العشائرية تظهر في إقليم كردستان من جديد

المقاله تحت باب  قضايا
في 
21/08/2016 06:00 AM
GMT



نقاش / جوانرو محمد
بدأت معظم العشائر المعروفة في إقليم كردستان بإعادة تنظيم نفسها من جديد واستعراض قوتها من خلال المهرجانات والفعاليات المتنوعة التي يتم تنظيمها.
ينادي إقليم كردستان منذ ربع قرن بسلطة وحكم مدني إلا أن الأحداث والتطورات السياسية الأخيرة أعادت عجلة الحكم الى المربع الأول وأصبحت العشائر والقبائل رقما مؤثرا من جديد.
ويتمثل جزء من الخصوصية التي تميز إقليم كردستان عن مناطق العراق الأخرى في انه على الرغم من وجود عشائر معروفة في كردستان الا انها كانت تتمتع بسلطة ضعيفة في معظم الأحيان كما كانت تستظل بالأحزاب السياسية، ولكن هذه المعادلة بدأت بالانقلاب.
وشهد الأسبوع الأول من شهر نيسان (ابريل) الماضي مهرجانا خاصا بعشيرة المنمي في مدينة السليمانية، وقد تم خلال المهرجان الذي حضره حوالي ثلاثة آلاف رجل عرض الأزياء والأكلات وعدد من أنواع الأسلحة القديمة (عشيرة المنمي هي احدى العشائر الكردية المنتشرة في اربيل والسليمانية).
واشار كمال حمه شريف الحاج حارث رئيس عشيرة المنمي إلى أن العشيرة منتشرة في محافظتي السليمانية واربيل والكثير من المناطق الأخرى وإنهم ارادوا إعادة تنظيم أنفسهم من خلال المهرجان.
 وقال لـ"نقاش" ان "المراسيم التي يتم تنظيمها تقليد وأمر جيد، لأنها تقرب بين الاهل والأقارب ولاسيما وان شبكات التواصل الاجتماعي أدت الى فتور العلاقة بين القربى وان الناس اقل معرفة بأخبار بعضهم".
ورفض كمال ان يكون وراء محاولتهم تلك أهداف وأجندات سياسية بل ان ما جمعهم هو هم لقاء الأقارب والمعارف – حسب قوله -.
وتوجد في كردستان عشائر معروفة ابرزها عشائر الجاف وگوران وميراودلي والگردي والعوزيري والزنگنة وبلباس والهموند والبرزنجة والهركي والزيباري والشوانكار والبرادوست والزند والعديد من العشائر الأخرى.
ولاقت العشائر خلال الحرب الأهلية (1994 – 1998) رواجا كبيرا كما يسمع كلام رؤسائها في الكثير من الاماكن حيث كان الطرفان المتحاربان (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) يعتمدان على العشائر في كثير من الأحيان لحسم الخلافات ولكن بعد ذلك قل تأثير العشائر.
اما المرحلة الثانية من تزايد تأثير العشائر فتعود إلى عملية الانتخابات في أعوام 2009 و2013 في إقليم كردستان حيث كانت الأحزاب السياسية وخصوصا الحزبين الرئيسين تستفيد من إمكانيات العشائر من اجل الحصول على الأصوات في الانتخابات.
وذكر الكاتب وأستاذ التاريخ عبدالله ريشاوي أن الأطراف السياسية تعتمد بشكل كامل على العشائر خلال الانتخابات حيث يمكنها جذب ميل أصواتها من خلال كسب تأييد رؤساء تلك العشائر.
 وقال لـ"نقاش" حول ذلك: "تستطيع الأحزاب السياسية كسب ولاء القبائل والعشائر عن طريق العلاقات الاجتماعية وتأمين مصالح تلك القبائل والعشائر فكثيرا ما تجعل الأحزاب السياسية نفسها بديلا عن القانون والحكم لمصلحة العشائر، وتنفذ لها كل ما لا يقوم به القانون فتحل لها نزاعاتها الاجتماعية وتثبت مصالح ابنائها وبناتها بالاضافة الى ذلك فان العلاقات الشخصية والاجتماعية التي تمثل جزءا كبيرا من المؤسسة القبلية والعشائرية يتم تفعيلها وبناؤها عن طريق الاحزاب".
واضاف ريشاوي "تكون هناك احيانا علاقة دم بين العشيرة والحزب فمثلا عندما يصبح أبناء العشيرة مسلحين في حزب معين فأنهم سيربطون الحزب بعشيرتهم خصوصا إذا ما استشهد احد هؤلاء الابناء فستتحول العلاقة بين الحزب السياسي والعشيرة التي ضحت بالدماء من اجله الى علاقة بقاء أبدية".
اما الآن والإقليم يسوده وضع سياسي غير مستقر مع الحرب ضد داعش على الحدود فان سلطة العشائر بدأت تلقى رواجا من جديد وان المهرجانات والمناسبات المختلفة التي تنظمها تمنحها فرصة لاستعراض القوة.
ويعدّ مهرجان عشيرة الجاف من أشهر المهرجانات التي يتم تنظيمها، وتتكون العشيرة من (52) جذما وفخذا متوزعين على جنوب وشرق كردستان وهي إحدى العشائر الكردية القديمة وقد نظمت بين أعوام 2002 حتى 2014 خمسة مهرجانات كبيرة في الإقليم.
وحول إعادة العشائر تنظيم نفسها قال حامد الحاج غالي مسؤول المكتب الاجتماعي للاتحاد الوطني الكردستاني ومسؤول شورا الجاف لـ"نقاش": ننظم "سنويا مهرجان عشيرة الجاف بهدف احياء التراث والحفاظ عليه، ومع ان الحزب  كان في البداية ضد تنظيم المهرجان اذ كانوا يخشون من ان تقوم العشيرة بتأسيس حزب إلا ان وجهة نظرهم قد تغيرت بعد تنظيم المهرجان".
ولا يخفي الحاج غالي استفادتهم من العشائر خلال الانتخابات ولكنه يرى انه لا يمكن الاعتماد على العشائر من ناحية القوة لان قوة العشائر هي غير منظمة حسب قوله، وأضاف: "نريد ان نحافظ على تراثنا ولن نصبح في اي وقت أداة للقتال كما لا نريد استعراض القوة خلال المهرجان، لقد كنا دائما عامل سلام داخل الأحزاب لا الحرب".
وحول الوضع السياسي في الاقليم وتأثير العشائر قال غالي إن عشيرة الجاف وبالتعاون مع الكثير من العشائر الأخرى قد سعت الى تحقيق الوئام بين الأحزاب.
وتعرض عشيرة الجاف خلال مهرجانها السنوي الازياء الكردية وأنواع الأسلحة القديمة كما يتم اعداد الأكلات وتنصيب الخيام.
ومع ان العشائر تقول ان تحركاتها الأخيرة وراءها "حسن نية" إلا ان كثيرين يعتبرون تلك الفعاليات خطرا ويرون انه إذا كان الجانب الايجابي في إحياء العشائرية يتمثل في الاجتماع والالتقاء فيما بينهم فان جانبه السلبي والخطير يتمثل في احتمال ان تؤدي هيمنة سلطة العشائر الى خروقات قانونية.
وكثيرا ما اصدرت منظمات المجتمع المدني خلال المناسبات المختلفة بيانات حول وجود العديد من المجرمين الذين تم إيواؤهم تحت ظل بعض العشائر وكذلك فض الكثير من النزاعات والجرائم الكبرى بدعم من العشائر في المؤسسات الاجتماعية داخل الاحزاب ولاسيما الجرائم التي تتعلق بقتل النساء.
 شوخان احمد وهي ناشطة مدنية وإحدى المحاميات في كثير من القضايا المتعلقة بقتل النساء في اقليم كردستان تشير الى ان كثيرا ما تم إنهاء المشكلات الكبيرة في المحاكم من قبل العشائر وتقول: "لا تزال العشائر في المجتمع الكردي لها اليد في الكثير من المسائل الصغيرة والكبيرة ومنها الاتفاق على الطلاق والقتل بل وحتى انها تتخذ القرارات في مسائل صغيرة جدا والسبب في ذلك هو عدم سيادة القانون وفقدان المواطنين الثقة في المحاكم ما يمهد الطرق امام تسلط العشائر وحسمها لقضايا لا تستطيع المحاكم حسمها".
شوخان قالت لـ"نقاش": لقد "كنت اعمل خلال الأشهر الماضية على قضية قتل من اجل حسمها من خلال القضاء ولكن قبل أن تأخذ القضية مجراها القانوني تم الصلح بمبلغ أكثر من 200 ألف دولار وأغلق الملف".
ويعتبر الصلح مقابل مبلغ من المال احد أنواع انهاء القضايا حيث يدفع أهل الجاني مبلغاً من المال لاهل المجني عليه الذين يتنازلون بدورهم عن حقهم القانوني ويتوقفون عن الثأر.
وتصر العشائر وأعضاؤها على ان احياء الروح العشائرية هو تمسك بـ"التراث الأصيل" للمجتمع الكردي وليس خطرا على المجتمع بل انه يعزز العلاقات الاجتماعية ايضا، ولكن هذا التفسير له معارضون ويرى الكثير منهم ان احياء الروح العشائرية سيؤدي في النهاية الى تهميش القانون وهيمنة الفئوية.