صراع وتمزق قبلي في تكريت على خلفية الوقوف مع أو ضد داعش

المقاله تحت باب  قضايا
في 
21/08/2016 06:00 AM
GMT



نقاش / غزوان حسن الجبوري
يبدو أن الظروف بعد طرد عناصر داعش عن أجزاء واسعة من محافظة صلاح الدين ومركزها تكريت أفرزت واقعا اجتماعيا وسياسيا جديدا تميّز بالانشقاق والصراع العشائري والقبلي.


متلك العراق طبيعة ثقافية تتسم بالقبلية بشكل أساسي، فهناك عدة عشائر تتحكم بصورة رئيسية في الثقافة الاجتماعية وترسم ملامح السياسة الاجتماعية في العراق نتيجة الدعم المستمر لزعماء القبائل على حساب زعماء التيارات المدنية سواء كان من خلال السياسات العامة للدول الكبرى في تعاملاتها مع العراقيين او من خلال الدول الإقليمية.

وبعد خروج داعش من المدينة وبعض أطرافها ظهرت بعض العشائر بمظهر البطل متصدرة للمشهد العام وأخرى بصفة الخائن المتعاون مع المتشددين بغض النظر عن خيارات الافراد داخل القبيلة الواحدة.

عماد العجيلي (45) سنة يسكن حاليا في المناطق الكردية شمال العراق مهجر وخائف وهو في الاصل من منطقة البو عجيل شرق تكريت (5 كلم) والتي اتهمت باشتراك الكثير من أبنائها بمجزرة سبايكر صيف 2014، دوافع الخوف والقلق يبررها عماد بان عشيرته اصبحت موضع اتهام ومطالبة بدماء الكثير من قتلهم داعش من ابناء العشائر المحيطة بمدينة تكريت وخاصة الجبور والعبيد والدليم.

يصف عماد الوضع بالقول: "كونك عجيلي في أي نقطة تفتيش للشرطة او حشد العشائر المحيطة بتكريت كافية لتتلقى كيلا من الشتائم والاهانات والتدقيق والتحقيق الامني والضرب المبرح والاعتقال لأيام عدة".
 ويتابع  "هناك اكثر من (23) شابا من البو عجيل لا نعرف مصيرهم واختفوا في ظروف غامضة حتى اليوم ولا احد يجيب ذويهم عند الاستفسار عنهم بل يوبخون ويستمعون لكلام نابي فيما تحولت المنطقة الى ركام بفعل تفجيرات الحشد الشعبي الانتقامية ومن ثم قوات العشائر التي استكملت نهب وتفجير المنطقة".
في الجانب الآخر يقول إبراهيم درويش الجبوري مسؤول محلي في حشد العشائر ان "عشيرة البو عجيل والبو ناصر من اكثر العشائر التي بايعت داعش منذ دخولها الى تكريت وقاموا بقتل ابنائنا بكل وحشية ورموهم في نهر دجلة كما سرقوا المحال التجارية والعقارات والسيارات العائدة لعشيرتي الجبور والعبيد وغيرهما وكأنهم ينتظرون الفوضى للانتقام".

 ويضيف "المشتركون بالجرائم معروفون بالأسماء والصور وكانوا يتباهون بأفعالهم وعشائرهم لم تتبرأ منهم ولم تعترض او تشجب ما كانوا يفعلون حتى جاء التحرير وأصبح الامر واقع حال، فبدأت ضدهم تحركات الانتقام على ما فعلوه".
وقال بشيء من الحزم "لن نقبل الدية او التوسط من اجل الفصل العشائري".

منطقة العوجة جنوب تكريت (10 كلم) المقر الرئيس لعشيرة البو ناصر مهجورة بالكامل وجميع منازلها  دمرت او احرقت فيما لجأ غالبية سكانها الى مناطق كردستان.

 يقول معتز الناصري (31) سنة من سكنة العوجة لـ"نقاش" ان " قرابة (38) من أبناء العشيرة انضموا لداعش في بداية الأحداث وارتكبوا جرائم، الأمر الذي جعل المنطقة هدفا لهجمات الميليشيات والعشائر المحيطة بها واليوم اصبحت عودة السكان لمنطقتي البو عجيل والعوجة شبه مستحيلة، كون الاستهداف قائما والتهديد مستمرا، فضلا عن ان التدمير الذي لحق بالبنى التحتية ومنازل المواطنين جعل المنطقتين غير صالحتين للسكن".
في شمال محافظة صلاح الدين يبدو الموقف مفهوما كون الصراع بين العشائر وهم جميعا من نسيج مذهبي واحد، بينما في جنوبها تتداخل الصراعات العشائرية والقبلية بالمذهبية الطائفية لتعقد المواقف ولتخلق ازمات اجتماعية معقدة قد تكون سببا لصراعات طويلة الامد.
قضاء بلد (100كلم) جنوبي صلاح الدين يتكون مركزه من غالبية شيعية بينما نواحيه الثلاث الاسحاقي ويثرب والضلوعية مناطق سنية، بعد اجتياح داعش سقطت ناحيتا الاسحاقي ويثرب بيد داعش، وقتل عشرات من اهالي بلد من القوات الامنية والمدنيين ثم لتستعيد القوات الامنية والحشد الشعبي الناحيتين  نهاية 2014 وليهجر معظم سكانها والمقدر باكثر من (110) آلاف نسمة.

 تتكون ناحية يثرب شرق بلد (7 كلم) من اربع عشائر كبيرة هم البو حشمة والبوجيلي والمزاريع والاحباب واخرى اصغر، حاليا ترفض عشائر بلد وبني سعد المحيطة بيثرب عودة السكان الى مناطقها بعدما صار بينهم دم".
ويقول الشيخ محمود السعدي احد وجهاء المنطقة مبررا الامر "عندما يطلق احدهم النار من منزلك على عائلتي ويقتل ابني او شقيقي اما ان تكون راضيا عن الامر او مشاركا فيه، ان دماء اكثر من (80) شابا من بني سعد في رقاب عشائر يثرب فهم من آوى ورحب ودعم داعش ولو وقفوا ورفضوا وقاتلوا داعش  مثل اهالي الضلوعية المجاورة  لما حدث بيننا اي شي".
ويتابع "شقيقتي متزوجة في يثرب من احد رجال عشيرة المزاريع واني قد تبرأت منهم وقطعت علاقتي بهم وطالبت ان يتم تطليق اختي".
في سجلات الشرطة المحلية في قضاء بلد تم تسجيل اكثر من (30) حالة اعتداء خلال ستة اشهر على مواطنين من اهالي يثرب من قبل العشائر المحيطة بها تراوحت بين الضرب المبرح والاختطاف لفترة محدودة والاهانة وعدم السماح لهم بدخول مركز القضاء.

 ومن اشهر القصص المتداولة توثيق وضرب الشرطي عدنان خير الله على احد ابراج الكهرباء لعدة ساعات في الصيف الحار وضرب ابو اخلاص (55) سنة وهو مقعد على كرسي متحرك بالهراوات من قبل العشائر المحيطة بيثرب.
"الدوافع الطائفية وسياسة فرض الامر القائم والسيطرة على الاراضي الخصبة على ضفاف نهر دجلة هي الدوافع الحقيقية وراء تعنت بعض العشائر واستقوائها بالحشد الشعبي لمنع عودة السكان الى مناطقهم في نواحي قضاء بلد".

 هذا ما يلمح اليه ابو صفوان العزاوي من سكنه يثرب ويضيف "وفق المعلومات التي تردنا هناك سياسة تقوم على الاستيلاء على أملاكنا من بساتين وبيوت وقنوات الري وكل شيء يمكن بيعه منذ عشرة اشهر من تحرير المدينة والتي لم يدخلها احد سوى الحشد، وبعض العشائر  تحالفت مع الحشد من اجل تغيير الواقع السكاني للمنطقة مذهبيا وعشائريا".
الحكومة المحلية في صلاح الدين سعت الى ايجاد حل لمشكلة قضاء بلد لنزع الفتيل وتهدئة النفوس واخذت على عاتقها ايجاد حل وسط يكون بتعويض ضحايا إرهاب داعش.
 وتم رصد مبلغ اربعة مليارات دينار عراقي أي مايعادل (ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار) من جهة وعدم السماح بعودة عائلات من انتمى لداعش من جهة اخرى على امل ارضاء العشائر  والسماح بعوده اكثر من سبعة آلاف عائلة مهجرة  الى مناطق يثرب والاسحاقي وعزيز بلد والمحطة  التابعة لقضاء بلد وهذا الحل لم ير النور منذ اكثر من عشرة اشهر بسبب ضعف الامكانات المادية حاليا والاجراءات الروتينية الادارية في صرف وتحويل الاموال.
الشيخ مروان ناجي الجبارة الناطق باسم مجلس شيوخ صلاح الدين  يرى ان العشيرة في المجتمع تعمل كضمان لسلامته والحفاظ عليه.
 ويقول "لاشك ان ما حصل بعد مرحلة داعش ولد مشاكل لا حصر لها ولكن العشيرة كمنظومة قادرة على تحمل مسؤولياتها اذا ما أتيحت لها الفرصة، لان المنظومة العشائرية مترابطة فيما بينها فالعشيرة تمتد فوق المسميات الطائفية والعرقية  وقادرة على  جمع الشتات والاختلاف بوحدة النسب والقيم العربية المعروفة كعشيرة الجبور مثلا فيها من السنة والشيعة وهناك افخاذ منها حتى مع الاكراد في شمال العراق".
ويضيف "داعش لا ينتمي لعشيرة معينة ولكن ربما عشائر، مثلا البوعجيل والبو ناصر كانوا اكثر العشائر تمثيلا في داعش لذلك كانت الصبغة العامة لداعش عشائرية".

  ويؤكد "الحل لصلاح المجتمع والناس بتطبيق القانون، فبعد ان يأخذ القانون مجراه مع المجرمين المنضوين تحت راية داعش والموثق ضدهم فإن المشكلات الاخرى التي افرزها داعش في هذه المناطق يمكن حلها مع الاشخاص الاصحاء والاصحاء هم الذين لم يلوثوا انفسهم بإفرازات داعش وتبعاتها".
الناشط المدني مصطفى الصوفي يرى أن "المشهد السياسي العام في العراق مضحك جدا، فهو جعل من ابناء قبيلة البو عجيل والبو ناصر والعشائر في المناطق الساخنة عموما مصنفين كإرهابيين بغض النظر عن اعمالهم وليهجروا من مناطق سكناهم ولتسلب بقية العشائر ممتلكاتهم وتم وصمهم بالخونة وبانعدام الوطنية بغض النظر عن كونهم غير مسؤولين عن ضبط الامن او تثبيت القانون".
ويضيف "عشائر مثل الجبور والقيسيين وعشائر الجنوب العراقي كعشائر وطنية لها نفوذ وسطوة داخل الميليشيات وداخل الاجهزة الحكومية الادارية سواء كانت حكومة محلية ام حكومة مركزية".

ويضيف "اليوم يحدد زعماء القبائل واصحاب النفوذ القبلي من سيجلس في الكرسي في المنصب فلاني وهذا يشمل حتى المناصب الادارية البسيطة والصغيرة،  يخرج ابناء العشيرة صاحبة النفوذ عن القانون ولا تشملهم اي عقوبة ان خالفوه ويتعطل امامهم الجهاز الامني والقضائي وحتى السياسي".

داعش ترك ارثا من الانقسام والصراع القبلي والعشائري في عموم العراق لا يبدو انه سينتهى قريبا فكم من عشيرة قاتلت اخرى لعشرات السنين على عدد من الامتار من الارض او مراعي الاغنام فما بالك وقد اريقت  دماء المئات، الثأر والانتقام والضغائن والاحقاد تلمسها  جلية في كلام  الناس البسطاء لتجعلك تستنتج ان مراحل  قادمة من الصراع والاقتتال مستمرة بأوجه ومسميات اخرى .