليابانيون، فنجد نصوصا لشعراء من أميركا وأوروبا وأستراليا وبعض دول آسيا الأخرى مثل سنغافورة. ويشير إلى أن الهايكو انتشر في بعض البلدان الصغيرة مثل كرواتيا وأخذت تجاربه تبدع الهايكو بشكل مميز وبروح أضافت له الكثير من الدهشة، لكن الهايكو في اللغة العربية ولدى تجاربه الشعرية ظل غائبا مع قدرة اللغة العربية وحساسيتها الجمالية ومايمكن أن تضيفه لذلك المفهوم الشعري، وإن وجدت بعض التجارب المتفرقة إلا أنها لم تتجه مثل بقية التجارب التي أخذت الهايكو على محمل الجدية من بلدان أخرى إلى كتابة الهايكو في نفس هذا التصور الجمالي الحسي بأبعاده وتراكيبه، بل بقيت أسيرة ومقيدة بمفاهيم الشعرية العربية التي تسيطر عليها تصورات أخرى للشعر يتمسك بها الشعراء سواء كان ذلك برغبة منهم أو بما يتسرب إليهم من ذهنية محددة ومستقرة عند حدود الدرس الشعري، فبعض الشعراء شرع في كتابة الهايكو لكن سرعان ماتغير المسار الشكلي والفني أو حتى في المضمون والموضوع إلى شعر اللحظة أو الخاطرة أو مايسمى بالومضة، وهذا لايعني أيضا أن الهايكو الحديث أو ماعرف باسم الهايكو المديني لم يتطور بل أصبح هو الآخر يذهب بعيدا عن الطبيعة إلى قضايا الانسان المعاصر، ولكن في حدود أثر الطبيعة تلك وماتفرزه قنوات التطور الحضاري والمعرفي. نقرأ معا الشاعر اريكا لامارش وهو يقول: “مدينة صغيرة/ دراجتي تعرف الطريق”. وآخر اسمه كرستين ديمينج يقول: “أول السنة.. آثار الأقدام هنا وهناك.. على ثلج السنة الماضية”.

لقد استطاع الهايكو بكتابه الجدد أن يضيفوا عوالم المدينة الجديدة غير متناسين ما تهبه الطبيعة لهم من وقود لكتابتهم، فنقرا لدى شاعر استرالي هذا الهايكو: “مدينة صغيرة لاسياج من حول المقبرة”.. إنه يصور مدى صغر تلك المدينة بحيث لايمكن أن تتسع لسياج إضافي حتى لو كان للمقبرة، والاسترالي الآخر الذي يصف بلدة نائية ويقول: “بلدة نائية.. محطة القطار.. بلاسكك” هل لأنها بلدة نائية؟ هكذا يأتي الهايكو ليثير كوامن خبيئة في النفس البشرية ليشير من بعيد ويلمح ويلامس بجدارة ماقد يغيب عنا مع أنه قريب وفي المتناول.. وكل هذا ببساطة مدهشة نلمحها مثلا في هذا الهايكو للدنماركي لونه مونكسغورد: “نحن وحيدون كورقة الخريف تسقط إلى الأرض”، أو لنفس الكاتب مقطع آخر: “يد الحلم تصل إلى الطير في الحلم اللذيذ”.


 
 
 
وتبقى مفردات الطبيعة خصوصا الشجرة والقمر والوردة والفراشة والشتاء مثلا مفردات الهايكو العريقة والتي يمرر بها الشاعر حتى رؤأه عن الحياة وما يعتريها من تغير أو تبدل، فمثلا نقرأ لدى الألماني تروز سزتنديك: “الأطفال يلعبون في حدائق الربيع قرب المفاعل النووي”، وليس بوسعنا سوى التوقف برهة أمام مايخلقه الهايكو من دهشة وقدرة على المقاربة ورؤية العالم بمنظار عميق وطويل المدى، وكذلك سنقرأ لدى ميشل بارو الروسي: “ليلة عيد الميلاد حول الشجرة الاصطناعية أتظاهر بالفرح”، بل وأبسط من ذلك دهشة أن تقرأ مثل هذا المقطع الجميل للبرازيلي ياولو لمنسكي وهو يقول: “نقودي كلها جاءت من محبرتي”، وتلك الصورة التي تكتبها الأمريكية لورينا هار: “على فزاعة يحط الغراب.. فجأة يطير”، والحالة العجيبة مع الايرلندي نورغ جونس: “من هؤلاء الناس المتوافدون الظانون أنهم يعرفونني؟”.

وبقية النصوص المختارة والمترجمة من جمال مصطفى تعكس اجواء الهايكو المختلفة وقدرته على ترجمة نصوص قد يصعب على الكثير ترجمتها بهذه الحساسية الجميلة والقدرة على الدخول بنا إلى ذات التصور بأبعاده ومفهومه وفي أكثر من مئتي مقطع لشعراء عدة استطاع المترجم أن يجمع نصوصهم كما يشير في مقدمته من شبكة الانترنت ومن بعض الكتب ليتكون هذا الكتاب الذي يعد من الكتب العربية المترجمة النادرة لجمع نصوص معاصرة من الهايكو.
عن "الاتحاد" الظبيانية