... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله

 

  مقالات و حوارات

   
في رحاب ( كنزا ربّا ) – الكتاب المقدس للصابئة المندائيين - 1

بشار حربي

تاريخ النشر       18/09/2007 06:00 AM


الله ( الفكرة والقدرة )
 
  أن مبدأ التوحيد ليس فكرة طارئة على الديانة المندائية  أو خارجا عن مضمونها ، بل هو في جوهر العقيدة المندائية وركن أساس من أركانها الخمسة المعروفة وهي ( التوحيد – التعميد – الصلاة – الصوم – الصدقة ) ، وقد ارتكزت ديانتنا في بنائها اللاهوتي على حجر الزاوية فيها وهو ( التوحيد ) ، ولا تكاد تجد في أي من نصوصها الدينية أو الأدبية أو في أدعيتها  وتراتيلها ، نصا لايبتدىء بذكر الحي العظيم ، الأزلي البصير القدير العليم العزيز الحكيم ، الذي هو منبع النور والخير والحكمة والتشريع . ويعود قدم الاعتقاد بالتوحيد في الديانة المندائية الى ( آدم ) نبي الصابئة المندائيين الأول الذي جبل على الأيمان والاعتقاد بوجود الحي العظيم ، وعلى يد الملائكة والأثريين الذين يسبّحون للخالق جلّ وعلا ، صبحا وعشيا . فوجود الخالق في ديانتنا – وهذا أمر بديهي – هو وجود سابق لوجود ( آدم )ع  . ولم يك الله فكرة أبتدعها ( آدم ) أو الأنبياء من بعده ليهتدي بها بنو البشر . فقد جاء في كتابنا المقدس ( كنزا ربا ) – القسم الأيمن ((  ما كان لأنه ما كان ، ولا يكون لأنه لا يكون * خالد فوق كل الأكوان . لا موت يدنو منه ولا بطلان ))، أي أنه أنبثق من ذاته ، ولم يك من زمن قبله ، بأمره بدأ الزمان وعرف المكان . فزمان الحي ليس كزماننا الأرضي الذي به نقيس أعمارنا ، وهو زمان ربّاني . كما ليس لله في ( كنزا ربا ) من صيرورة أو كنه ، وليس له ((  لا أب ولا ولد ولا يشاركه في ملكه أحد ))، صانع كل شيء ، ولم يصنعه أحد .. يسمو فوق الأفكار وليست له دار.. موجود بيننا بالمعنى الغيبي وغير موجود بالمعنى المادي ..نستدل عليه حين نرى بديع صنعه ، ولا تراه أبصارنا ، بل تستدل عليه بصيرتنا((  البهيّ ، الساكن في الشمال العلوي )). يتجلى لنا في الطبيعة وما وراء الطبيعة ، وهاهو العقل الإنساني يتبين ويتعرف على قدرة الخالق في كل حقول المعرفة ، فقد سقطت وعلى مر الزمن كل النظريات العلمية والفلسفية التي تشير إلى أن الصدفة التاريخية قد خلقت الوجود ، أو أن تفاعلات كيماوية أو إحيائية قد خلقت الإنسان والحيوان ، أو تلك القائلة بالنشوء والارتقاء  وغيرها كثير ، وهذه ( كنزا ربا ) تقول   (( قال ملك النور السامي قوله فكان كل شيء * نزل بثاهيل (1) فرفع السماء وبسط الأرض ونادى ملائكة النار * وهبت الشمس ضياء ، ووهب القمر بهاء والنجوم سناء ، ورفعت كلّ إلى مدار * وتكونت العواصف والماء والنار * وتكونت الثمار والأعناب والأشجار * وكوّن الحيوان الأليف ، والوحش الكاسر * ومن التراب والطين الأحمر ، والدم والمرارة ، ومن سر الكون ، جبل آدم وحواء .. وحلت فيها نشمثا (2) بقدرة ملك النور))، وهو الذي قال للملائكة كوني فكانت ، ومن ضيائه النقي انبثقت ، أنه الله الخالق المتفرد في علاه ، آمن به المندائيون – غرس التوحيد الأول – وماآحتاجوا عبر تاريخهم الطويل أن يجسدوه في شاخص مادي ، بل أبقوه غارسا للأيمان في قلوبهم ، ومصباح هداية في عقولهم .. يحبونه لأنه كل المحبة ، ويجلوّنه ويعظمّونه في شعائرهم وصلاتهم لأنه ممجّد ، معظم ، موقر ، قيّوم ، ولم يشاركوه في سلطانه أو يصاحبوه في صولجانه ، وبهذا فقد سبّحوه وحده ،وباركوه وحده ، وعظمّوه وحده ، منحوه كل الصفات الإيجابية ، ((  نور لا بطلان فيه ، وخشوع لا عصيان فيه ، وبرّ لا شقاق فيه ، وأيمان لا خداع فيه ، وصدق لا كذب فيه )) ، وأمتثل المندائيون لوصاياه ، عرفوها وفهموها فجسّدوها ، ثم استقاموا بها .. رجوه واتكلوا عليه ، ونهلوا من حكمته ، فاهتدوا ، وها هي ( كنزا ربا ) توصينا أن لا نشرك بالحيّ الأزلي ، ولا نسجد للشيطان ، ولا نكتنز الذهب والفضة ، وأن نموت عراة كما خلقنا .. توصينا ، أن لا نزني ولا نسرق ولا نبدّل في الكلام ، وأن نحترم الآباء والأمهات والأخوة الكبار ، وأن لا نشتهي مقتنى غيرنا ، وان الحي الأزلي يوصينا بالمحبة والألفة والرحمة والود وفرائض الدين .
  وفي ( التسبيح الثاني من كنزا ربا – القسم الأيمن ) ما يغني النفس ويثريها ، ويزيد تقواها ويهديها ، فقد حددت أن معرفة الغيب والتنبؤ به وبما سيأتي من الزمان ، كالموت وغيره ، مرهون بأمر الحي العظيم البصير القدير العليم . ولذلك ، فأن ديانتنا لا تؤمن بالتنجيم والسحر والشعوذة ، وتؤمن بالقدر ، ولكنها لا تلغي الحذر .
  والله الحي الأزلي ، غفور ، رؤوف ، رحيم ، فاحص ، خبير ، قدير ، حليم ، موحي الخفايا ، كاشف الرزايا ، مقوّم الصالحين ، مخلـّص المؤمنين . ((  أيها الزاكي المزكي : أعف عنّا ولا تحكم علينا * نحن عملنا كل الخطايا .. عيوننا غمزت وأفواهنا لمزت وأيدينا همزت وآذاننا الى الشر أصغت : ربّنا تب علينا وترفـّق بنا وخذ بأيدينا )) ، فالله – هيّي – كما نرى فاصل الحياة عن الموت ، لطيف ، رحيم ، منـّان ، منقذ لعباده الصالحين من ظلمات النار ، وهو واهب الحياة الأولى والثانية والثالثة والرابعة ، وخالق الماء الحي ، فكان للماء قدسية ، به نتعمد وفيه نرتسم برسم الحي الأزلي ونعطي له العهد ( الكشطا ) ، فنصبح مندائيين .
  هو الخالق الذي قدّر للأشياء منازلها ، وستبقى تدور في معاقلها الى أن يأذن الذي أمر .
1- بثاهيل : ملاك أثـري يمثل الحياة الرابعة ، شارك في عملية الخلق والتكوين وله مطهر
2- نشمثا : النفس وجمعها نشماثا ، وهي جوهر الحياة ، ومصدرها عالم النور ، وهي هبة الخالق سبحانه للأنسان

( وللحديث صلة )

رجوع


 
 

ابحث في الموقع

Search Help

بحث عن الكتاب


انضموا الى قائمتنا البريدية

الاسم:

البريد الالكتروني:

 


دليل الفنانيين التشكيليين

Powered by IraqiArt.com 


 

 

 
 
 

Copyright © 2007 IraqWriters.com All Rights Reserved.

 

 

Developed by
Ali Zayni