ظپط§ط±ط³ ظƒظ…ط§ظ„ ظ†ط¸ظ…ظٹ
المقاله تحت باب في السياسة في
01/07/2016 06:00 AM GMT
إن انتقال العراق من عصر التدين الزائف والعبودية المُشَرعَنة إلى عصر العقل الحر والكبرياء الآدمي، صار مرهوناً اليوم بالمثابرة السلمية التي ما برح يبديها عشرات الآلاف من المحتجين في ساحات التحرير، للتذكير والتحذير بأن الحاضرَ الخرائبي فاقدٌ لشرعية الاستمرار، في مقابل صورة المستقبل الآمن التي باتت تتشكل ببطء وثبات وثقة في العقل الجمعي لهذا المجتمع الناهض من رماد الحروب والفاشيات والأسلمات. فالتاريخ البشري لم ينتقل في وعيه الحقوقي من عصر العبودية إلى عصر الحريات، إلا بتوهج الشعلة المدنية الصبورة التي حملها ملايين البشر عبر القرون دون أن تتلكأ أو تسقط.
شرعية تحتضر بعيداً عن أي تفيهقات دستورية أو قانونية لها مشروعيتها النسبية في أذهان أصحابها، فإن تحليلاً علمياً استشرافياً لما سيحدث في العراق في مرحلة ما بعد قيام عشرات الآلاف من المحتجين السلميين بعبور أسوار المنطقة الخضراء في 30 نيسان و20 أيار 2016، لا بد أن يأخذ بالحسبان أولاً أن تلك الواقعتين الدراماتيكيتين الحاسمتين – سواء سُميتا خرقاً لهيبة الدولة أو تمرداً شعبياً مشروعاً- ما كان لهما أن تقعا لولا أن نظام الإسلام السياسي الحالي قد برهنَ جهاراً وسراً، علانية وضمناً، قانوناً وعرفاً، أنه انتهك – بل خانَ- العقد الاجتماعي المبرم مع المجتمع حد التفريط بكرامة المواطنين وأمنهم وسيادتهم وسلامتهم وثرواتهم ومستقبلهم دون أي مؤشر على شعور بذنب أو محاولة لإصلاح. ولذا فلا معنى بعد اليوم أن ينادي هذا النظامُ بـ"شرعيةٍ" هو من قام بوأدها سلفاً عن إمعانٍ وإصرار على مدى ثلاث عشرة سنة، بالرغم من كل المناشدات المستميتة الصادرة عن الرأي العام العراقي بأنماطه الاجتماعية والثقافية والإعلامية والاحتجاجية السلمية. فالمصطلحات التي يرددها النظام اليوم كـ"الشرعية البرلمانية"، و"الشرعية الدستورية"، و"شرعية العملية السياسية"، باتت مسمياتِ حقٍ يراد بها باطل، إذ غدت ألفاظاً منتهية الفاعلية على يده، تمارس خداعاً لغوياً وتضليلاً عقلياً وسط عواصف مفاهيمية تبحث عن بوصلة مفقودة. وواحدة من أبرز هذه التضليلات المفاهيمية التي تستعين بها السلطة، هو سعيها لتخوين الحركة الاحتجاجية لكونها "تربكُ" الوضع السياسي أو "تقللُ" من قدرة القوات الأمنية على التوسع في عملياتها العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية. وهنا، لكي لا تختلط المعايير ويصير الجناةُ منقذينَ، فإن من يخوض هذه الحرب وينجح في استعادة المدن والقرى من قبضة هذه التنظيمات ليس السلطة الرثة التي سبق أن شقت بطن البلاد بسيف الدين السياسي وأخرجت منها مسخاً إسمه "داعش" ثم انهزمت أمامه. من يحرر الأرض حقأً هي دماءُ الفقراء والمسحوقين والمهمشين القادمين من أزقةٍ وعشوائياتٍ تكتظ بالألم والحرمان والأحلام الصغيرة جداً، المدافعين بالفطرة عن فكرة آسرة إسمها الوطن. فالفقراء دوماً كانوا وقودَ التاريخ، وكانوا "المصطبة" المتينة والخفية التي يصعد فوقها المستبدون والفاسدون والمهزومون ليعلنوا "انتصاراتهم".
شرعية تولد لطالما كان العاملُ السيكوسياسي الأساسي المحرك للتاريخ البشري، هو زوال شرعية سياسية ما في أذهان الناس أولاً، ليعقبها فيما بعد اندثار تلك الشرعية على أرض الواقع ثم بزوغ شرعية بديلة جديدة. ولولا هذه التتابعية النوعية في تطور الوعي البشري، لظلت سياط النظام الإقطاعي مثلاً تمارس "شرعيتها" حتى اليوم على الظهور المنحنية الخائفة. لقد اندفع زمن التغيير بعمق داخل أحشاء البنية السوسيوسياسية للعراق، وأفلح في تثبيت دعائمه الضرورية هناك في الساعة الاجتماعية الحية لهذا المجتمع الباحث عن البقاء. فالاستباحة التي تعرضت لها السلطة الحالية بتأثير الواقعتين المذكورتين، إنما يقدم علامة دالة بقوة على لحظة تحولها - التي قد تطول وتتعقد- من حالة التصدع المثقل بالشروخ إلى حالة التحلل النهائي الآيل للزوال. ففي 30 نيسان 2016م الذي شهد دخول آلاف المحتجين السلميين إلى مبنى البرلمان بعد إخفاقه المتكرر في التصويت لحكومة خبراء مستقلين تكون منطلقاً لإصلاح سياسي شامل، انتقل المجتمع من "قدرية" تجرع الألم المجاني والإذلال المؤدلج دونما نهاية، إلى خيار التمرد الراديكالي السلمي المدفوع بفكرة أن رفض الحرمان والفساد لا بد أن يرتبط باستعادة الوطن وهويته الجامعة عبر إصلاح السلطة ومؤسسات الدولة. إنه بزوغ مرتبك وربما عسير ومؤلم للوطنياتية، لكنه بزوغ يستند إلى كل قوانين التغير الاجتماعي التي لم تمل من إثبات أحقيتها عبر عشرات القرون. كان يوماً عسيراً جداً لشرعية رثة سيطول احتضارها، وكان يوماً واعداً لشرعية أخرى بديلة ستطول ولادتها بانتظار اكتمالها الجنيني الشاق. وفي 20 أيار 2016م الذي شهد تكرار عبور المحتجين لأسوار المنطقة الخضراء للسبب نفسه ودخولهم هذه المرة إلى مبنى رئاسة الوزراء وسقوط ضحايا وجرحى بينهم، انتقل الوعي الاجتماعي المعارض في العراق إلى مرحلة أبعد: التحضير الذهني لما بعد نظام الاثنيات السياسية الحالي. فالقطيعة النفسية مع هذا النظام اكتملت، وبدأ البديل السياسي الواقعي بالنمو على نحو أسرع من كل المراحل التي انقضت. لكن سرعة نضج هذا البديل تبقى أمراً مرهوناً بقدرة الشارع الاحتجاجي على تفعيل غطاء سياسي ينبثق منه ميدانياً، ويمتلك حاضنة مجتمعية متعاظمة، ومقبولية خارجية ضمن الشرعية الدولية. وهذا الغطاء السياسي – إذا كان له أن يكون- سيتجاوز وظيفياً بالضرورة التصنيفات الحالية: (مدني/ صدري)، دون أن يلغيها أو ينكرها، إذ تبقى بوصفها هويات بنائية وليست غائية، في لحظة التغيير الكبرى.
هل يمكن التحكم بمسارات التغيير؟ إن سلطة الهويات الإثنية المتطاحنة بات ينفذ الهواء منها بسرعة، فيما يمتلئ الفضاء العمومي Public Sphere بأنفاس الناس الباحثين عن استعادة العراق بوصفه فكرة جامعة قد تنتج الأمل والكبرياء والإنصاف. وأمام هذا التطور العسير في البنية الاجتماعية بكل أبعادها، تبرز تساؤلات عن المسارات المحتملة للتغيير، وعما إذا كان بالإمكان التنبؤ بالتطورات الأكثر رجحاناً، أو التحكم بها سلفاً طبقاً لتوجهات الحركة الاحتجاجية وقدرتها الذاتية على نقل البناء السياسي للدولة من رجعية المحاصصة الإثنية إلى تقدمية المواطنة المدنية. إن واحدة من الرؤى المستقاة من تنظيرات "انطونيو غرامشي" (1891- 1937)مAntonio Gramsci ، والتي سبق لي تكييفها مع الوضع العراقي، في مقالة سابقة قبل ست سنوات*، لنقل حال البلاد من فساد الأسلمة السياسية إلى نزاهة دولة المؤسسات المدنية، كان خيارَ "الكتلة التاريخية" Historic Bloc بين الشيوعيين والصدريين بوصفها «الخيار الأكثر معقولية لإنقاذ السوسيولوجيا العراقية» إذ قد يعمل على «إعادة التوازن للعلاقة المختلة بين النزعتين العلمانية والتدينية في الحياة العراقية بفعل تسييس الدين»، ويجعل من حقوق الأغلبية المحرومة «مطلباً إجرائياً يومياً يتجاوز حدود الدين والطائفة والايديولوجيا والمكاسب الانتخابية الشكلية، إلى آفاق الدولة والوطن والإنسان». واليوم، وفي ضوء النهايات المفتوحة للصراع المحتدم في العراق بين شرعيةٍ تأفل وشرعيةٍ تبزغ، فلعلّ خيارَ "الكتلة التاريخية"، بوصفه أحد مسارات التغيير القابلة للتفعيل، يتخذ أهمية متجددة تستحق التوسع والتطوير في عناصره النظرية والتطبيقية بوصفه واحداً من السيناريوهات الوعرة لكن المحتملة لإنقاذ المصير الوجودي لهذا الكيان السياسي والتاريخي والنفسي الذي إسمه العراق. فالحديث عن النجاح الفعلي لكتل تاريخية تجمع في مكوناتها – بحسب غرامشي- بين البنى الفوقية والبنى التحتية، وتتوحد فيها النقائض وكذلك المتشابهات، في إنجاز تحولات تقدمية جذرية في بلدانها ضد العنصرية والاحتلال والدكتاتورية والفاشية والفساد، أصبح أمراً يستحق التذكر والمراجعة. ولنا في نيكاراغوا وجنوب أفريقيا وأوربا الشرقية وحتى الربيع العربي في مصر وتونس نماذج ملهمة. وقبل تقديم أي رؤية حول كيفية اضطلاع هذه الكتلة المرتجاة بمهمة إنهاء حكم الدين السياسي سلمياً في العراق، يجدر التطرق لجملة قضايا أفرزها الحراك الاحتجاجي، ولكنها ذات أسس نظرية تستحق الفحص والتحليل؛ علماً أن التوجه الفكري لهذه السطور يختص حصراً بتشريح الظاهرة العراقية استناداً لدينامياتها الداخلية لاعتقاده بتفوق أهميتها التفسيرية في لحظة التحول الفارقة هذه، متحاشياً بذلك دور العوامل السياسية الإقليمية والدولية دون إنكار تأثيراتها.
جدلية الزمن الاجتماعي والزمن الفيزيائي ما شهدته وتشهده السلطتان التشريعية والتنفيذية من اعتصامات وانقسامات ومزايدات ومهاترات من داخلها طوال الشهور الماضية، هو اجترار للزمن الفيزيائي (الكمي) من أجل البقاء فحسب. أما الزمن الاجتماعي (النوعي) المثقل بعناصر التطور والتغيير التي قادت إلى أفول شرعية العملية السياسية برمتها، فقد ابتدأ حراكه منذ سنوات مضت حينما باشر المجتمع بتكوين تصورات ذهنية جديدة عن شرعية أخرى بديلة غير محددة الملامح بعد، انبثقت من ضرورات إعادة توزيع الثروة والكرامة اللذينِ اختل ميزانهما على نحو كارثي في العراق. وحينما نتحدث عن حقبة سياسية فاقدة للشرعية وفي حالة موت سريري، فذلك لا يعني زوالها الفوري، إذ أن البنية السياسية المتهرئة كثيراً ما تقاوم اندثارها الذاتي بفعل تخبطاتها العقيمة التي قد توفر لها زمناً فيزيائياً إضافياً للبقاء. فبخلاف بلدان أخرى كمصر وتونس، فالزمن الاجتماعي في العراق يحبو بطيئاً جداً بالمقايسة مع الزمن الفيزيائي الموازي له. ودون الإقرار بهذه الحقيقة البارزة وتمييزها إدراكياً -مع عدم الخوض الآن في أسبابها الجذرية المتعلقة بالاستبداد السياسي بشقيه القوموي والإسلاموي المنتجينِ للوعي الزائف المتين عبر نصف قرن-، سيصبح من الصعب على أي باحث أو كاتب أو مهتم بالشأن العام أن يتعامل بموضوعية فكرية وحيادية نفسية مع ما يحدث اليوم من حراك سياسي ملتبس وغرائبي، مصحوب بحراك جماهيري عراقوي غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن في زخمه وتقلباته. ولذلك نجد أن وهماً رغبياً صار يغلف رؤية أعداد مهمة من المتطلعين للإصلاح والخلاص، مفاده أن تظاهرة هنا أو اعتصاماً جماهيرياً هناك يستطيعان أن ينجزا التغيير السلمي والعقلاني المطلوب خلال أيام أو أسابيع قلائل (أي زمن فيزيائي). إنهم بذلك يتحاشون - ربما عن غير قصد- التعاملَ النفسي الصعب مع حقيقة أن التغيير التقدمي البنّاء تصنعه ساعة الزمن الاجتماعي المتريث والمتراكم اجتماعياً ونفسياً، على نحو تدرجي لا يمت بصلة إلى ساعة الزمن الفيزيائي الروتيني والثابت الإيقاع منذ ملايين السنين. وبتحديد أكثر، فمن يريد من الزمن الاجتماعي أن يلحق قسراً – في سرعته وتعجيله- بالزمن الفيزيائي التقليدي، فعليه أن يقطف تغييراً عنفياً ودموياً وفوضوياً في بلد مخرّب تماماً كالعراق، يفتقر إلى بدائل سياسية آنية ناضجة تمتلك أدوات إدارة السلطة والدولة بما يحقق هدف التغيير الأساسي المتمثل بالدولة المدنية المنشودة. فالجماهير المحتشدة بالأمس وغداً على أبواب المنطقة الخضراء بإمكانها أن تدفع موضوعياً باتجاه التغيير، لكنها غير مؤهلة تاريخياً بعد لقيادة التغيير وإدارته سلطوياً ودولتياً بأسلوب بنّاء ومنتج، إذ لم تتبلور بعد كياناتٌ سياسية جديدة تحقق الشروط الموضوعية لملء الفراغ السياسي الحاصل في حال انهيار النظام الحالي. فالثقافة السياسية في العراق منذ صعود الفاشية في انقلاب 8 شباط 1963م وحتى وقت قريب، اكتسبت - فردياً وجماعياً- طابعاً قدَريا ًأو خضوعياً أو رعوياً مهيمناً، ما أخّر كثيراً انبثاق عقلانية سياسية تجمع في دينامياتها بين الجوهر الديمقراطي والأداء الدولتي الرشيد. ومن جهة أخرى، إذا كان الزمن الاجتماعي يعمل بإصرار ومثابرة لصالح العقلانية الجمعية المنتظرة، فإنه ما برح يصطدم باستعصاء السلطة الحالية على الإصلاح ذاتياً ودخولها في مرحلة الاحتضار السريري طويل الأمد نسبياً، الأمر الذي قد يفرز إحباطاً أو جزعاً أو تسرعاً – غير ضروريين- لدى أفراد أو فئات اجتماعية معينة متلهفة للتغيير. فالسلطة ما برحت تبدي إنكاراً صلباً وعجزاً مأساوياً عن إنقاذ نفسها على الأقل، إذ تبدو منهمكة في إسقاط الذنب على الآخر – بوصفه متآمراً مندساً-، وفي اجترار تهويمات وسواسية بحثاً عن حلول جرى تداولها واستهلاكها حد العطب خلال أكثر من عقد من الزمن. فكل السلطات مغلقة البنية عبر التاريخ كانت سلطات لا عقلانية، لا تؤمن بغائيات السلوك الاجتماعي وقوانينيته، ولذا تحرص دوماً على تطبيق سيناريو انتحارها بإصرار عجيب. لقد انقطعت الصلة التفاعلية التأثيرية والتأثرية بينها وبين المحتجين، إذ يبدو كل منهما مستغرقاً في دينامياته الوظيفية الخاصة وكأن الآخر غير موجود البتة. وتوحي حالة الإنكار النفسي والخدر العقلي هذه، بأننا أمام مسلسل قد يطول خلال الفترة القادمة يتضمن "إهانات" جماهيرية متنوعة ومستمرة لـ"رمزانية" الدولة الغارقة في الرثاثة والهشاشة.
سلمية الاحتجاج وخطر العنف الكامن لعل من أبرز العوامل الذاتية التي أسهمت وتسهم في ديمومة الحركة الاحتجاجية التي بدأتها النخب المدنية لإنجاز التغيير السياسي السلمي، هو امتلاكها للخصائص الآتية منذ انطلاقها في تموز 2015م: - إنها لا تكف عن ممارسة فضيلة "الحلم" الدؤوب بعراق آخر، رغم وعيها ويقظتها العاليين. فهي حراكُ منتجٌ للأمل ومنظّر له في آنٍ معاً. - رؤيتها للإصلاح شاملة وثابتة وجدلية، إلى جانب قدرتها على تحليل أدق تفاصيل الخراب السياسي الحالي. - الزمن بالنسبة لها – مهما طال- فكرة اجتماعية لا فيزيائية، فالتغيير لا تصنعه الأيام بمعناها العددي أو الكمي، بل يصنعه الإصرار النوعي على المناداة بشرعية سياسية جديدة منقذة، عبر التمسك بسياسة المثابرة والنَفَس الطويل. - لا تعرف الملل أو اليأس أو النكوص، إذ تم تجاوز هذه المفاهيم منذ مدة بوصفها خداعاً عقلياً لا يجوز الاستسلام له. - إنها حراكٌ جمالي النزعة، تمتزج فيه مفاهيم السياسة بالفن، والوطن بالحب، والحرية الذاتية بالعدل الاجتماعي. - إنها سلمية بلا حدود، لكنها جذرية وغير مهادنة في الوقت نفسه حيال المظالم والمفاسد. ولعل طابعها السلمي الفريد هذا، سيشكّل عامل القوة الأكبر في استمراريتها وتطورها. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود طويلة كان العراقيون يتألمون ويتعذبون دون رد أو حتى تفكير بالاعتراض. لكن بشاعة السلطتين الحالية والسابقة طوال تلك العقود، راكمتْ في النفوس مثالاً عنفياً كابوسياً يجدر تفاديه من اليوم فصاعداً بأي طريقة، بل يجب اختراع مثال مناقض له في كل شيء. من هنا انبثقت النزعة "السلمية" و"اللاعنفية" في أداء الحركة الاحتجاجية، تعبيراً عن عقل جمعي بات يريد أن يتحاشى لا شعورياً أيَّ تشبّهٍ بسلوك السلطة أو أي احتمال يجعله قريباً من نمطها الرث من جهة، ولكي يقدم أنموذجاً يلتزم بالعقد الاجتماعي والقانوني بـ"عدم الاعتداء" فيجرّد الحاكمَ من فرصة اتهامه أو إدانته من جهة أخرى. وفي الحالتين تتفوق الضحية على الجاني اعتبارياً وإجرائياً. هذه الحشود المحتجة باتت تمارس تدريباً نفسياً شاقاً وناجحاً على عدم الانتقام أو التخريب أو التشفي، وبدلاً عن ذلك، باتت تكتسب دروساً مستمرة في كيفية التمرين على إستعادة الوطن سلمياً من لصوص الدين والسياسة والمال. وإذا كانت النخب المدنية بأعدادها الاحتجاجية المحدودة هي التي نظّرت لتبنّي النزعة السلمية ومارستها بالفعل، فإن انضمام الصدريين لاحقاً للاحتجاجات في شباط 2016 بأعداد غفيرة، لم يغّير الطابع اللاعنفي الثابت للحركة، بالرغم من دعوات لفظية ثوروية وممارسات فردية محدودة للتصعيد لم تجد لها تأييدأ أو احتضاناً. إنها واحدة من أشد العلامات المنبئة بالتغيير البنيوي القادم في العراق، أن النزعة السلمية باتت خياراً أثيراً يجري التمسك به والتنظير له لدى مئات الآلاف من محرومي هذا المجتمع ونخبه المدنية المتنورة، بمواجهة سلطةٍ لا تمتهن سوى القسوة والخداع والنهب وحرق الزمن. فهنا يبرز احتمال التغيير السياسي – بوصفه آلية تكيفية سوسيوسياسية لحفظ البقاء الاجتماعي- حالما يتبنى المجتمع خياراً أخلاقياً صارماً مضاداً لأخلاقية السلطة المتصدعة. في مقابل تلك النزعة السلمية للحركة الاحتجاجية، فإن أيَّ سلطة تعاني من تآكل شرعيتها في المخيال الشعبي العام لأي بلد، ما أن تلجأ للعنف الدموي العلني ضد معارضيها السلميين، حتى يزداد اعتقادهم (أي المعارضين) بقدرتهم على حسم الصراع لصالحهم، إذ يعد هذا العنف السلطوي غير المبرر إشارة ضعف يتلقفها الوعي المعارض شديد الحساسية والنباهة في لحظات التغيير الكبرى. ففي كل مراحل التاريخ، السلطة القدَرَية لا تعلم أنها لا تعلم، ولذلك فإنها تظلُّ مخلصة - حتى ساعة الرحيل- لوهمها الصلب في أن أفواجاً من البيادق وأسواراً من الكتل الخرسانية فضلاً عن مقولات "مقدسة" عن الوطن والدين و"الهيبة"، تكفي أن تكون لها عضيداً "موثوقاً" وحليفاً "بديلاً" عن مجتمع كامل بات يكرهها، بل صار يتصور في أحاديثه ورؤاه شكلَ نقيضها المنتظر. فالعيارات النارية والمطاطية والغازات والمياه الساخنة التي أطلقت يوم 20 أيار 2016 ضد المتظاهرين السلميين وسط بغداد، وأسقطت قتلى وجرحى بالعشرات، سترفع – سيكولوجياً- سقفَ المطالب الاحتجاجية من إصلاح النظام الى إنهائه، ولا شيء أقل من انهائه. ولعل هذا سيترافق مع فتورٍ أو عزوفٍ أو إحباطٍ يصيب بعض المحتجين نحو جدوى التمسك بالأداء السلمي، ما يدفعهم إلى التنظير باتجاه تصعيد المواجهة مع الخصم السياسي بالاستعانة بأساليب احتجاجية تصادمية أكثر "فاعلية" من وجهة نظرهم. وهنا يكمن خطر جدي في فقدان الحركة الاحتجاجية لأهم أسلحتها على الإطلاق، أي كونها تمثل الإرادة المسالمة والحضارية لمجتمع يتطلع إلى الانعتاق من ثقافة العنف وصراع الهويات. ولذا تغدو المهمة الأساسية لمنسقي الاحتجاجات في المرحلة الحالية، هي الحذر من الانزلاق العاطفي المتسرع لتفعيل الاصطدام الجسدي واسع النطاق بالقوى القمعية للسلطة، سعياً لنهايات فنية مستعجلة للصراع في وقتٍ لم تتبلور فيه بعد خيارات موضوعية قادرة على ردم الفراغ السياسي الناتج عن انهيار السلطة وربما مؤسسات الدولة أيضاً. فالبديل الأسمى يبقى تعميق النزعة السلمية الآسرة والفريدة لهذا الحراك، لكونها تستمد طاقتها المتجددة من وعيها بفكرة المستقبل الآمن الذي يجب أن يُصنع أخلاقياً اليوم وهنا، مهما تصاعدت حشرجاتُ "التخوين" ورفساتُ العنف اليائس من جثة السلطة القابعة في الماضي والآيلة إلى التعفن السريع.
الكتلة التاريخية..وإنهاء حكم الدين السياسي إن رجالات السلطة لا يستطيعون أن يفهموا أو لا يريدون أن يصدقوا، أن الوعي السياسي للناس في العراق قد بدأ باتخاذ توجهات مدنياتية عدالوية في إطارها العام لا رجعة عنها، بالرغم من كل الإرث الاستبدادي الثقيل، إذ تجاوزَ –بمراحل- وعيَ السلطة الغرائزي القائم على مبدأ الغنيمة والاستئثار وعُصاب الامتلاك. فالناس الذين كانوا ينتخبون رموزاً أو أحزاباً أو كتلاً إسلاموية معينة، ويسبغون الشرعية عليها، بدأوا يفكرون بطريقة مغايرة، ويسحبون ذلك التأييد غير المشروع، من خلال نمو وعي معارض يستند إلى قيم المواطنة، والإدراك المجتمعي للحقوق المستلبة، والإحساس العام المتزايد بالمسؤولية نحو المستقبل ومصير البلاد. فالخدر النفسي الجاثم في أعماق الفرد العراقي قد بدأ بالتفكك بالفعل، إذ شرعت متواليات الوعي المعارض والناقد بالنمو النوعي بتأثير المناخ الصحي الذي إشاعته ثقافة الاحتجاج. وأمام هذا الاستعصاء على الفهم الذي يبديه النظام السياسي مغلق البنية من جانب، ومشاعر الإحباط والغضب وحتى الانتقام المتزايدة لدى الجمهور من جراء هذا الاستعصاء من جانب آخر، يتجه التطور السوسيوسياسي في العراق بحسب مؤشرات المواجهة الميدانية المستمرة منذ اجتياح المنطقة الخضراء، إلى نقطة الاحتدام الراديكالي، ومن بعدها احتمالية الحسم بكل عواقبه الواعدة والمأساوية. لكن الخيار القائل بالانتقال السلمي، بديلاً عن الانتقال العنيف، في أوضاع معقدة وكارثية كالعراق، من نظام سياسي طائفاني عاجز وفاقد لمهارات إدارة الدولة، إلى نظام وطنياتي يهيء الظروف لدولة رشيدة، هذا الخيار لم يستنفذ احتمالاته بعد. فقد اكتملت العوامل المحرضة على ضرورة "التغير" السياسي، أما أدوات "التغيير" -تمييزاً عن مفهوم التغيّر- إذا أريد له أن يكون سلمياً، ما تزال في طور النشوء والتعلم واكتساب الخبرة وتجريب الأخطاء، ضمن حاضنة الزمن الاجتماعي المكتظ بعوامل التعويق والعجز والأوهام إلى جانب عوامل الأمل والفاعلية والواقعية. وإن تقصير هذا الزمن الاجتماعي واختزاله، مرهون بالتحشيد المخطط له لانبثاقٍ تدريجي لـ"كتلة اجتماعية تاريخية" منقذة، ذات زخم جماهيري كمي وتأثير كارزماتي نوعي عابر للهويات الفرعية بما فيها الإثنية والطبقية والمناطقية والايديولوجية، تستعين بالوسائل الديمقراطية للتأسيس التدريجي لشرعية سياسية جديدة تملأ الفراغ السياسي المتزايد بفعل تآكل شرعية السلطة الحالية. وفي الوقت ذاته تشرع هذه الكتلة بتأسيس تصورات سياسية مدنياتية جديدة لبنية الدولة ونمط الحكم في الذهنية العامة للمجتمع، أي تمارس "هيمنة ثقافية" بالمعنى الغرامشوي، تكون بديلاً عن سياسات الهوية الصراعية التي أريد لها أن تهيمن على الحس العام في العراق منذ سنة 2003م. هذه الكتلة الاجتماعية ليست خيالاً فكرياً أو يوتوبيا سياسية، بل أصبحت إمكانية كامنة تنتظر التفعيل لتحقيقها، سيما في ضوء التقارب المدني– الديني (الصدري) المتحقق فعلاً في ساحات الاحتجاج، إذ يمكن أن يكون النواة الأولى المشيدة للكتلة، ولكن بشروط موضوعية وضمانات متبادلة بين الجميع. وهو تقارب يتطلب تحليلاً منفصلاً ومفصلاً بحد ذاته لا يتسع له المقام هنا. إن المبرر الموضوعي الأساسي لتفعيل هذه الكتلة، هو افتقار الحياة السياسية في العراق اليوم إلى تيار أو كيان يجمع بين المقومات الأساسية الثلاثة اللازمة لظهور بديلٍ سياسي فوري مكتمل يملأ الفراغ السياسي في مرحلة ما بعد غياب النظام السياسي الحالي، وهي: 1- أن يمتلك هوية سياسية – ايديولوجية مُنجَزة. 2- أن يمارس فاعلية سياسية مؤثرة عبر تأييد جماهيري واسع يدعمه. 3- أن يحظى بقاعدة اجتماعية كفوءة ذات مهارة بيروقراطية وتكنوقراطية. فعلى سبيل المثال، يفتقر المدنيون بكل أصنافهم إلى الفاعلية السياسية المؤثرة بسبب عجزهم عن الائتلاف في كيان سياسي موحد لحد الآن، بالرغم من امتلاكهم لهوية سياسية ومهارات إدارية وفكرية فاعلة. أما الصدريون فيفتقرون إلى وضوح الهوية السياسية وتعوزهم المهارات الإدارية والتكنوقراطية الكافية، إلا أنهم يتميزون بالفاعلية السياسية العالية استناداً إلى جمهور راديكالي غفير. هذه الكتلة ستكون مؤهلة في حال قيامها، لإنجاز عملية نقل السلطة سلمياً عبر الوسائل الانتخابية والاحتجاجية والثقافية، من البنية الغنائمية الحالية إلى البنية التشاركية التي ينتظر منها تعبيد الطريق نحو الدولة الوطنية بوصفها مدخلاً إلى الدولة المدنية القادمة؛ بمعنى أنها تسعى لنقل الصراع السياسي في نهاية المطاف من الطابع الإثني الإقصائي إلى الطابع المدني العقلاني ذي الهوية الثقافية والطبقية، ويمكن أن تهيئ في الوقت نفسه لتحالفات انتخابية جديدة عابرة للتسييس الديني والعِرقي.
قوام الكتلة التاريخية وبنيتها ووظيفتها
إن قوام الكتلة التاريخية يمكن أن يشمل كل محافظات البلاد وخلفياتها الديموغرافية، من تياراتٍ مدنية ليبرالية أو يسارية بما فيها الشيوعيين، وتيارات ومرجعيات دينية إصلاحية بما فيها الصدريين، ونقابات، واتحادات مهنية وثقافية، وقوى المجتمع المدني، وسياسيين ومثقفين وتكنوقراط وأكاديميين وإعلاميين، وحتى قوى اقتصادية (صناعية وزراعية وسياحية ومالية وتجارية) تضررت من نظام المحاصصة وفساد الدولة الريعية، وأي قوى أخرى ترغب بالالتحاق كممثلي الأقليات الدينية والعِرقية؛ أي إنها تراتبياً مزيجٌ من بقايا الطبقة الوسطى والطبقات والفئات الأدنى والأعلى منها، وهي ثقافياً مزيجٌ من ذوي التعليم المتقدم والثقافة العليا وبين المفتقرين لهما، من كل الأديان والمذاهب والأعراق، غير أن ما يوحدهم هو هدف الانتقال بالبلاد إلى حقبة جديدة بعيداً عن كتلة المغانمة الطائفانية التاريخية. وهذه الكتلة مرنة بنائياً ووظيفياً، وقابلة للتعديلات دوماً، وتوحدها أهداف مرحلية مشتركة: - إعادة بناء النظام السياسي وفقاً لمبدأ المواطنة ونبذ الطائفية. - تأمين استقلالية النشاط السياسي عن أي أغراض دينية أو مذهبية أو عِرقية. - مكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي. - إعادة النظر بالهيكلية القانونية العامة للدولة، بما يضمن مدنية الدولة وتجريم التمييز وتفعيل مبادئ العدالة الانتقالية. - إعادة تأهيل مؤسسات الدولة على أسس الكفاءة والخبرة والنزاهة. - ترسيخ أسس الديمقراطية الاجتماعية عبر إعادة توزيع الثروة على نحو عادل. - إنجاز التنمية الاقتصادية والبشرية. - ترسيخ مبادئ الديمقراطية السياسية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. وهذه المشتركات لا تختص بطبقة أو حزب أو دين أو عِرق أو طائفة معينة، بل تختص بالمجتمع برمته، أي تحصل على إجماعه الذهني والأخلاقي، ولكن دون إذابة الكيانات والأحزاب والجماعات داخل الكتلة. وهكذا فإن الإصلاح المرتجى تحقيقه من الكتلة الاجتماعية التاريخية لن يطال وظائف النظام السياسي فحسب، بل بنيته الجوهرية أيضاً على مدى زمني قد يمتد لدورتين انتخابيتين قادمتين على الأقل، تجنباً للخيارات الراديكالية الآنية ذات الطابع العنفي المفتقر لتهيئة البدائل السياسية المناسبة. وبذلك يتخذ مفهوم الإصلاح صفة جذرية إذ يستبدل بنية الدين السياسي المنتجة للعنف والتمييز والفقر والفساد، ببنية المواطنة المتساوية المهيأة لإنتاج السلم الأهلي والعدل والرفاهية وهيبة القانون. فهي ليست جبهة أو تحالفاً أو كياناً حزبياً، وهي ليست كتلة ايديولوجية ولا سياسية بالمعنى التقليدي الباحث عن السلطة، بل كتلة اجتماعية تنسيقية لإنجاز مهمات إنقاذية للبلاد، تشكل نقطة التقاء لأفراد وجماعات اجتماعية مختلفة (سياسية وثقافية ودينية ومدنية ونقابية) لتكوين إرادة مجتمعية مشتركة تكون بديلاً تدريجياً للعملية السياسية الحالية التي ثبت أنها كتلة تاريخية منتهية الصلاحية انتهكت بنود العقد الاجتماعي مع المجتمع. وهنا ينفتح مفهوم "النشاط السياسي" في هذه الكتلة ليشمل مساحة تعريفية أكبر من حدود الانتماء الحزبي أو المنصب السيادي في الدولة، إذ تصبح الوظيفة الاجتماعية ذات التأثير الثقافي والمهني والتعليمي والتربوي والنقابي شكلاً من أشكال التأثير السياسي الموضوعي وإنْ كان بأسلوب غير مباشر. أما التناقضات والتنافسات الايديولوجية أو الطبقية بين أطراف الكتلة فيجري تأجيلها طوعياً وموضوعياً، ريثما يتم إنجاز التحول من دولة المكونات المتناحرة إلى الدولة الوطنية الجامعة، إذ سيعود حينها الصراع الطبقي والايديولوجي والثقافي لإنتاج نفسه من جديد، ولكن ضمن ظروف جديدة تصبح فيها الثقافة السياسية السائدة أقرب إلى الطابع المدني من أي وقت مضى. لا توجد تصورات نهائية عن هوية هذه الكتلة وبنيتها وآليات عملها ومديات تأثيرها. وهي لم تتشكل بعد، بل هي في حالة صيرورة وابتناء داخلي يقبل المراجعة والتعديل دوماً. ولذلك فإن بلورة ملامحها الأولى يتطلب أولاً إطلاق حوارات معمقة وصريحة بين مختلف الأطراف الفاعلة من سياسيين ومثقفين وناشطين مدنيين ورجال دين، لإنضاج الرؤى المشتركة التي قد تتبلور في النهاية بقائمة انتخابية واحدة عابرة للإثنيات تحقق تغييراً حقيقياً في بنية النظام السياسي، أو على الأقل تظهر على السطح كتلة اجتماعية تمارس ضغطاً احتجاجياً فاعلاً ومستمراً ضد السلطة، أو تأثيراً ثقافياً مستنيراً في اتجاهات المجتمع وخياراته السياسية. هذا الحوار المجتمعي الواسع يمكن أن يؤدي فيه المثقفون والمفكرون وأصحاب الرأي والكلمة دوراً أساسياً بالمقايسة مع السياسيين، إذ قد ينضّج مفاهيم جديدة مشتركة أو يعيد النظر في مفاهيم أساسية، كالمدنية والعلمانية والدولة المدنية والدين السياسي والإصلاح وعلاقة الدين بالدولة. وهو يستلزم جوهرياً التخلي عن التصورات الايديولوجية النمطية المسبقة التي تتحكم في أساليب الإدراك والوجدان بين الأطراف المعنية، ما قد يوفر إمكانية حقيقية لاستخلاص عقد اجتماعي جديد يحظى بمقبولية عالية من المجتمع السياسي العراقي بعد عقود من الاستبداد والعنف الأهلي. لقد بات المكان الاجتماعي يعج بالناس، بمعنى أن الجماهير أصبحت قادرة على التفكير بصناعة التغيير، ولكن دون إطار تنظيمي أو سياسي مهيأ لحكم البلاد على نحو كفوء ويحظى بالشرعية. ولذا يرتجى من هذه الكتلة الاجتماعية المنتظرة أن تملأ الفضاء العمومي التاريخي في هذه المرحلة، وتشكل بداية لذاكرة سياسية جديدة، في وقت يضيق فيه فضاء السلطة ليمتلأ بالسلاح والكتل الخرسانية والأسلاك الشائكة فحسب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش: * تنظر مقالة سابقة للكاتب: "الشيوعيون والصدريون وخيار الكتلة التاريخية"، منشورة ضمن كتابه "الأسلمة السياسية في العراق: رؤية نفسية"، 2014، دار المدى، بغداد، ص 217 – 226.
|